الاتحاد الأوروبي يستكمل التعيينات في المناصب العليا
كرست التوافقات بشأن التعيينات في المناصب العليا الأهم في الاتحاد الأوروبي سياسة أوروبية قديمة محورها الغرب وهامشها الشرق، بعد أن تّم التوافق على تعيين ألمانية وفرنسية وإيطالي في المناصب الثلاثة الأهم داخل التكتل، فيما تم إهمال التوازن مع دول الشرق التي لم تفز مجتمعة بأي منصب قيادي صلب تكتل مليء بالانقسامات يشكك الكثير من منتسبيه في جدوى مؤسساته.
ستراسبورغ (فرنسا) – انتخب البرلمان الأوروبي الأربعاء الإيطالي الاشتراكي الديمقراطي ديفيد ساسولي رئيسا في آخر منصب رفيع شاغر في الاتحاد الأوروبي بعد يوم من تعيين امرأتين بمنصبين رئيسيين في خطوة غير مسبوقة.
وحصل الصحافي السابق البالغ من العمر 63 عاما على الغالبية المطلقة من الأصوات التي احتاج إليها في الجولة الثانية من التصويت، متفوقا على منافسته الألمانية من حزب الخضر سكا كيلير والإسباني سيرا ريغو (يسار متشدد) والتشيكي المحافظ جان زاهرايدل.
وتولى النواب الجدد الذين انتخبوا في مايو الماضي مهامهم الثلاثاء بعد جلسة افتتاح قصيرة في ستراسبورغ، قبل أن يشاركوا في عملية تصويت سريّة لاختيار ساسولي كخليفة لأنطونيو تاجاني، وهو محافظ إيطالي.
وبات البرلمان الذي يضم 751 مقعدا ومقره ستراسبورغ في فرنسا أكثر انقساما من أي وقت مضى بعد انتخابات مايو التي حقق الليبراليون والخضر مكاسب كبيرة فيها إضافة إلى اليمين المتشدد والمشككين في الاتحاد الأوروبي.
ويكمل انتخاب الرئيس قائمة الشخصيات التي تولت المناصب الخمسة الأكثر أهمية في الاتحاد الأوروبي بعدما تم الاتفاق على باقي الأسماء بعد ثلاثة أيام من المفاوضات التي أجراها قادة التكتل الـ28 في بروكسل.
وتعد رئاسة البرلمان التي حددت ولايتها بسنتين ونصف السنة، من المناصب التي يجري التنافس عليها وتسعى الكتل السياسية الأوروبية الكبرى إلى تقاسمها، وإن كانت أقل أهمية من منصب رئيس المفوضية الأوروبية أو البنك المركزي الأوروبي.
واختار القادة الأوروبيون الثلاثاء وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لايين لرئاسة المفوضية الأوروبية ورئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد كرئيسة للبنك المركزي الأوروبي، رغم أنه لا يزال يتعيّن إقرارهما.
وبينما تم الحفاظ على التوازن بين الجنسين عند اختيار المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي، مع اختيار امرأتين من بين أربعة ترشيحات، تم إهمال التوازن بين الشرق والغرب ولم يجر اختيار أي سياسي من شرق أوروبا لتولي منصب كبير.
وأشار القادة كذلك إلى ضرورة تناوب الاشتراكيين وحزب تاجاني “حزب الشعب الأوروبي” على رئاسة البرلمان الأوروبي خلال السنوات الخمس المقبلة. ويستكمل انتخاب ساسولي الجزء الأول من الاقتراح، لكن لا يزال من غير الواضح إن كان سيتم إفساح المجال لتطبيق ذلك لاحقا.
وتخلّى رئيس كتلة حزب الشعب الأوروبي الألماني مانفريد فيبر عن الترشح لرئاسة البرلمان في أعقاب قمة بروكسل، وبعدما كان ترشّح لرئاسة المفوضية.
وقال خلال مؤتمر صحافي في ستراسبورغ “الأمر طبيعي. بعد عامين ونصف العام كرئيس لحزب الشعب الأوروبي، بات الآن على الاشتراكيين تقديم مرشحهم”، مؤكدا أنه “مستعد لدعم” مرشح الاشتراكيين.
