السلطة الجزائرية تخترق ندوة الحوار السياسي للمعارضة
ألمحت الرسائل المبطنة بين فاعلي ندوة الحوار السياسي التي انعقدت خلال الأيام الماضية إلى بوادر أزمة بين أقطاب المعارضة، على خلفية المناورات التي طفت على السطح، والانتقادات التي وجهت للمنظمين بعد توجيه الدعوة لعدد من الناشطين المطعون في مسارهم ومواقفهم.
وقوبل حضور عدد من الناشطين في ندوة منتدى الحوار الوطني بانتقادات شديدة على خلفية شرعيتهم المهزوزة ومسارهم النضالي الغامض، وحتى مواقفهم الغريبة، على غرار نورالدين ختال وعبدالمنعم شيتور وبلقاسم شيحاوة، واعتبروا كأحد أبرز مؤشرات الفشل المنتظر لمبادرة تكتل قوى التغيير.
وعزز التلاسن غير المعلن بين قيادات سياسية حضرت الندوة، طابع المناورة الذي خيم على الندوة السياسية، بعد أن طفا على السطح الحديث عن بيانين مختلفين توجا الأشغال، الأمر الذي يمهد لأزمة سياسية في معسكر المعارضة، أو لإعادة الاصطفافات عقب ظهور خلافات عميقة في تصورات مختلف الأطراف.
ولم يستبعد متابعون للشأن السياسي في الجزائر، أن تكون الندوة التي نظمها تكتل قوى التغيير، قد تم اختراقها من طرف السلطة، عبر زرع عدد من الناشطين والمناضلين المؤيدين لخارطة طريق المقاربة الدستورية والذهاب للانتخابات الرئاسية في أقرب الآجال.
وأثار حضور بعض الناشطين والقوى السياسية المعروفة بولائها لتوجهات السلطة منذ بداية الحراك الشعبي في فبراير الماضي، استغراب المتابعين، خاصة وأن التكتل المنظم أضاف منذ نشأته عبارة “نصرة الشعب” لشعاره “قوى التغيير”، بينما ركز واحد من البيانين على الانتخابات الرئاسية، دون إشارة إلى الشروط الواردة في البيان الآخر.
ويعرف الإعلامي والناشط السياسي نورالدين ختال بمناصرته لمقاربة قيادة المؤسسة العسكرية، وبمعاداته لقطاع من المعارضة ولأنصار التيار الأمازيغي، بينما يشتهر عبدالمنعم شيتور بتأييده لأفكار التطرف والتشدد الديني، وحتى التعاطف مع التنظيم الإرهابي العالمي “داعش”، في حين يبقى بلقاسم شيحاوة، شخصية مغمورة، تحاول استقطاب الأضواء بقيادة جمعية محلية، وإيداع ملف النية في الترشح لانتخابات الـ18 أفريل الملغاة.
وتسير وثيقة “عين البينان” التي توجت ندوة المعارضة إلى الانفجار والعزلة، في ظل العديد من المؤشرات، على غرار المقاطعة المبكرة للعديد من الشخصيات الوازنة التي كان يعول عليها لإضفاء الوزن السياسي اللازم، كما هو الشأن بالنسبة لأحمد بن بيتور، أحمد طالب الإبراهيمي، مولود حمروش، ومصطفى بوشاشي، والعديد من الشخصيات الناشطة.
وفيما قوبلت الندوة برفض قطب “البديل الديمقراطي”، المشَكّل من عدة أحزاب سياسية، لخلافات جوهرية حول دور المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي، فإن الانفجار يهدد الندوة بسبب خلافات غير معلنة ظهرت بين منسق الندوة عبدالعزيز رحابي، وبين قيادات سياسية، بسبب نوعية الحضور ومنع بعض الأطراف من الحضور، وقصة البيانين المتضاربين.
