محمد اليعقوبي والي الرباط عاصمة الأنوار الأمين على رؤية الملك

لم تكن مدارس مدينة البرتقال ”بَرْكَان” في الشمال الشرقي للمغرب، حكرا على أبناء الأغنياء فحسب. بل كانت، كما كل مدارس المملكة، تستقبل التلاميذ سواسية، فلا فرق بين ابن الفلاح وابن الباشا، الكل أمام المعلم السي عبدالرحمن ينهلون من معين تعليم واحد، لكنهم في الميول والمواهب يختلفون، وذلك ما كان يعلق المعلم المغربي الحكيم بقوله “لك ما أعطاك الله”.

لكن مدارس تلك المدينة منشأ العدّاء المغربي العالمي هشام الكروج، كانت في مطلع السبعينات من القرن الماضي تعرف تدافعا حماسيا للتلاميذ أمام أبوابها لتسجيل أنفسهم في فصولها الدراسية، وكان ضمن ذلك الجيل الذي يعرف في المغرب بجيل “المسيرة الخضراء”، طفل نحيف يحاول الانفلات من يد والده ليلتحق ضمن الأوائل بصفه الدراسي، ولم يكن ذلك الطفل سوى محمد اليعقوبي والي العاهل المغربي على العاصمة الرباط اليوم.

كان بريق عيني الطفل يسطع أكثر وهو يتصفح كتاب “المطالعة” الذي أبدع في تجميع نصوصه المتميزة معلم الأجيال المغربية ومربيها؛ أحمد بوكماخ، خصوصا عند صفحات الحكم المتناثرة على هوامشها، ومنها الحكمة القائلة “من جد وجد ومن زرع حصد”، هذه الحكمة، ومثلها في كتب اللغة الفرنسية أيضا، كان يقف عندها التلميذ اليعقوبي طويلا، فكانت بالنسبة إليه كالوقود الدافع له لتشريف أهله وذويه نهاية كل عام دراسي، حيث يحصد أحسن النتائج التي تضمن له الانتقال المريح إلى القسم الموالي.

من العلم إلى العمل

الصحافة المغربية والأجنبية لا تتوقف عن دعوة الحكومة المغربية إلى العناية بالمستثمرين ومدهم بالعون الإداري والقانوني، ونهج اليعقوبي نهج يستجيب بكل إمكانياته لمتطلبات أولئك المستثمرين
الصحافة المغربية والأجنبية لا تتوقف عن دعوة الحكومة المغربية إلى العناية بالمستثمرين ومدهم بالعون الإداري والقانوني، ونهج اليعقوبي نهج يستجيب بكل إمكانياته لمتطلبات أولئك المستثمرين

كافح من أجل العمل على تطوير ذاته، إلى أن شق لنفسه طريقاً أكاديميا مميزاً ليحصل على دبلوم مهندس دولة في الهندسة المدنية من المدرسة الحسنية للأشغال العمومية بالدار البيضاء، ما سيؤهله إلى ولوج عالم المرافئ والموانئ البحرية، التي سيطبق عليها ميدانيا كل ما حصله علميا من معارف وتجارب، وستكون البداية من منصب رئيس استغلال ميناء مدينة أغادير التجاري، إحدى كبريات المدن المغربية الذائعة الصيت عالميا، وذلك في سبتمبر 1992.

ونظرا لنجاحه في تدبير شؤون ميناء مدينة أغادير، سيعتمد عليه في إصلاح شؤون ميناء مدينة طانطان أيضا. طانطان المدينة البحرية الثانية في الجنوب المغربي، ثم بعدها سيتربع مديرا ناجحا بكل المقاييس، وفي سبتمبر 1998 سيقوم بإعادة هيكلة قطاع الصيد البحري بمدينة العيون، وسيبني لها ميناء يعد الأول من نوعه في المنطقة الجنوبية للمغرب، وستكون مرحلة إدارته ميناء العيون المرحلة الأهم لسطوع نجم المهندس الشاب، تلك المرحلة التي سيصفها لـ”العرب” محمد بيجديكن كبير المهنيين في الشؤون البحرية بمدينة أغادير بقوله “كانت مرحة مشرقة في تاريخ ذلك الشاب البَرْكاني المواظب على عمله المُجد المُجتهد المحترم للقانون”.

