الجيش الجزائري يصعّد وتيرة القمع
قرر القضاء الجزائري، إيداع القيادي البارز في جيش التحرير الوطني (1954 – 1962) أحمد بورقعة (لخضر) الحبس المؤقت على خلفية انتقادات وجهها للمؤسسة العسكرية، أعرب فيها عن معارضته للمسار الذي تنتهجه قيادتها في التعاطي مع الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ خمسة أشهر.
ووجه قاضي التحقيق في محكمة بئر مراد رايس بالعاصمة، تهمتي إهانة هيئة نظامية والمساهمة في إضعاف الروح المعنوية للجيش، وهما التهمتان الواردتان في البندين 144 و75 من قانون العقوبات الجزائري، ما يهدد الرجل البالغ من العمر 84 عاما بالسجن.
وتفاجأ الرأي العام الجزائري بتوقيف الرائد بورقعة، ليل السبت إلى الأحد، أمام مقر منزله من طرف عناصر أمنية كانت بزي مدني، قبل أن يتبين أن الرجل قد اعتقل في إطار متابعة قضائية تكون قد حركتها المؤسسة العسكرية.
وكان بورقعة، وجّه انتقادات شديدة لقيادة المؤسسة العسكرية، في تصريحات صحافية أدلى بها مؤخرا، عبّر من خلالها عن معارضته لتوجهات قيادة الجيش، وعن مقاطعته لندوة المعارضة المزمع انعقادها في السادس من الشهر الجاري.
وذكر بأنه لن يلبّي الدعوة التي وُجّهت له من طرف المشرفين على الندوة المذكورة، وبرر ذلك بكون “السلطة اختارت مرشحها للانتخابات الرئاسية، وتنتظر الوقت المناسب للإعلان عنه”، في إشارة إلى تمسك المؤسسة العسكرية بخاصية تعيين رؤساء البلاد، وتوجه القيادة الحالية إلى الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي، الداعية إلى رحيل السلطة وتسليم السلطة للشعب.
ولفت في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام محلية، إلى أنّ “الجيش لم يعُد سليل جيش التحرير”، وألمح إلى متغيّرات جديدة في عقيدة المؤسسة، تتصل بالولاءات السياسية والسلطوية، في إشارة إلى ما بات يُعرف بـ”تلاعب قيادة المؤسسة بمطالب الشارع، واستغلال الحراك الشعبي لتصفية الحسابات السياسية”.
وشدّد على أنه “لن يكون شاهد زور على تزكية أجندة السلطة لتجديد النظام بوجوه وآليات جديدة، عبر توظيف المعارضة للدخول في نقاش سياسي، يمهد لرئيس جديد يكون من اختيار المؤسسة العسكرية وليس من طرف إرادة الجزائريين”.
في أول رد فعل تضامني مع بورقعة، فتح عدد من الناشطين الحقوقيين والمحامين والإعلاميين والأكاديميين، على غرار عبدالرحمن هنانو، طارق مراح وناصر جابي.. وغيرهم، عريضة للتنديد بتوقيف وحبس الرجل، والمطالبة بإطلاق سراحه الفوري
وأثار توقيف وحبس القيادي في جيش التحرير أحمد بورقعة، غضب واستياء الشارع الجزائري، المتخوّف من العودة القوية للممارسات القمعية ضد المعارضين وناشطي الحراك الشعبي، خلال الأيام الأخيرة، حيث تم تعنيف احتجاجات الجمعة التاسعة عشرة، وتوقيف العشرات من الناشطين والمناضلين الحزبيين.
وازدادت مخاوف الشارع الجزائري من تفاقم القبضة الأمنية المطبقة في الآونة الأخيرة، حيث عرفت احتجاجات الأسبوع الأخير، أعمال عنف وقمع غير مسبوقة، إضافة إلى التدابير السابقة المتمثلة في غلق مداخل العاصمة وتكثيف الحواجز الأمنية، حيث تم إيقاف العشرات من المحتجين وإحالتهم على السجن، ومنع رفع رايات الهوية الأمازيغية.
وفي أول رد فعل تضامني مع بورقعة، فتح عدد من الناشطين الحقوقيين والمحامين والإعلاميين والأكاديميين، على غرار عبدالرحمن هنانو، طارق مراح وناصر جابي.. وغيرهم، عريضة للتنديد بتوقيف وحبس الرجل، والمطالبة بإطلاق سراحه الفوري، كما أعرب ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي عن تعاطفهم المطلق مع الموقوف، وحذروا من مغبّة الانزلاق إلى الفوضى بسبب الممارسات القمعية.
وجاء التطور الجديد، في سياق تصاعد حالة الاحتقان داخل البلاد، بسبب تعنّت قيادة المؤسسة العسكرية في التعاطي الايجابي مع مطالب الحراك الشعبي، حيث أدى تشدد خطاب الجنرال قايد صالح في الآونة الأخيرة، إلى إشعال غضب المحتجين في الجمعة الاحتجاجية الأخيرة، وصار محلّ هجوم شرس ضده شأنه شأن رموز وعناصر السلطة الأخرى.
وتتشابه ظروف وحيثيات حبس بورقعة، وهو المناضل والقيادي السابق في حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارضة، مع ما جرى مع الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، المتواجد هو الآخر في سجن الحراش، بتهم مماثلة بعدما نشر مساهمات شخصية في صحف محلية حول الوضع السياسي في البلاد، ويشترك الرجلان في انحدارهما من مؤسسة جيش التحرير.
ويعتبر أحمد بورقعة من بين الشخصيات التاريخية القليلة، التي أعربت عن مساندتها المطلقة للحراك الشعبي منذ أسابيعه الأولى.