استقالة رئيس البرلمان الجزائري طعم للحراك الشعبي
قدم رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) معاذ بوشارب استقالته من منصبه، تحت ضغط التمرد الذي قادته عدة كتل نيابية في المجلس، لاسيما المشَكّلة لأحزاب الأغلبية الموالية للسلطة، ليكون بذلك ثاني شخصية تسقط من منظومة السلطة الموروثة عن نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
ولم يستطع بوشارب الصمود أمام حملة المناوئين له خاصة في الحزب الذي ينتمي إليه (جبهة التحرير الوطني)، وحلفائه في المجلس، وهم التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية الجزائرية وتجمع أمل الجزائر ونواب مستقلون وتحالف النهضة والعدالة والبناء.
ورغم المقاومة التي أبداها خلال الأسابيع الأخيرة، رغم افتقاده للسند الحزبي بعد خلافته بمحمد جميعي على رأسي الحزب الحاكم، واحتفاظه ببعض الموالين له، إلا أن الضغوط كانت أكبر منه، كونها استمدت قوتها من السلطة الفعلية القائمة في البلاد.
وتشير تطورات الوضع داخل الغرفة البرلمانية إلى أن مؤسسة الجيش التي تدير شؤون البلاد منذ تنحي بوتفليقة مطلع أبريل الماضي، حسمت في الأمر بالتضحية بوجه آخر من وجوه السلطة، من أجل امتصاص الغضب الشعبي المستمر في البلاد منذ نحو خمسة أشهر.
ولا يستبعد أن تكون الخطوة جزءا من خطة جديدة تعكف على تنفيذها المؤسسة العسكرية، تستهدف تقديم طعم للحراك الشعبي من أجل العودة إلى منزله، والانخراط في أجندة سياسية ينتظر الكشف عنها في الساعات القادمة من طرف رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح.
عبدالقادر بن صالح يستعد لتقديم خارطة طريق تدعو لفتح حوار سياسي شامل والإعلان عن موعد جديد للانتخابات الرئاسية
ورغم أنه كان يوصف بـ”الباء الرابعة”، إلى جانب كل من بن صالح ونورالدين بدوي رئيس الحكومة وطيب بلعيز رئيس المحكمة الدستورية، الذين طالب المحتجون برحيلهم لتحقيق مطلب الرحيل الكلي للسلطة، إلا أن درجة الغضب ضد بوشارب لم تكن بالحدة نفسها تجاه “الباءات” الأخرى.
ويحسب معاذ بوشارب على ما كان يعرف بـ”القوة غير الدستورية” التي كانت تدير شؤون البلاد بالنيابة عن الرئيس السابق بوتفليقة، واشتغلت طيلة السنوات الأخيرة على تمرير ولاية رئاسية خامسة للرئيس العاجز، قبل أن تندلع الاحتجاجات السياسية في البلاد، وتطيح بالمخطط.
واستطاع النائب البرلماني الشاب، (47 عاما)، أن يتدرج بسرعة فائقة في المدة الأخيرة، حيث خلف جمال ولد عباس في هرم حزب جبهة التحرير الوطني، وتمت تزكيته بايعاز من محيط بوتفليقة، كرئيس للغرفة البرلمانية، خلفا للرئيس المطاح به العام الماضي سعيد بوحجة.
وبرر المطيحون بمعاذ بوشارب حركتهم بالحفاظ على استقرار المؤسسة التشريعية، والتجاوب مع التطورات السياسية المسجلة في البلاد، لاسيما الحراك الشعبي وخيارات المؤسسة العسكرية للإطاحة بمن وصفهم قايد صالح بـ”العصابة”، في إشارة إلى محيط بوتفليقة، وعلى رأسهم شقيقه الأصغر ومستشاره المسجون منذ نحو شهرين في السجن العسكري سعيد بوتفليقة.
ولم تحظ استقالة رئيس البرلمان بردود الفعل المرحبة، على غرار ما وقع مع تنحي بوتفليقة واستقالة طيب بلعيز، بفعل اهتزاز الثقة بين الشارع وبين المؤسسة العسكرية في الأسابيع الأخيرة، واعتبرها ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي بـ”الحركة الجزئية من الخطة الشاملة لتفرد العسكر بالسلطة السياسية في البلاد”.
وتتحدث تسريبات في الجزائر عن استقالة منتظرة خلال هذا الأسبوع لرئيس حكومة تصريف الأعمال، وهو الذي ظل محل استياء كبير منذ تنصيبه خلفا لسلفه المسجون أحمد أويحيى، وظل صامدا في منصبه رغم مطالب التنحي المرفوعة منذ عدة أشهر.
ولا يزال الغموض يكتنف موقف المؤسسة العسكرية التي توعدت على لسان قايد صالح بمرافقة الحراك الشعبي وتحقيق مطالبه، في حين احتفظت برئيس البرلمان المستقيل كل هذه المدة وبرئيس الحكومة نورالدين بدوي، المحسوبين على نظام بوتفليقة.
وإذ يعرف الأول بالسيناريو غير الدستوري وغير القانوني الذي حبك من أجل استخلافه للرئيس السابق للبرلمان سعيد بوحجة في خريف العام الماضي، فإن الثاني متهم خلال شغله لمنصب وزير الداخلية سالفا بتزويره لعدة مواعيد انتخابية وبالتلاعب باستمارات الترشح التي جمعت لبوتفليقة من أجل تقديم ملف ترشحه لانتخابات الـ18 أبريل الملغاة.
وكانت مديرية حملة الرئيس السابق قد تحدثت عن جمع نحو ستة ملايين استمارة، فيما ثبت بعد ذلك أن الإدارة استعانت آنذاك بملفات المواطنين المودعة لدى مختلف المصالح، وقام الأعوان بناء على أوامر المحافظين ورؤساء الدوائر ورؤساء البلديات، بإيعاز من السلطات المركزية في وزارة الداخلية والحكومة، باستغلال البيانات في ملء الاستمارات المذكورة.
وطالب الحراك الشعبي وقوى المعارضة السياسية بفتح تحقيق في التجاوزات المرتكبة في هذا الشأن وإحالة المسؤولين عنها على القضاء، وعلى رأسهم نورالدين بدوي.
وذكر مصدر مطلع أن عبدالقادر بن صالح سيقدم في خطاب منتظر خلال الساعات القادمة، بمناسبة إحياء ذكرى الاستقلال الوطني في الخامس من يوليو، خارطة طريق تدعو لفتح حوار سياسي شامل والإعلان عن موعد جديد للانتخابات الرئاسية، مقابل ضمانات غير معلنة تتمثل في رحيل رئيس البرلمان الذي تم الثلاثاء، واستقالة مرتقبة لرئيس الحكومة نورالدين بدوي خلال هذا الأسبوع.
وتنتهي المهلة المؤقتة لرئيس الدولة الحالي في التاسع من يوليو الحالي، دون أن يستطيع تنظيم الانتخابات الرئاسية المنصوص عليها في دستور البلاد، حيث تم إلغاء موعد الرابع من نفس الشهر، وهو ما سيثير جدلا جديدا حول الوضع المؤسساتي والدستوري، رغم أن التوقعات تذهب لإمكانية التجديد له وفق فتوى دستورية طرحت منذ شهر من طرف المجلس الدستوري.