وبينما كانت سمعة جديته في العمل تكبر، تلك السمعة التي سيجليها لكبار المسؤولين في العاصمة الرباط بتسييره الناجح لميناء الجرف الأصفر، ضواحي مدينة الجديدة، جنوب غرب الدار البيضاء في نوفمبر 2001 سيتم تعيين اليعقوبي مديرا للمركز الجهوي للاستثمار لجهة دكالة – عبدة، المنصب نفسه الذي تولاه أيضا بجهة طنجة – تطوان بعدها، نظرا لما كانت تريده الدولة المغربية لتشجيع ا
لاستثمار والعناية بالمستثمرين، فكان اليعقوبي واحدا من أولئك المدراء الذين أنجحوا تلك الأهداف الاستثمارية في البلاد.

الصحافة المغربية والأجنبية، خصوصا الفرنسية منها، كانت في تلك الفترة تدعو الحكومة المغربية إلى العناية بالمستثمرين ومدهم بما يحتاجونه من عون إداري وتسهيل المساطر القانونية أمامهم لتنفيذ مشاريعهم في البلاد، وكان اليعقوبي يستجيب بكل إمكانياته المتاحة إلى طلبات المستثمرين، حتى أن مستثمرا قال له يوما “عشرة من أمثالكم في الأقاليم المغربية يحولون البلاد إلى جنة فوق الأرض“. حسبما قال لـ“العرب” رئيس القسم الاقتصادي والاجتماعي بولاية مدينة آسفي.

وحين سيعينه الملك محمد السادس واليا على طنجة خلفا للوالي محمد حصاد الذي سيرتقي حينها إلى منصب وزير للداخلية، في مدينة طنجة، بوابة المغرب نحو أوروبا، لن ينام لليعقوبي جفن إلا وملفات مشاريع المستثمرين كاملة مدروسة من كل الجوانب، جاهزة للتنفيذ.

ممثل الملك

منصب الوالي في المملكة المغربية منصب سامٍ، لأن الوالي في نظام السلطة هو رئيس المحافظين في الإقليم الذي يرأسه، وينوب فيه عن رئيس الحكومة في التنسيق بين جميع مندوبي الوزارات.
منصب الوالي في المملكة المغربية منصب سامٍ، لأن الوالي في نظام السلطة هو رئيس المحافظين في الإقليم الذي يرأسه، وينوب فيه عن رئيس الحكومة في التنسيق بين جميع مندوبي الوزارات

ورغم أن منصب الوالي في المملكة المغربية هو منصب سام، لأن الوالي في نظام السلطة هو رئيس العمال “المحافظين” في الإقليم الذي يرأسه، وهو الذي يمثل الملك في الإقليم الذي يحكمه، وينوب فيه عن رئيس الحكومة في التنسيق بين جميع مندوبي الوزارات المعتمدة في الإقليم؛ من صحة وتعليم وأمن وغيرها من الإدارات العمومية المرتبطة بخدمة مصالح المواطنين، إلا أن الوالي اليعقوبي، ومنذ تعيينه وهو يعمل جادا مجتهدا يخدم مصالح المواطنين، ليس من داخل المكتب فحسب، بل على الأرض وفي الميدان.

وقد تابع المواطنون في عهده المعارك التي اندلعت ما بين اليعقوبي، والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، وإلياس العماري، رئيس الجهة نفسها، حول الاختصاصات المخولة لكل واحد منهما في تدبير شؤون الجهة، التي تعرف أوراشا كبرى. حتى وصفت الصحافة المغربية اليعقوبي بـ”سوبرمان” بسبب القرارات الجريئة التي كان يتخذها. فهو لم يترك كامل الحرية لرئيس الجهة، من أجل عقد اجتماعات مع رؤساء مجالس العمالات والأقاليم التابعة للجهة، ومنعه من ذلك، في رسالة رسمية.

كانت رسالة الوالي حينها شديدة اللهجة، وأشارت إلى عدم قانونية هذه الاجتماعات المخالفة للضوابط القانونية، مؤكدة أن أي استدعاء يوجه إلى رئيس عمالة أو مجلس إقليمي ينبغي أن يكون تحت إشراف ولاية طنجة وعامل الإقليم الذي ينتمي إليه الرئيس. ما اضطر العماري إلى توقيف تلك الاجتماعات.