وتتحدث تسريبات عن أن السلطة التي أولت اهتماما بالندوة، كانت تراهن على اختراقها من طرف العناصر الموالية لها لفرض توجهاتها على المخرجات، أو أطراف سياسية من صنيعتها، وأن منسق الندوة عبدالعزيز رحابي، يتم تحضيره لأداء دور مهم في المرحلة القادمة، ومن المرجح تمكينه من منصب رئيس الحكومة خلفا لنورالدين بدوي.
وشدد القيادي في حركة العدالة والبناء لخضر بن خلاف، على أبوية تكتل قوى التغيير لندوة “عين البنيان”، وعلى أن هدف التكتل منذ نشأته في فبراير الماضي، كان “تجميع أكبر عدد من المبادرات والفاعلين السياسيين ونشطاء الحراك وكل طبقات المجتمع لإصدار وثيقة واحدة تكون محل توافق بين الحاضرين في المنتدى وقادرة على إخراج البلاد من الأزمة”.
واتهم بشكل مبطن عبدالعزيز رحابي بتعمد الإخلال بأجندة الندوة من أجل السماح للبيان الموازي بالمرور والتزكية، رغم أن “وثيقة المنتدى الحوار لتحقيق مطالب الشعب” هي الوثيقة الوحيدة والحصرية والرسمية المنبثقة عن الندوة، وقد برمجت تلاوتها في افتتاح الأشغال، إلا أنه تم تأخيرها بإيعاز من أطراف كانت تريد استبدال الوثيقة “عين البنيان” ببيان مقتضب لم يزكه الحضور ولا يحمل في طياته إلا موضوع الانتخابات الرئاسية.
وأضاف “هذا البيان مجهول الهوية فهو لا يحمل إمضاء، وأرسل لوسائل الإعلام لمخادعتها ليكون مكان الوثيقة الرسمية التي حضرها المنظمون لمدة 3 أسابيع وقرئت في المنتدى وأصبحت هي الوثيقة الحصرية والرسمية التي تعبر بوضوح عن مخرجات الندوة رغم ما فيها من نقائص”.
ومن جهته صرح الناشط السياسي محمد أرزقي فراد بأن “المشاركين في منتدى الحوار الوطني لم يصادقوا على أي بيان، والذي حصل هو مشروع بيان، تم عرضه من طرف رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، لكنه لم يحظ بالموافقة من طرف بقية الأحزاب السياسية”. وأضاف “الوثيقة الرسمية التي عبرت بأمانة عن منتدى الحوار هي الأرضية التي قرأتها أمام الحاضرين، والتي تتكون من ست صفحات، للخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد”.
وتابع “كما أننا اشترطنا ضرورة رحيل حكومة بدوي، وعدم مشاركة كل من له علاقة بنظام بوتفليقة في التحضير للانتخابات المقبلة، وفتح مجال الإعلام وإطلاق سراح سجناء الرأي وهم المدونون والشباب الذين شاركوا في المسيرات والذين رفعوا الرايات الأمازيغية، والمناضلون السياسون في الأحزاب والمجاهد الأخضر بورقعة، قبل إطلاق أي حوار، لأنه من غير المعقول أن نذهب إلى حوار من دون تهدئة”.
ومن جهة أخرى رفض حزب العمال اليساري في آخر بيان له، الانخراط في دعوة رئيس الدولة المؤقت للحوار، وبرر موقفه بما أسماه بـ “رفض النظام الاستماع إلى صوت الأغلبية من الشعب، والسماح له بالتعبير عن إرادته وممارسة سيادته الكاملة، ومضاعفته المناورات والاستفزاز والقمع ضد الأحزاب السياسية والنشطاء السياسيين والنقابيين والصحافيين والطلاب وحتى المجاهدين، ومعاقبة الذين يعارضونه”.
أما السيناتور في مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، عبدالوهاب بن زعيم، فقد وصف ندوة المعارضة بـ”المولود الميت “، وشدد على أن دعوة بن صالح، هي المخرج الناجع من الأزمة السياسية.