كيف تخطط الذئاب المنفردة بلا توجيهات القيادات
خمس سنوات مرت على إعلان الناطق الرسمي باسم تنظيم الدولة الإسلامية أبومحمد العدناني، عن قيام “دولة الخلافة” بتاريخ 29 يونيو 2014، منصّبا في الوقت ذاته أبوبكر البغدادي “خليفة للمسلمين”، ليتلاشى بعد ذلك وهم التنظيم المتطرّف الذي تلقى هزائم كبرى في أهم معاقله بسوريا والعراق، وهو ما حتّم عليه وجوبا تنويع إستراتيجيات استقطابه للشباب وذلك بعد مقتل أهم قيادييه الفاعلين، وهو ما أدى في النهاية إلى توخّي خطط قائمة على تجنيد ذئاب منفردة لتنفيذ تفجيرات في بلدان غربية أو دول عربية، ما يطرح مجدّدا أمام العالم ضرورة التعمّق أكثر في الملف واستخلاص العبر من كل عملية يتم إحباطها.
بعد الضربات القاصمة التّي أدت إلى سقوط داعش في العراق وسوريا، بات التنظيم المتطرّف يراهن على ما زرعه من ألغام وسط عدة مجتمعات لإثبات وجوده وذلك عبر محاولة تنفيذ هجمات انتحارية بواسطة ذئاب منفردة عادة ما تكون غير معروفة وليست من ذوي السوابق وغير مفتش عنها من قبل الأجهزة الأمنية لأي دولة يتم استهدافها.
ومع نجاح القوات الأمنية لعدة دول في إحباط مخططات هندس داعش لتنفيذها، تؤكّد العديد من المقاربات أن الإيقاع بالمشتبه به، لم يعد لوحده كافيا لتقليل المخاطر، لأن ذلك يستوجب أن تكون الخطط الأمنية متبوعة بخلاصات دقيقة بإمكانها أن تساعد في مكافحة الإرهاب.
هذه المقاربات، طرحها تقرير صادر عن موقع “ستراتفور” الأميركي، متسائلا عمّا يمكن استخلاصه من عملية القبض مؤخرا على اللاجئ السوري مصطفى مصعب العويمر من قبل السلطات الأميركية بتهم تتعلق بالإرهاب بعد تخطيطه لمهاجمة كنائس في الولايات المتحدة.
يؤكّد التقرير الأميركي على أن سقوط “الخلافة” ساعد على تشويه جاذبية أيديولوجيا داعش الطوباوية ومحو وهم القدرة على بناء “مدينة فاضلة”. لكنه يشير إلى أن التنظيم يواصل استقطاب مجندين جدد رغم أن أغلبهم يعيشون في أماكن يصعب فيها الانضمام إلى الجماعات المسلحة، مثل أوروبا والولايات المتحدة، ما يجبرهم على العمل بمفردهم أو مع خلايا سرية.
منذ أن تم القضاء على أبرز القيادات الداعشية المختصة في التخطيط، في سوريا والعراق، باتت الخلايا الداعشية تنشط وفق نموذج “المقاومة دون قيادة” فنظمت عددا من الهجمات الفردية الدامية في الغرب.
الخلايا الداعشية باتت تنشط بعد مقتل القيادات وفق نموذج {الجهاد دون قيادة} فنظمت هجمات فردية دامية في الغرب
كان الشاب السوري الذي تم القبض عليه مؤخرا في الولايات المتحدة وهو أصيل منطقة درعا السورية يعدّ من بين المحظوظين، حيث انتقل مع أسرته إلى الولايات المتحدة في أغسطس 2016. وأعيد توطينه في أحد أحياء مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا. وتخرّج هذا اللاجئ، الذي يبلغ من العمر الآن 21 عاما، من المدرسة الثانوية في 8 يونيو.
ورغم تمركزه في واشنطن بعيدا عن المعارك التي تشن ضد داعش، فإن أفكار اللاّجئ السوري لم تبتعد عن الصراع في بلده وأيديولوجية الجماعات المتشددة مما دفعه إلى السير في طريق سينتهي في النهاية باعتقاله في 19 يونيو.
يؤكّد تقرير “ستراتفور” أنه وفقا للدعوى الجنائية التي قدّمت في 20 يونيو، أن المشتبه به لفت انتباه مكتب التحقيقات الفيدرالي في أبريل 2018 بعد أن أجرى اتصالا جمعه بإحدى القاطنات في ولاية ويسكونسن، وهي من مؤيدي داعش على الإنترنت. وكان ذلك عبر إنشاء مجموعة من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، تكرر تواصل المشتبه به مع أم لسبعة أطفال تبلغ من العمر 46 عاما.
وعملت السيدة المذكورة على الترويج لدعاية داعش لتجنيد الشباب المتأثرين وعلى نشر إرشادات تبين كيفية صنع القنابل لتسهيل تنظيم الهجمات. وبعد القبض عليها اعترفت بدعمها للإرهاب في 22 أبريل.
