كوشنر يبدد المخاوف من أن خطة ترامب لا تلغي مبادرة السلام العربية
حرص مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر، الأربعاء، على التأكيد أن الجانب السياسي في مبادرة الرئيس دونالد ترامب، التي باتت تعرف بصفقة القرن، سيعرض في الوقت المناسب، وأن التركيز على البعد الاقتصادي لا يلغي الخيار السياسي في التوصل إلى حلّ، في خطوة اعتبرها مراقبون رسالة إلى السعودية بأن الخطة المعروضة لا تلغي مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة قبل أن تتحول إلى موقف عربي مشترك.
وبالتزامن سعى كوشنر إلى تبديد مخاوف الفلسطينيين الذين شكل غيابهم عن ورشة المنامة تحديا حقيقيا يهدد بإفشال المبادرة برمتها، خاصة مع عدم الحماس الذي أبداه العرب، وهو ما كشفه الحضور المحدود وبشخصيات ثانوية.
وقال مستشار ترامب وصهره إن البيت الأبيض سيطرح الجانب السياسي من خطة السلام في “الوقت المناسب”، مؤكدا أن أشخاصا مختلفين يضعون الخطط السياسية.
ويأتي هذا التصريح كمحاولة لامتصاص الشكوك التي أحاطت بالمبادرة كونها تتعاطى مع القضية الفلسطينية وكأنها أزمة عابرة يمكن حلها بجلب الاستثمارات ووضع الفلسطينيين أمام الأمر الواقع.
ولم تقف تلك الشكوك عند مستوى التصريحات الفلسطينية، بل اعترت دولا حليفة تراهن واشنطن عليها في المساعدة على إنجاح صفقة القرن، وهي السعودية التي تعتقد بأن الحل لا بد أن يراعي تراكم المبادرات التي عرضت طيلة عقود للتوصل إلى حل حقيقي بدل القفز عليها وجلب حل جاهز يثير الخلافات أكثر ما يعبّد الطريق أمام عملية السلام.
وتنظر الرياض إلى القضية بمنظار مختلف تماما عن مقاربة ترامب، وهو ما أكد عليه وزير المالية السعودي محمد الجدعان الذي لفت إلى أن القضية الفلسطينية “مهمة للغاية” للمملكة، وأن بلاده ستدعم “كل ما يجلب الازدهار لهذه المنطقة”.
ونشرت صحيفة الديلي تليغراف البريطانية، الأربعاء، تقريرا لمراسلها في القدس راف سانشيز ركزت فيه على ما قالت إنه خلاف بين كوشنر والرياض.
ويشير سانشيز إلى التصريحات التي أدلى بها كوشنر لقناة الجزيرة قبل ساعات من افتتاح ورشة البحرين، وقال فيها إنه “يجب أن نعترف جميعا بأنه لو كان هناك أي اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فلن يكون ذلك طبقا لخطة السلام العربية”.
ويوضح أن هذه التصريحات كانت تعني أن خطة السلام التي اقترحتها السعودية عام 2002 لم يعد لها وجود، وهو ما استدعى ردا سعوديا عبر بيان صدر في الرياض بعد ساعات من هذه التصريحات “أكدت فيه السعودية موقفها الحازم من أن خطة السلام العربية هي الطريق لحل الصراع″، وأعربت فيه عن مساندتها لمطالب الفلسطينيين بتأسيس دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الأمر الذي يرفضه كوشنر.
ويعتبر سانشيز أن الموقف السعودي لا بد وأنه قد أرق مضجع صهر الرئيس الأميركي والشخص الذي يقود جهود البيت الأبيض لحل أزمة الشرق الأوسط، خاصة ما تعلق بالفصل بين المسارات، والتعاطي مع ملف متشابك الأبعاد على أنه قضية لاجئين يمكن تثبيتهم في مواقعهم عبر مشاريع خدمية.
وأكد وزير الدولة السعودي، عضو مجلس الوزراء، محمد آل الشيخ، أن وجود “أمل حقيقي بتحقيق سلام مستدام” هو شرط لنجاح الخطة الاقتصادية التي يقدمها كوشنر للأراضي الفلسطينية.
جاء ذلك في مداخلة لآل الشيخ خلال أعمال اليوم الثاني من المؤتمر الاقتصادي “ورشة السلام من أجل الازدهار”، في العاصمة البحرينية المنامة.
واختتمت، مساء الأربعاء، ورشة عمل المنامة مع اتهام مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر القيادة الفلسطينية بالفشل في مساعدة شعبها مؤكدا أن “الباب لا يزال مفتوحا” أمامها.
وقال كوشنر إن الباب لا يزال مفتوحا أمام الفلسطينيين للانضمام إلى خطة السلام الأميركية التي لم تتضح معالمها السياسية بعد، قائلا “لو أرادوا فعلا تحسين حياة شعبهم، فإننا وضعنا إطار عمل عظيما يستطيعون الانخراط فيه ومحاولة تحقيقه”.
وقاطع الفلسطينيون الورشة، قائلين إنه لا يمكن الحديث عن الجانب الاقتصادي قبل التطرّق إلى الحلول السياسية الممكنة لجوهر النزاع.
وأضاف كوشنر أن الإدارة الأميركية ستبقى “متفائلة”، مضيفا “لقد تركنا الباب مفتوحا طوال الوقت”.
وتقترح الخطة جذب استثمارات تتجاوز قيمتها خمسين مليار دولار لصالح الفلسطينيين، وإيجاد مليون فرصة عمل لهم، ومضاعفة إجمالي ناتجهم المحلّي، على أن يمتد تنفيذها على عشرة أعوام، بحسب ما يسوق البيت الأبيض.
وتنظر القيادة الفلسطينية بارتياب كبير إلى كوشنر الذي تربطه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صداقة عائلية، وإلى ترامب الذي اتّخذ خطوات عديدة لدعم إسرائيل مخالفا الإجماع الدولي.
ورأى كوشنر أنّ “ما قامت به القيادة (الفلسطينية) هو لوم إسرائيل والآخرين على كافة مشكلات شعبها، بينما في الحقيقة أن الموضوع المشترك هو أن كل هذا قابل للتحقيق إن كانت الحكومة ترغب بإجراء هذه الإصلاحات”.
وفي الضفة الغربية المحتلة، أكدت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي في مؤتمر صحافي، أن المقترح الأميركي “إهانة لذكائنا” و”منفصل تماما عن الواقع″.
وقالت عشراوي إن “السلام الاقتصادي الذي تم تقديمه مرارا والذي فشل في التحقق كونه لا يتعامل مع المكونات الحقيقية للسلام، يتم تقديمه مرة أخرى، وإعادة تدويره مرة أخرى”.
وانتقدت عشراوي عدم التطرق إلى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ولا ذكره في مؤتمر المنامة مؤكدة “لم يتم ذكر الاحتلال ولا لمرة واحدة”.
وتسود علاقات سيئة بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية منذ قرّر ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها.
وأعرب مركز صوفان للدراسات عن شكوكه في إمكان النظر إلى الولايات المتحدة كوسيط محايد بعد خطوات ترامب، بما في ذلك وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
وقال المركز ومقره نيويورك “بالنسبة لأي شخص يراقب الوضع عن كثب” فإن ورشة العمل في المنامة “تبدو كأنها مضيعة للوقت”.