ولكن الكتلة الاشتراكية الديمقراطية في البرلمان الأوروبي، الثانية بعد حزب الشعب الأوروبي لجهة عدد المقاعد التي تحتلها، طرحت اسم ساسولي بعدما انتقدت الاتفاقيات التي توصل إليها قادة التكتل الـ28 والتي وصفتها بأنها “مخيبة للآمال بشكل كبير”.
وكان هؤلاء يريدون أن يشغل أحد قادتهم هو الهولندي فرانس تيمرمانس رئاسة المفوضية.
ومع تأجيل بريكست حتى 31 أكتوبر، انعكست الانقسامات السياسية العميقة التي تشهدها بريطانيا على المشهد في المدينة الفرنسية لدى وصول النواب البريطانيين الـ73 إلى البرلمان الأوروبي.
ومع عزف النشيد الأوروبي لدى انطلاق أعمال البرلمان الثلاثاء، أدار النواب الـ29 من حزب بريكست بقيادة نايجل فاراج ظهورهم.
ونوّه فاراج الذي يشغل مقعدا في البرلمان الأوروبي منذ العام 1999 إلى إمكانية “اكتساح اللون الفيروزي” لبريطانيا في حال فشل المحافظون الذين يحكمون البلاد بتطبيق بريكست.
ويعد حزبه، الذي يتّخذ من الفيروزي لونه الرسمي، الحزب الوطني الذي يحتل أكبر عدد من المقاعد متبوعا بحزب الرابطة الذي ينتمي إليه وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني (28 مقعدا).
ومقابل فاراج، جلس الليبراليون الديمقراطيون المناهضون لبريكست الذين حققوا نتائج جيدة في انتخابات الاتحاد الأوروبي ووصلوا إلى ستراسبورغ مرتدين قمصانا صفراء اللون كتب عليها “بريكست هراء” و”أوقفوا بريكست”.
ونظريا، كان من المفروض أن يضم البرلمان الجديد 705 مقاعد فقط لو أخذ بريكست في الحسبان. وعندما تنسحب بريطانيا من التكتل، ستتم إعادة توزيع 27 من مقاعد بريطانيا على دول أخرى بينما يتم ترك 46 مقعدا آخر جانبا لاحتمال انضمام أي بلد آخر للاتحاد الأوروبي.
ورغم المكاسب التي حققها المناهضون للاتحاد الأوروبي، إلا أن المعسكر المؤيد للتكتل حافظ على أغلبية مريحة مع حصوله على أكثر من ثلثي الأصوات بعد جمع النواب من “حزب الشعب الأوروبي” (182 نائبا) والاجتماعيين الديمقراطيين (154) والوسطيين من حزب “جددوا أوروبا” (108) والخضر (75).
وأما أكبر قوة حزبية حكومية فهي التحالف بين حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري بمجموع 29 نائبا.
ويشكل هؤلاء العمود الفقري لحزب الشعب الأوروبي، أكبر مجموعة سياسية في البرلمان والتي عرقلت الانقسامات الداخلية في أوساطها حتى الآن تحقيق أي تقدم في ملء المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي.
ولكن الوسطيين المتحالفين مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يسعون كذلك إلى لعب دور محوري وتحقيق طموحاته بإصلاح التكتل. وخلال جلسة الافتتاح كذلك، احتج الانفصاليون الكاتالونيون خارج البرلمان دعما لثلاثة من نوابهم منعتهم مدريد من شغل مقاعدهم. وشارك نحو 10 آلاف متظاهر على الأقل رفعوا أعلام كاتالونيا أمام البرلمان الأوروبي.
والنواب الثلاثة الذين حرموا من مقاعدهم هم رئيس حكومة إقليم كاتالونيا السابق كارليس بودجيمون الذي هرب إلى بلجيكا بعد صدور مذكرة توقيف بحقه في أعقاب قيادته محاولة للانفصال في 2017، والوزير السابق توني كومين والناشط المؤيد للاستقلال أوريول خونكيراس، المعتقل في إسبانيا.
وقالت متحدثة باسم البرلمان إن مقاعدهم ستبقى فارغة وهو أمر يعود “إلى السلطات الإسبانية لا البرلمان الأوروبي”.