وفي مارس 2019، اتصل عميل سري تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي باللاجئ السوري، معرفا بنفسه كداعم لداعش ويعيش خارج الولايات المتحدة. تواصل الاثنان عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أعلن المشتبه به أنه تعهد بالولاء للدولة الإسلامية، وأرسل شريط فيديو كدليل على ما قاله.
كما عرض تقديم معلومات عن الأهداف المحتملة في بيتسبرغ، بما في ذلك اللاجئون الإيزيديّون، وطلب من المجموعة الجهادية تزويده بمسدس مع كاتم صوت ووسائل اتصال آمنة. كما طلب أن يكون على اتصال مع أتباع داعش الذين يعيشون في الولايات المتحدة، وأعرب عن رغبته في شن هجوم إرهابي.
استجابة لهذه الطلبات، أعد مكتب التحقيقات الفيدرالي عميلا سريا لمقابلة المشتبه به. وتظاهر العميل أنه ينتمي إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
ووفقا لموقع “ستراتفور” فقد زوّد مكتب التحقيقات الفيدرالي المشتبه به خلال الاجتماع الأول بهاتف محمول مؤقت محمّل بتطبيقات لصياغة الرسائل المشفرة لإيهامه بأنه يستطيع التواصل مع “الدولة الإسلامية” بطريقة آمنة. وحسب ما ورد، اقترح المشتبه به مرة أخرى استهداف اللاجئين الإيزيديين، بالإضافة إلى مسجد شيعي في المدينة. وبقي على اتصال يومي مع العميل السري التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
وخلال اجتماع ثان نظّم في 25 أبريل، أكد اللاّجئ السوري أنه راقب المسجد الشيعي كهدف محتمل، لكنه خلص إلى أن الهجوم سيكون أمرا صعبا بسبب الحراسة المشددة في جميع أنحاء المبنى. وقال إنه رأى عددا من المسلمين السنة يصلون هناك، ما جعله مترددا في استهداف المبنى.
أما الاجتماع الثالث فقد أخبر فيه المشتبه به العميل السري بأنه وجد كنيسة في شمال البلاد أين يجتمع النيجيريون المسيحيون للعبادة. وأقر أن المبنى يمثل هدفا أفضل من المسجد لأنه لا يتمتع بنفس القدر من الإجراءات الأمنية.
وقال إن الهجوم سيكون لدعم فرع تنظيم داعش في غرب أفريقيا الذي يشن تمردا في شمال شرق نيجيريا. ثم قدّم لفريق مكتب التحقيقات الفيدرالي الخطة التي أعدها (مكتوبة بخط يده) لتفجير الكنيسة باستخدام متفجرات في حقيبة ستنفجر في اللحظة الصفر، إذ لم يكن ينوي الموت في الهجوم.
وفي ظل اعتقاده بأنهم من صانعي القنابل، سأل الشاب فريق مكتب التحقيقات السري عن المكونات التي يحتاجها لصنع قنبلة. ثم اشترى المواد المطلوبة، والتي كان يتوقع أن يقدمها إلى المكتب الفيدرالي خلال اجتماعه بهم في 19 يونيو. لكنه لم يعلم أن الاجتماع سينتهي باعتقاله وإفشال مخططه.
ورغم النجاح في استباق الهجمات فإن ذلك لا يحجب أن هذه القضية ليست سوى أحدث إضافة على قائمة طويلة من العمليات المشابهة التي حاول فيها الجهاديون تنظيم اتصال مع الإرهابيين لينتهي بهم المطاف في قبضة الأمن.
وتعد هذه العملية الأخيرة مثالا على استمرار تهديد الجهاديين المصنفين كـ”ذئاب منفردة” في الولايات المتحدة وأماكن أخرى في الغرب.
ومن أهم الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها، مع نجاح بعض الذئاب المنفردة في شن هجمات وتنفيذ تفجيرات كان آخرها في العاصمة تونس الخميس الماضي، أن الأيديولوجيا الجهادية ما زالت بصدد جذب أتباع جدد.
وعبر النجاح في إحباط بعض الهجمات يمكن استنتاج حقيقة أن دور العبادة هي الأهداف السهلة بالنسبة للذئاب المنفردة. وتوضّح حالة بيتسبرغ أهميّة التدابير الأمنية في ردع المهاجمين غير المدربين وإبعادهم. حيث أدت الإجراءات الأمنية في مدخل المسجد الشيعي إلى إعادة توجيه المشتبه به نحو البحث عن هدف “أسهل” لهجومه، لكن هذه الإجراءات لا تعد حلا فعالا، فلمنع أي هجوم، يجب أن تكون هذه التدابير الأمنية منظمة ضمن برنامج أمني متكامل.