حتى أولئك الذين يُعرفون في الهرم الإداري لوزارة الداخلية المغربية برجال السلطة، أي البشوات والقياد ومعاونيهم، وجدوا صعوبة جمة في مسايرة وتيرة عمل اليعقوبي الذي قالوا عنه إنه كان “يخرج لنا كل مرة من حي عميق وسط المدينة ليسأل: لماذا مجاري المياه في هذا الشارع لا تعمل بسلاسة وفيها عطب؟”. إلى درجة أن أحد البشوات جيء به على جناح السرعة إلى حيث كان الوالي اليعقوبي يقف وحيدا بلباس رياضي ويقوم بعملية فحص بالوعة ماء معطوبة وسط المدينة القديمة.

لا وقت لتضييعه

انتظار أهل الرباط الذين يأملون بأن تتكرر تنمية طنجة عندهم، لم يدم طويلا، فقد باشر واليهم الجديد مهامه واضعاً خارطة طريق متجانسة.
انتظار أهل الرباط الذين يأملون بأن تتكرر تنمية طنجة عندهم، لم يدم طويلا، فقد باشر واليهم الجديد مهامه واضعاً خارطة طريق متجانسة

ويستثمر اليعقوبي، وربما مثله من الولاة قليلون، في انتصارات التكنولوجيا وتقدمها، فكثيرا ما شوهد وهو يسير ويراقب أوراش بناء المدينة والجهة، ويتابعها عن كثب، من خلال كومبيوتره الشخصي. حتى أنه أضحى مبدعا في استعمال تلك التكنولوجيا، فكان يفاجئ المهندس وهو في ورشته ضمن مجموعة العاملين معه في المشروع الضخم “طنجة الكبرى”، الذي كان اليعقوبي قد قدمه بين يدي العاهل المغربي في لقاء رسمي يوم 26 سبتمبر 2013 ونال عليه رضاه، كان يفاجئ المهندس بقوله “لماذا تركت العمال وحدهم يعملون وخرجت خارج الورشة في الساعة التاسعة صباحا مباشرة بعد وصولك إلى ورش البناء؟”، فيدهش المهندس بملاحظة الوالي ولا يجد بدا من الاعتراف بالجواب الصادق.. ويأمل اليوم سكان جهة الرباط أن يحقق لهم اليعقوبي ما حققه لسكان طنجة.

اليعقوبي يستثمر، وربما مثله من الولاة قليلون، في انتصارات التكنولوجيا وتقدمها، وكثيرا ما شوهد وهو يسير ويراقب أوراش بناء المدينة والجهة، ويتابعها عن كثب، من خلال كومبيوتره الشخصي

ولم يدم انتظار أهل جهة الرباط طويلا، فقد باشر اليعقوبي في ممارسة مهامه بسرعة فائقة، بعد أن جمع عمال الجهة لعرض تصوره، ووضع خارطة طريق متجانسة بين اليعقوبي وعمال سلا والقنيطرة والخميسات.

وتشهد جهة الرباط – سلا- القنيطرة منذ سنوات إقلاع مشروع تنموي أعطى انطلاقته الملك، بمشاريع وبرامج تنموية كبرى غيرت من معالم الجهة، لتصبح قطب إشعاع دولي يليق بجهة تحتضن عاصمة المملكة.

ومن تلك الرؤى برنامج التنمية الحضرية لمدينة الرباط، ومشروع تهيئة حوض أبي رقراق، وبرنامج التأهيل الحضري المندمج لمدينة سلا. ويقوم اليعقوبي يوميا رفقة عامل سلا الجديد عمر التويمي بجولة بين الرباط وسلا للوقوف على سير المشاريع التي تدخل ضمن مشروع الرباط  “عاصمة الأنوار”.

ويبحث الوالي الجديد في أسباب بطء بعض الشركات في تنفيذ مشاريعها، حتى أنه فرض العمل المستمر حتى منتصف الليل على الشركات المكلفة بتهيئة أسوار وطرقات الرباط لإنهاء المشاريع خصوصا تلك القريبة من محيط قصر مشوار بتواركة.

اليعقوبي رجل دولة مجد لا يعرف الكسل طريقا إليه. كما يصفه أحد تقنيي الإدارة التقنية في ولاية طنجة التي تولى اليعقوبي شؤونها قبل أن يعينه الملك واليا على عاصمة الأنوار الرباط، ويتم تنصيبه من طرف وزير الداخلية في حفل رسمي في فبراير الماضي. ومن حينها وحتى اللحظة تحولت الرباط إلى ورشة عمل على مدار الساعة لتحقيق الرؤية الملكية التي تطمح إلى جعلها تليق بكونها واحدا من مراكز الحضارة المشعة في العالم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: