أوروبا محاصرة بمخاطر الجهاديين واليمين المتطرف
رغم أن الدول الاتحاد الأوروبي، حاولت التطوير في استراتيجياتها المكافحة للإرهاب، إلا أن عدة تقارير تؤكّد أن الجماعات الجهادية مازالت تنشط بقوة داخل أوروبا.
تتواتر التقارير الأوروبية في الأسابيع الأخيرة، عن تزايد مخاطر الإرهاب بشقيه الجهادي الإسلامي واليميني المتطرف. وبعد الضجة التي أثارها تقرير برلماني فرنسي بتأكيده تغلغل التطرف داخل أجهزة الدولة وفي مؤسسات حساسة وهامة كالجيش والأمن، يُقر تقرير آخر صادر عن وكالة الشرطة الأوروبية “يوروبول” بأن مخاطر التهديدات الإرهابية مازالت مرتفعة في الاتحاد الأوروبي وهو ما يطرح مجدّدا جدلا آخر حول استراتيجيات أوروبا ومدى جدواها لتجفيف منابع التطرف بشتى أنواعه ومسمياته.
لا تزال التهديدات الإرهابية تحاصر دول الاتحاد الأوروبي بشكل مرتفع، هكذا وصفت وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي “يوروبول” الوضع الأمني بصفة دقيقة في أوروبا.
ورغم تراجع عدد الهجمات الإرهابية في عام 2019 مقارنة بالسنوات السابقة وخاصة في العام الماضي، فإن تقرير وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي أفاد الخميس بأن التهديد الناتج عن الإرهاب لاسيما من الإسلاميين المتطرفين مازال مرتفعا في الاتحاد الأوروبي.
وأضاف التقرير أنه رغم وقوع هجمات أقل في 2018 مقارنة بالعام 2017، فإنه في المقابل تم إفشال محاولات أكثر للجماعات الجهادية. وقالت يوروبول إن الهجمات الإرهابية قتلت 13 شخصا في الاتحاد الأوروبي في 2018 وكل المنفذين كانوا جهاديين.
هذا الإقرار الصادر عن جهاز أمني رفيع المستوى في أوروبا، يطرح جدلا جديدا حول جدوى الخطط والاستراتيجيات التي تتوخاها دول الاتحاد الأوروبي لتجفيف منابع التطرف وقص جذوره سواء تعلق الأمر بالإسلاميين أو اليمين المتطرف الذي باتت تهديداته أكثر حدة في السنوات الأخيرة مع صعود الأحزاب الشعبوية إلى سدة الحكم في عدوة دول أوروبية. ويقر تقرير يوروبول بأن الزيادة في عمليات القبض على المتطرفين اليمينيين في الاتحاد الأوروبي من 20 في 2017 إلى 44 العام الماضي “تشير إلى أن المتطرفين ذوي الميول المختلفة يفكرون بشكل متزايد في العنف على أنه وسيلة مبررة للمواجهة”.
وذكّرت يوروبول الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بوقوع 129 هجوما إرهابيا في 2018، فشل منها 24 هجوما، وذلك مقابل 205 هجمات في 2017. وشدّدت على أن الانفصاليين أو القوميين العرقيين قاموا وحدهم بتنفيذ أو الشروع في تنفيذ 83 هجوما العام الماضي ما يجعلهم أكبر جماعة إرهابية.
ورغم أن دول الاتحاد الأوروبي، حاولت التطوير في استراتيجياتها المكافحة للإرهاب باعتمادها على قوانين متشددة خاصة في ما يتعلق بعمليات دخول أو خروج الأموال من وإلى الاتحاد الأوروبي في إطار مكافحة غسيل الأموال، إلا أن عدة تقارير أوروبية تؤكّد بالتوازي أن الجماعات الجهادية كجماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات السلفية مازالت تنشط بقوة داخل المجتمعات الأوروبية قصد التغلغل في قطاعات هامة وحيوية كدور العبادة والمؤسسات التعليمية.
وبالتوازي مع مخاطر الجماعات الجهادية الإسلامية، فإن تقرير يوروبول بحديثه عن تهديدات اليمين المتطرف يضع أيضا دول الاتحاد وخططها في وضع محرج، خاصة وأنها ترفع في السنوات الأخيرة شعار حماية الأوروبيين من انتشار الخطاب المتطرف عبر الإنترنت، حيث ألهب وصول الأحزاب الشعبوية إلى السلطة في بعض الدول منصات التواصل الاجتماعي بمحتويات ومضامين متشددّة معادية للمسلمين وكذلك للحكومات.
وعجز الاتحاد الأوروبي وفق العديد من المراقبين، في فرض رقابته على الخطابات المتشددة على الإنترنت، رغم أن كل خططه تؤكّد أن دوله تسعى إلى التعاون في ما بينها من أجل إنجاز برامج وفيديوهات تعليمية وقائية عبر الإنترنت وأن كافة المنصات التي تقدم خدماتها داخل دول الاتحاد الأوروبي ستخضع لضوابط واضحة لمنع إساءة استغلالها للترويج لمحتوى يحض على التطرف والإرهاب.
وقبل هذا التقرير الجديد، سبق لوكالة شرطة الاتحاد الأوروبي أن حذّرت في تقرير مماثل مطلع شهر يونيو من التداعيات الوخيمة التي قد تصطدم بها أوروبا بعد الهزيمة العسكرية والميدانية لتنظيم الدولة الإسلامية في أبرز معاقله بسوريا والعراق.
وحذّرت يوروبول على وجه التحديد من مخاطر نساء داعش والتي وصفتها بأنها قنابل موقوتة، حيث قالت في تقريرها إن النساءَ يلعبن دورا كبيرا في تنظيمِ داعش، سواء في القتال على خطِ الجبهة أو في تحضير أنشطة إرهابية في دول الغرب، محذرة من أنه يمكن أن يكونَ لهذا عواقب بعيدة المدى على الجماعاتِ الجهادية الأخرى.
تقرير صادر عن يوروبول يفيد بأن التهديد الناتج عن الإرهاب من المتطرفين مازال مرتفعا في الاتحاد الأوروبي
وشدّدت على أن أدوارَ النساء تمتدُ عبر قطاعات الإعلام وشرطة مراقبة السلوك والأخلاق والصحة والتعليم، وهي المسؤولياتُ التي من دونها لن يتمكن التنظيم من العمل.
هذه التحذيرات الخطيرة، تدفع بالعديد من المراقبين والخبراء إلى إضفاء مصداقية كبرى على التقرير البرلماني الفرنسي الصادر مؤخرا والذي تحدّث عن أن التطرف وصل مؤسسات الدولة الفرنسية بعدما تمكنت جماعات وأفراد متطرفة من الانغماس في أهم أجهزة الدولة كالجيش والأمن وكذلك مؤسسات التعليم.
وقد اعترفت العديد من الدول الأوروبية بحسب تقارير صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بأن عجز أوروبا عن قص جذور الإرهاب يعود إلى تراكم العديد من العوامل ومنها التهميش وتخلّي السلطات الأوروبية عن الأحياء الشعبية الفقيرة، وهو ما كان دافعا لتنامي ظاهرة أحياء التطرف في الكثير من الضواحي بالعديد من الدول الأوروبية.
وأرجع المركز جذور التطرف إلى ما أسماه بانسحاب الحكومات الأوروبية من العديد من المناطق والمجتمعات وتخليها عن مسؤولياتها، وهو ما مهّد للأحزاب اليمينية المتطرفة أو الجماعات الجهادية التمكن من إحاطة نفسهما بحواضن شعبية واسعة.
ولم تتعظ الدول الأوروبية وفق عدة خبراء من تجارب سابقة ولم تأخذ بعين الاعتبار توصيات صادرة عن العشرات من مراكز الدراسات والبحوث، مفادها أن أغلب الشباب الأوروبي المنتمي إلى داعش وجماعات جهادية أخرى أو إلى الجماعات اليمينية المتطرفة من ضواحي وأحياء فقيرة، محيطة بالمدن الأوروبية الكبرى مثل باريس، بروكسيل، برلين وأنهم ينتمون إلى أسر محدودة الدخل، وبذلك ترتفع بتلك المناطق نسبة البطالة ومعدّلات الجريمة والانقطاع المدرسي، ولا تجد تلك الجهات حظّها من المخطّطات التنموية لمعظم الدول الأوروبيّة، وتعاني من نقص المرافق الأساسيّة، والنوادي الثقافية والترفيهية، ومراكز المرافقة الاجتماعية والتكوين المهني.
ومن العوامل الأخرى، تشير عدة تقارير أوروبية إلى أن الحكومات الأوروبية المعادية لليمين المتطرف ساهمت بشكل كبير بقصد أو عن غير قصد في تنامي مصطلح “الإسلاموفوبيا” أي عداء المسلمين، حيث تميل بعض دول أوروبا إلى تطبيق سياسات متشددة تستهدف التضييق على السلوك الدّيني للمسلمين (الأذان، الحجاب، النقاب) وهو ما يُثير حفيظة عدد من الشباب، ويدفعهم إلى تبنّي مواقف متطرّفة من أوروبا، يضاف إلى ذلك استياء الشباب من السّياسات الخارجية الأوروبية.
وتوصي العديد من الدراسات الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بوجوب مراجعة سياساتها واستراتيجياتها لمكافحة الإرهاب وخاصة إعادة النظر في سياسات الاندماج والتكامل الاجتماعي، ومنح أبناء المهاجرين المزيد من الفرص للحصول على تعليم جيد، يمكنهم من الحصول على فرص عمل جيدة، بعيدا عن الانغلاق أو العيش في محميات.
وتظهر كل هذه المعطيات أن الخطط الأمنية لوحدها غير كافية للقضاء أو التقليص من مخاطر الإرهاب، حيث اضطرت أوروبا عقب انتشار التطرف في العديد من الضواحي، إلى تشديد الرقابة على حدودها الخارجية، واتخاذ تدابير أمنية مشددة في بعض الدول الأعضاء، وهو ما قلص من تدفق اللاجئين، لكنه لم يقلل من عدد العمليات الإرهابية، لأن الذين يقومون بها هم من مواليد أوروبا، أو يقيمون فيها منذ سنوات عديدة.