مهاجرون عالقون في ليبيا: مجارٍ وديدان وأمراض
الاتحاد الأوروبي يؤكد عدم تجاهله لما وصفه بالوضع “الأليم” للاجئين والمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في ليبيا ويعيشون في ظروف غير إنسانية داخل مراكز الاحتجاز.
أصبحت المراكز التي تم تخصيصها لاعتقال المهاجرين الأفارقة في ليبيا بمثابة الجحيم لهؤلاء الحالمين بالوصول إلى أوروبا وتأمين حياة أفضل في ظل ظروف احتجاز لا تستجيب للحد الأدنى من شروط الصحة والسلامة والأمان والتي زادتها تعقيدا المعاملة غير الإنسانية التي يلقاها المهاجرون من قبل المشرفين على هذه المراكز، مما ساهم في انتشار الأمراض داخل هذه المعتقلات بالإضافة إلى انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان. وتدرك المنظمات الدولية حجم الخطر الذي يواجهه المهاجرون في مراكز الاعتقال في ليبيا الغارقة في فوضى أمنية وسياسية منذ العام 2011، فهي تعي حجم الألم المادي والمعنوي الذي يعانيه المهاجرون ما جعلها تعكف على البحث عن حلول وبدائل أكثر أمانا لهؤلاء خارج ليبيا.
انتهت أحلام المئات من المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا في مركز اعتقال في الصحراء النائية في ليبيا، حيث يقولون إنهم احتُجزوا لعدة أشهر وسط مياه الصرف الصحي وأكوام القمامة والأمراض. وبالكاد يكفيهم الغذاء للبقاء على قيد الحياة.
وتلفت مشكلتهم -التي تم تفصيلها في مقابلات أجرتها وكالة أسوشيتد برس وصور انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي- الأنظار إلى موجات المهاجرين من جميع أنحاء أفريقيا الذين تدفقوا إلى ليبيا في السنوات الأخيرة سعيا إلى المرور عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، والجهود المبذولة من أجل منعهم من اجتيازه.
وكتب مهاجر إريتري من بين 700 محتجز في أحد المراكز الذي تديره إحدى الميليشيات الليبية بالقرب من قرية الزنتان الغربية “حياتنا تؤول إلى الأسوأ من يوم إلى آخر”. وقال آخرون، ممن تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لوكالة أسوشيتد برس، إن 22 مهاجرا على الأقل ماتوا منذ سبتمبر، وهو رقم أكّده عمّال الإغاثة التابعون للأمم المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود.
وتثبت الأرقام أيضا أن 100 مهاجر على الأقل أصيبوا بمرض السل. وقال بعض المهاجرين إن المركز يضم 100 قاصر يعيشون جنبا إلى جنب مع البالغين. وقال أحدهم “نحن بحاجة إلى أن نرحل من الزنتان بشكل عاجل؛ نعاني جسديا وعقليا وعاطفيا”.
وتظهر الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها المهاجرون أكواما من القمامة، وأجزاء من المركز تغمرها مياه المجاري وأطباق الطعام المليئة بالديدان. كانت في المركز أربعة مراحيض فقط، جنبا إلى جنب مع أماكن التبول للمحتجزين.
وكانت الفرق الطبية التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود قد اكتشفت خلال جولاتها في فبراير الماضي لتوزيع حصص غذائية في مركز السبعة بالعاصمة طرابلس أن 31 شخصا محتجزون في غرفة صغيرة أبعادها 4.5 متر و5 أمتار، أي أقل مما يقارب 0.7 متر مربع للشخص الواحد.
وقالت المنظمة إن الحجرة كانت صغيرة ومكتظة إلى درجة أنها لا توفر مساحة كافية للاستلقاء، ولم يكن في الغرفة مرحاض ما أجبر الناس على التبول في دلو أو في زجاجة بلاستيكية. وأكدت المنظمة -استنادا إلى ما لاحظته فرقها الطبية- استمرار احتجاز الأشخاص في تلك الغرفة لأكثر من أسبوع على الرغم من نداءات أطباء بلا حدود المتكررة بنقل المهاجرين واللاجئين داخلها إلى مكان آخر أكثر ملاءمة.
أزمة مركّبة
قال المهاجرون إنه لم يسمح لهم بالخروج لرؤية الشمس، وكثيرا ما حرمهم رئيس المركز من الطعام والماء لعدة أيام كشكل من أشكال العقوبة. يحصل أولئك ممن يتلقون الطعام على طبق صغير من المعكرونة أو الكسكس كل يوم، وكان عليهم أن يتقاسموا المياه التي سمح لعدد قليل من المحتجزين بجلبها مرة واحدة يوميا.
وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد كشفت في التقرير الذي أصدرته في مارس الماضي أن ربع المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء تقريبا في مركز السبعة يعانون من سوء التغذية أو نقص الوزن، فيما يواجه الأطفال من بينهم عواقب صحية أخطر مما لدى البالغين.
واستند التقرير إلى عدة شهادات فردية تفيد بحصول الموقوفين على وجبة طعام واحدة كل يومين أو ثلاثة أيام، وأن الوافدين الجدد إلى المركز يمكن أن تمر عليهم حتى أربعة أيام قبل أن يحصلوا على الطعام.
وتظهر المذكرات الداخلية ورسائل البريد الإلكتروني خلافا بين وكالات الإغاثة حول الأوضاع في المركز، حيث أن إحدى المنظمات غير الربحية التي تعمل نيابة عن الأمم المتحدة أنكرت وجود نقص في الغذاء، حتى في الوقت الذي أقرت فيه بأنها لم تكن قادرة على رؤية معظم المهاجرين المحتجزين هناك.
واتهم المهاجرون في مركز الزنتان والمدافعون عنهم وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة بالتباطؤ في الرد عليهم ونسيانهم تماما. لكن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعارض ذلك قائلة إن الميليشيات الليبية التي تدير المركز منعت موظفي الأمم المتحدة من الوصول إلى جميع أماكنه.
وقال رئيس المفوضية فيليبو غراندي إنه بعد ظهور صور من داخل الموقع في الشهر الماضي، تدخلت الوكالة وقامت بإجلاء 96 مهاجرا من مبنى منفصل في المنشأة التي تمكن عمال الإغاثة من الدخول إليها. وتم إرسال المغاثين إلى مركز آخر للمهاجرين تديره الأمم المتحدة في طرابلس. وأضاف غراندي “ليس بسبب نقص الإرادة أو حتى بسبب نقص الموارد، الوصول إلى ليبيا هو العقبة الأساسية أمام إنقاذ المزيد من الأرواح”.
ونفى العقيد ناصر نقوع -أحد أفراد الميليشيات التي تدير مركز الاحتجاز في الزنتان- وجود عقبات تمنع موظفي الأمم المتحدة من الوصول إلى المركز. وقال “أولئك الذين يقولون إنهم لا يستطيعون الوصول كاذبون.الأبواب مفتوحة، ونريد من الوكالات أن تأتي وتساعد أو تغلق المكان فقط، لأنه يوجد نقص شديد في كل شيء”. وألقى باللوم على الحكومة، التي تسيطر إسميا فقط على المنشأة، لفشلها في تمويل عملياتها. وقال “لم نتلق شيئا من وزارة مكافحة الهجرة غير الشرعية”، في إشارة إلى الهيئة المسؤولة عن المنشآت، “لم نتلقّ حتى بنسا واحدا”.
إدارة ضعيفة
أصبحت ليبيا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين إلى أوروبا بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011، وانتشار الفوضى في الدولة الواقعة شمال أفريقيا وظهور الميليشيات المسلحة وانهيار السلطة المركزية.
وحاليا، تشرف إدارة ضعيفة موازية للأمم المتحدة في طرابلس على المناطق الغربية، حيث تقع قرية الزنتان، لكن معظم سلطاتها ما زالت في أيدي الميليشيات. وتسيطر حكومة منافسة متحالفة مع الجيش الوطني الليبي على مناطق شرق ليبيا.
ويلقي بعض دعاة حقوق الإنسان باللوم على الاتحاد الأوروبي في أزمة المهاجرين لأنه قام بتمويل خفر السواحل الليبية لوقف عملية اجتياز البحر. وكان لهذا الجهد تأثيرا بالغا، حيث انخفض عدد الأشخاص الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي عبر البحر المتوسط من 180 ألفا في عام 2016 إلى حوالي 23 ألفا في العام الماضي و880 فقط في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، وفقا لوكالة الحدود الأوروبية بالاتحاد الأوروبي.
وتم حبس ما لا يقل عن 6 آلاف مهاجر من دول مثل إريتريا وإثيوبيا والصومال والسودان في العشرات من مراكز الاحتجاز التي تديرها الميليشيات المتهمة بالتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى. أتى ذلك بعد اجتياز المهاجرين رحلات شاقة في الكثير من الأحيان تحت رحمة المهربين المعروفين بإساءة معاملة المهاجرين واحتجازهم مقابل فدية من عائلاتهم في أوطانهم.
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان إنه لا يتجاهل ما وصفه بالوضع “الأليم” للاجئين والمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في ليبيا. وقالت المنظمة إنها شجبت مرارا الظروف غير الإنسانية في مراكز الاحتجاز وطالبت بإغلاقها.
وردا على أسئلة من وكالة أسوشيتد برس، قال الاتحاد الأوروبي إن فرقة عمل مشتركة مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة تبحث عن بدائل أكثر أمانا للمهاجرين خارج ليبيا، بما في ذلك عن طريق تكثيف عمليات الإجلاء وإعادة التوطين بشكل قانوني.
وقال غراندي إن المفوضية نجحت في إرسال 4 آلاف مهاجر إلى النيجر في انتظار إعادة التوطين، بينما ساعدت المنظمة الدولية للهجرة حوالي 35 ألف شخص على العودة إلى أوطانهم.
لكن بالنسبة لأولئك في الزنتان، لم يتغير شيء يذكر. هذه المنشأة، التي كانت في الأصل معسكرا صيفيا للشباب، أصبحت ذات سمعة سيئة للغاية، حيث يرفض المهاجرون في مراكز الاحتجاز الأخرى الذين وقعوا في تبادل لإطلاق النار بين الفصائل المتحاربة الليبية إرسالهم إلى هناك.
وقالت جوليا ترينشينا، -محامية حقوق الإنسان من مؤسسة “ويلسونز سوليساترز” في بريطانيا، وكانت على اتصال مباشر مع المهاجرين المحاصرين في الزنتان وأماكن أخرى- “إنهم يفضلون الموت تحت القنابل على الموت البطيء في الزنتان”.
وقال مسؤول في الفيلق الطبي الدولي في مذكرات حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس إن المؤسسة أنشأت عيادة في مبنى أصغر في المركز وتقدم الرعاية الصحية. وذكر أن الماء والغذاء رديئان، وقد يحجب الحراس الماء أحيانا، ويعتبرون ذلك عقابا.
وأقر بأن جماعته لم تتمكن من الدخول إلى المركز الذي احتجز فيه معظم المهاجرين حتى الشهر الماضي، وأن الأمر متروك للحراس من أجل إخراج المحتجزين للعلاج الطبي. لكن منظمة أطباء بلا حدود – وهي وكالة إغاثة تمكنت من زيارة مركز الاحتجاز- قالت إنها عثرت على العديد من المهاجرين الذين يعانون من سوء التغذية وأكدت تفشي مرض السل.
ودعا جوليان ريكمان -من أطباء بلا حدود في ليبيا- الدول الأخرى إلى التقدم لاستقبال المهاجرين من أجل إعادة التوطين وانتقد الاتحاد الأوروبي، قائلا إنه ساعد خفر السواحل الليبية على اعتراض المهاجرين في عرض البحر وإعادتهم إلى ليبيا. وقال “هؤلاء المهاجرون تمت إعادتهم إلى أحد أكثر الأماكن خطورة في الأرض”.
وفي السياق ذاته قالت كارلين كليجر -مسؤولة الطوارئ في المنظمة- إن الدول الأوروبية تساهم في هذه المعاناة، بسبب سياساتها التي تشجع وتسمح بإعادة المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر إلى الظروف غير الإنسانية في المعتقلات الليبية، وهذا أمر يخلو من المنطق.