يوم سياسي وأمني عصيب على تونس

تحرك رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد لفرض حضوره في يوم سياسي وأمني عصيب من خلال طمأنة التونسيين عن صحة الرئيس الباجي قائد السبسي الذي ساد الغموض بشأن وضعه الصحي وسط تصريحات متضاربة من محيطه في القصر الرئاسي، وكذلك من خلال جولة ميدانية أكد فيها الشاهد أن تونس هزمت الإرهاب الذي يعيش حالة يأس بالرغم من تفجيري الأمس.

وسادت، الخميس، حالة من التوتر والغموض بشأن المستقبل بعد ورود أنباء متناقضة بشأن حالة الرئيس الباجي قائد السبسي مع بيان أول لموقع الرئاسة يؤكد أن السبسي أصيب بـ”وعكة صحية حادة” ورواج إشاعة الوفاة ودعوة البرلمان إلى اجتماع طارئ لتدارس المخرج القانوني.

لكن الرئاسة التونسية نفت لاحقا ما تداولته تقارير إعلامية حول الوفاة، مؤكدة أن الوضع الصحي للرئيس السبسي مستقر، وأنه يتلقى العلاج.

جاء ذلك في تصريحات أدلت بها المتحدثة باسم الرئاسة، سعيدة قراش، للتلفزيون الرسمي التونسي.

وردا على سؤال بخصوص تداول بعض القنوات الأجنبية (دون تحديد) خبر وفاة السبسي، قالت قراش “نحن لسنا مسؤولين عن قلة المسؤولية في التعامل مع الخبر.. كنا قلنا منذ البداية إنه تم نقل رئيس الجمهورية إلى المستشفى إثر تعرضه لوعكة صحية”.

وأضافت أن السبسي “يتلقى حاليا العلاج وحالته مستقرة”.

وشددت على أن “نقله إلى المستشفى العسكري (حكومي) دليل على الثقة في الأطباء التونسيين، وفي كفاءاتنا العمومية (الحكومية)، ودليل على الشفافية أيضا”.

وفي السياق نفسه، نفت قراش نقل السبسي إلى مصحة محلية خاصة أو خارج البلاد.

وقال رئيس الحُكومة إنّ السبسي يتلقى العناية اللازمة على يد أكثر الإطارات الطبية كفاءة في البلاد.

وكتب الشاهد على صفحته الخاصة على موقع فيسبوك “كنت منذ قليل في زيارة إلى رئيس الجمهورية في المستشفى العسكري، حيث يتلقى حاليا العلاج بعد إصابته بوعكة صحية”.

وأضاف الشاهد “أطمئن التونسيين أن رئيس الجمهورية بصدد تلقي كل العناية اللازمة التي يحتاجها من طرف أكفأ الإطارات الطبية”.

وتابع “أرجو له الشفاء العاجل واستعادة عافيته في أسرع وقت. وأدعو الجميع إلى الترفع عن بث الأخبار الزائفة التي من شأنها بث البلبلة بين التونسيين”.

وقال الشاهد في أول رد فعل بشأن التفجيرين الإرهابيين اللذين وقعا وسط العاصمة، الخميس، وخلفا قتيلا وثمانية جرحى إن “الإرهاب والإرهابيين في حالة يأس″ في تونس.

وصرح للصحافيين أثناء زيارته موقع التفجير الذي وقع بشارع شارل ديغول على مقربة من السفارة الفرنسية “الإرهاب والإرهابيون في تونس في حالة يأس، بعد النجاحات الأمنية والعسكرية التي تحققت في السنوات الأخيرة، وخاصة النجاحات التي تحققت في شهر رمضان”.

وقال الشاهد “هذه العملية تهدف إلى إرباك التونسيين والاقتصاد والانتقال السياسي، ونحن على أبواب موسم سياحي وبضعة أشهر على الانتخابات”.

وأضاف في تصريحاته “حربنا مع الإرهابيين حرب وجود، ولن يهدأ لنا بال إلا بالقضاء على آخر عنصر من الإرهابيين”.

ومن الواضح أن الشاهد سعى إلى إظهار أن البلاد في وضع مستقر، وأنها قادرة على التلاؤم مع أي طوارئ سواء ما تعلق بمواجهة الإرهاب، أو في التعامل مع الوضع الصحي للرئيس السبسي.

وأثارت التسريبات بشأن صحة السبسي مخاوف واسعة في الشارع التونسي ولدى الوجوه السياسية، وهو ما عكسته تدوينات على موقع فيسبوك أو من خلال تصريحات لوسائل الإعلام، خاصة لتزامنها مع تفجيرين انتحاريين في قلب العاصمة تونس، وأجواء الخوف على استقرار البلاد.

وتركزت المخاوف على تأثيرات الوضع الصحي للرئيس السبسي في ما يتعلق بشغور منصب رئاسة الجمهورية، أو بتأثير ذلك على تأجيل الانتخابات التي تنتظرها البلاد خلال أسابيع، وهو ما استدعى اجتماعا عاجلا للبرلمان.

الشاهد فرض حضوره
الشاهد فرض حضوره

وقال رئيس حركة الشعب زهير المغزاوي إن رئيس البرلمان دعا إلى اجتماع عاجل برؤساء الكتل البرلمانية.

وأوضح المغزاوي “لدينا علم بالوضع الصحي للرئيس. وهي المعلومات المتداولة في الإعلام”.

وليس واضحا ما إذا كان الوضع الصحي للسبسي سيمنع من أداء مهامه أم لا. لكن الدستور التونسي ينص في الفصل 84 على أن رئيس الحكومة، هو من يتولى منصب الرئيس في حالة وجود ما يمنع الرئيس من أداء مهامه، أو في حالة وجود شغور وقتي، على ألا تتجاوز مدة سدّ الشغور الوقتي ستين يوما.

ويتعين بعد ذلك على المحكمة الدستورية أن تقر ما إذا كان هذا الشغور وقتيا أم نهائيا، ومن ثم يتولى رئيس البرلمان منصب الرئيس في أجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما.

ويقول متابعون للشأن التونسي إن المخاوف على صحة الرئيس السبسي لها ما يبررها في تونس، خاصة أن الرجل لديه فضل كبير وأساسي في نجاح الانتقال السياسي الذي تعيشه البلاد وما يرافقه من استقرار أمني واستعادة الاقتصاد لحيويته.

ونجح السبسي في منع البلاد من الانزلاق إلى حالة من الفوضى كانت قد شهدتها خلال حكم الإسلاميين بين 2012 و2013 وما رافقها من اغتيالات سياسية وإضرابات. وتمكن من بناء تحالف سياسي جمع بين روافد يسارية ونقابية وليبرالية وحقوقيين مكن من هزيمة حركة النهضة في انتخابات 2014 واستعادة الاستقرار.

واختار طريقا آخر راعى فيه مستقبل تونس واستقرارها، وهو طريق الحوار مع النهضة وإقناعها بالتخلي عن حكم عجزت عن إدارته لغياب الرؤية والخبرة، فضلا عن غربة عن الواقع كون أغلب قياداتها توافدوا من الخارج.

ودافع الرئيس التونسي عن خيار التوافق مع حركة النهضة بالرغم أن هذا الخيار قد جعله يخسر جزءا من شعبيته، وقاد إلى تفكيك حزبه نداء تونس وانشقاقات في كتلته البرلمانية.

ويقول الباجي إنه اختار التوافق وألزم به محيطه داخل الحزب، خاصة قيادات مؤثرة فيه، وأعلمهم بأن هذا خياره ومن لم يرد أن يسير فيه فعليه أن يبحث عن فضاء آخر.

ولا شك أن الوضع الصحي للسبسي سيجعل راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، في وضع صعب، فقد راهن على خيار التوافق ليكون ستارا تتخفى وراءه الحركة وتتمكن عبره من التسلل إلى مؤسسات الدولة دون ضجيج، وهو وضع قد لا يستمر في المستقبل، خاصة أن لا أحد من السياسيين يمكن أن يتحمل في المستقبل شطحات الغنوشي وقيادات النهضة ومحاولات السطو على الانتقال السياسي وتجييره لخدمة مشاريعهم في الداخل والخارج.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: