ما الذي يخطط له تكتل “قوى التغيير” الجزائري في اجتماعه القادم
هناك من يرى أن المبادرات الفردية والجماعية والرسمية الكثيرة التي قدمت حتى الآن بقصد إيجاد حل للأزمة الجزائرية لم تقدر أن ترسم خارطة طريق مقبولة من طرف الحراك الشعبي ومؤسسة الجيش معا، لأنها ببساطة تحيد عن الأسباب الحقيقية التي فجرت أزمة النظام الجزائري الحاكم الذي لم يقدم حتى الآن على إنجاز أي قطيعة راديكالية مع جوهر بنية النظام الحاكم، ومع تعقيدات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وثقافة الحكم الشللي والجهوي والفاسد التي تسببت في انفجار الغضب الشعبي في وجه الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وجماعته.
أما إجراءات المحاسبة الانتقائية التي طالت عددا من رجال الأعمال والسياسيين وتوجت بإيداعهم السجن فهي مجرد ترقيع شكلي لا يمكن أن يسمى بالتحول الجذري في السياسات الجزائرية التي تميزت بسد الطريق أمام بناء الديمقراطية ودولة التقدم الوطني.
في ظل هذا الجمود المتواصل في الحياة السياسية الجزائرية يُلاحظُ أن مستقبل الحراك الشعبي قد أصبح غير واضح، خاصة بعد ظهور علامات تناقص في زخم الدافع الحيوي الذي تميز به أثناء انطلاقته في 22 فبراير الماضي إلى غاية إقحام مشكلة الراية الأمازيغية التي صارت توظف الآن، سواء من طرف المؤسسة الحاكمة الجديدة أو من قبل نخب معروفة بخوفها من التعددية الثقافية في الجزائر كفزاعة تهدد الوحدة الوطنية.
ويعتقد محللون سياسيون جزائريون أن هذا الوضع المليء بالتناقضات هو الذي يدفع إلى ظهور سلبيات في المشهد الجزائري، ومنها إقدام أفراد معروفين بتعطشهم للسلطة على تقديم أنفسهم بأسلوب ملتو مرة كزعماء للحراك الشعبي، وحينا آخر كممثلين له. مع أن الشعب الجزائري لم ينتخبهم على مستوى البلديات والمحافظات في الجزائر، وهو الأمر الذي ينذر بالانحرافات والانقسامات في صفوفه، ويضاف إلى هذا ظهور شخصيات شغلت في ظل النظام المرفوض شعبيا على مدى سنوات مناصب وزارية ودبلوماسية حساسة، بمظهر المعارضين وهم في الحقيقة ليسوا كذلك بل يشكّلون عبئا ثقيلا على الحراك الشعبي ونقطة ضعف كبيرة في الحياة السياسية الوطنية بشكل عام.
لا شك أن الوضع القائم والمأزوم يبرز أن هناك من يعمل بلا هوادة وفي الكواليس على تحويل الحراك الشعبي إلى أداة توظف لحسم الأطراف المتصارعة في أعلى هرم النظام الحكم الجزائري للصراع في ما بينها. وفي هذا السياق ينبغي فهم الأهداف الخطيرة للتحضير لاجتماع ما يسمى بتكتل أحزاب المعارضة والمجمع المدني يوم 6 من الشهر الجاري على وحدة الحراك الشعبي ومطالبه الراديكالية، وفي مقدمتها تغيير بنية النظام بكامله سياسيا وثقافيا وفكريا وأمنيا. فضلا عن إسقاط الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح والوزير الأول نورالدين بدوي وحكومته، والتخلص نهائيا من بقايا رموز النظام الحاكم.
يبدو واضحا أن مؤسسة الجيش لها رأي مخالف ومختلف للشعارات والمطالب المرفوعة من طرف الحراك الشعبي، وجراء ذلك فهي تعلن دوما بأنها ترافق الحراك وفي الوقت نفسه هي تلجأ إلى التنفيذ الانتقائي للمطالب المذكورة، بحجة أنها تلتزم فقط بالشرعية الدستورية وترفض المرور بالمرحلة الانتقالية.
في ظل هذا التوتر القائم بين الحراك الشعبي وبين مؤسسة الجيش ينظر المحلل السياسي بعين الريبة إلى الأهداف المضمرة لاجتماع يوم 6 من هذا الشهر لما يسمى “بقوى التغيير”، والتي تخرج بمواقف داعمة للحل الملتزم حرفيا بجزء من الدستور، وعدم العمل ببنوده المركزية الأخرى التي تقول إن الشعب هو منبع كل السلطات والقوانين.
إلى جانب هذا المشكل هناك من يرى أيضا أن إشراك تكتل “قوى التغيير” لبعض الأشخاص من خارج أحزاب المعارضة التقليدية والذين أعلن عن أسمائهم كمشاركين في هذا الاجتماع بإرادتهم الشخصية ودون تفويض من الحراك الشعبي، سيقسم الصفوف ويسقط الجميع في شرك لعبة النظام الحاكم وأدواته المتمثلة في أحزاب الموالاة وعدد من أحزاب المعارضة التي تعوّدت على التحالف مع السلطة.
في ظل هذا الوضع المتشابك يصبح طرح السؤال التالي ضروريا وهو: من الذي يقف وراء تحريك ما يسمى بالتكتل المدعو بـ”قوى التغيير”، علما أن أحزاب المعارضة والشخصيات التي يتشكل منها هذا التكتل غير متجانسة، وإلى جانب ذلك فإن الحراك الشعبي لا يزكيها ولا يعتبرها ممثلة له؟ أما ما يسمّى بعنصر المجتمع المدني الذي يروّج له بأنه جزء عضوي من تكتل “قوى التغيير”، فهو في الواقع غير متجانس أيضا، ومن جهة أخرى فإن روابطه وجمعياته غير مستقلة بل هي تابعة بهذا الشكل أو ذاك للنظام الحاكم، وهذا يحول دون توفر المصداقية لدى الحراك الشعبي.
في هذا السياق ينبغي التذكير أن الشخصيات المدنية المعلن عن مشاركتها في اجتماع 6 يوليو قد طرد الحراك الشعبي بعضها من صفوفه، كما ندد بها مرارا على لسان الناشطين فيه معتبرا إياها جزءا من الفساد السياسي، وجوقة انتهازية تحاول ركوب الموجة لتحقيق مآربها الخاصة بها فقط.
فهل أن الهدف الأساسي من تسريع طبخة اجتماع تكتل ما يسمى بقوى التغيير في يوم 6 يوليو هو استكمال سيناريو القضاء على الحراك الشعبي ثمَ تكريس حرب المواقع من أجل انفراد هذا التكتل بالحوار مع مؤسسة الجيش والاستيلاء على المناصب الحساسة في الحكومة ومختلف أجهزة الدولة في المستقبل القريب؟