السلطة الجزائرية تصدر الأزمة إلى الطبقة السياسية
خطاب بن صالح يعطي الانطباع بأن السلطة تريد تفخيخ الحوار من خلال الإيحاء للرأي العام بأن الأزمة بين القوى السياسية، وليس بين الشارع والسلطة.
تشير تصريحات الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح إلى محاولة السلطة تفخيخ الحوار السياسي المنتظر، بتصدير الأزمة إلى الطبقة السياسية والنأي بالنفس عن حالة الاستقطاب الحادة في البلاد، منذ بداية الحراك الشعبي في البلاد، وذلك عشية احتجاجات استثنائية في الجمعة العشرين.
ودعا عبدالقادر بن صالح إلى مباشرة حوار سياسي في القريب العاجل، تسند مهمة إدارته والإشراف عليه إلى شخصيات مستقلة ولا تملك طموحات سياسية وذات مصداقية لدى الشعب، من أجل تهيئة الظروف اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية تسمح للبلاد بتخطي الوضع القائم.
وشدد في الخطاب الذي ألقاه عشية الاحتفالية السنوية بعيد الاستقلال الوطني (الخامس من يوليو)، على أن السلطة ستلتزم الحياد وعدم التدخل بأي شكل من الأشكال، من أجل توجيه الحوار أو التأثير عليه.
ولفت إلى أن المؤسسة العسكرية تحديدا ستكون بعيدة عن التجاذبات السياسية وعن النقاش المفتوح بين أطراف الحوار، في خطوة لطمأنة المتخوفين من تغول نفوذ الجيش في المشهد السياسي منذ تنحية الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ومما يثار لدى بعض الدوائر السياسية من أن العسكر يخطط لاختيار رئيس للبلاد.
وأعطى خطاب بن صالح الانطباع بأن السلطة تريد تفخيخ الحوار من خلال الإيحاء للرأي العام بأن الأزمة بين القوى السياسية، وليس بين الشارع والسلطة، وأن غياب مؤسسات الدولة لا يلزمها في ما بعد بمخرجات الحوار، خاصة مع تفاقم حالة الاحتقان بسبب الممارسات القمعية والتضييق الإعلامي، حيث تسارعت وتيرة حبس العشرات من الناشطين في الحراك الشعبي وأصحاب الرأي.
وجاءت دعوة بن صالح للحوار في أجواء سياسية يخيم عليها طابع الشك والمناورة، بعد الاعتقالات التي طالت عددا من الناشطين وأصحاب الرأي، وعلى رأسهم القيادي في جيش التحرير الوطني (1962-1954) الرائد لخضر بورقعة، بتهمة إهانة مؤسسة نظامية والمساس بمعنويات الجيش.
ولم يحمل الحوار المنتظر أي تفاؤل بشأن فتح آفاق جديدة للأزمة السياسية في البلاد، بسبب غياب إجراءات تهدئة ميدانية تمس مساجين الرأي والناشطين، وعلق أحد الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي بالقول “حوار حر دون حريات”.وتستمر حملة التعبئة على مختلف المنصات الافتراضية، من أجل أن تكون احتجاجات الجمعة العشرين من عمر الحراك الشعبي استثنائية وحاسمة في مسار البلاد، نظرا لتزامنها مع الاحتفالية السنوية لعيد الاستقلال الوطني، حيث يريد الناشطون توظيف الرمزية التاريخية في هبة شعبية ترحّل النظام القائم، كما تم قبل 57 عاما ترحيل المستعمر الفرنسي.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن تكون نهاية هذا الأسبوع حاسمة في تاريخ البلاد، قياسا بإشهار أطراف الأزمة للأوراق الأخيرة المتاحة لديها، فالسلطة تريد الاستمرار في أسلوب المناورة عشية نهاية المهلة القانونية التي حددها الدستور للرئيس المؤقت من أجل تنظيم انتخابات رئاسية والشارع متمسك بتحقيق مطلبه الأساسي المتمثل في التغيير السياسي الشامل ورحيل السلطة.
وفيما يستعد تكتل قوى التغيير المعارض، لتنظيم ندوة حوار وطني بداية من السبت، استبعد منها القوى التي كانت تؤيد نظام بوتفليقة، أطلقت السلطة العرض السياسي الجديد في أجواء تطبعها الشكوك والغموض، في ظل تجاهلها للحراك الشعبي كطرف مقابل، واعتبره بن صالح جزءا من الأطراف المدعوة.
ورغم زعم الرئيس المؤقت بتوجيه الدعوة لجميع الأطراف الفاعلة في المجتمع، إلا أن الاستفهامات تبقى مطروحة بشأن مساجين الرأي في الداخل والممنوعين من دخول التراب الوطني، على اعتبارهم ناشطين ومعارضين، حرموا لسنوات من حقهم في التعبير والحرية، وفي ظل الغلق الإعلامي المكرس لخدمة تصورات السلطة.
وأمام ترحيب أحزاب سياسية معروفة بولائها للنظام منذ نشأتها على غرار التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وجبهة التحرير الوطني، بالدعوة التي أطلقها عبدالقادر بن صالح، وتعبيرها المبكر عن استعدادها للمشاركة فيه، فإن قوى معارضة تراوحت مواقفها بين التحفظ وبين الرفض المطلق.
الحوار المنتظر لا يحمل أي تفاؤل بشأن فتح آفاق للأزمة، بسبب غياب إجراءات تهدئة ميدانية تمس مساجين الرأي والناشطين
وأعلن رئيس الحكومة السابق والشخصية السياسية المستقلة أحمد بن بيتور عن رفضه المطلق لدعوة الحوار، وقال “لست معنيا بها”، أما رئيس جبهة العدالة والتنمية الاخوانية عبدالله جابالله، فقد وصف الدعوة بـ”الإيجابية لكنها غير كافية”، في حين يسود إجماع لدى ناشطي الحراك الشعبي على أن تركز احتجاجات الجمعة العشرين على الأحزاب الموالية للسلطة وعلى رأسها جبهة التحرير الوطني، لكسر العكاز السياسي الذي تستند عليه السلطة لتمرير أجنداتها.
وكانت السلطة قد ضحت بأحد رجالاتها خلال هذا الأسبوع، وهو رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) معاذ بوشارب، الذي أعلن عن استقالته تحت ضغط نواب الأغلبية البرلمانية الموروثة عن نظام بوتفليقة.
وتتطلع الأنظار لما يتردد عن استقالة حكومة نورالدين بدوي، كخطوة لامتصاص حدة الغضب الشعبي، خاصة وأن الرجلين خاصة الأخير يمثلان مفتاحين أساسيين في تلبية مطالب الحراك الشعبي.
وبدوره لم يتردد قائد أركان الجيش الجنرال قايد صالح، الذي بات يوصف بـ”الحاكم الفعلي للبلاد”، في انتقاد المنظومة السابقة والأركان التي تأسس عليها، قياسا بـ”حجم الفساد الذي نخر الدولة في العهد السابق، وخيانتها لوظيفة القيادة ولرسالة الشهداء الذين حرروا البلاد من الاستعمار”.
وجاءت الكلمة الجديدة لقايد صالح، في ظل تنامي الانتقادات لإمكانية تحويل القضاء إلى آلية لتصفية الحسابات في ظل غياب مؤسسات شرعية وعدالة مستقلة في البلاد، والتي وصفها المتحدث بـ”الأبواق التي تريد إنقاذ رموز الفساد من الحساب”.