معارضة مرهقة.. تركة بوتفليقة للساحة السياسية في الجزائر
مع توالي اختيار الجزائريين للشّارع منبرا للتّعبير عن مطالبهم السّياسية منذ الـ22 من فبراير الماضي وازدياد وتيرة الاحتجاجات المليونية الرّافضة لما يصفوه بـ”بقايا نظام الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة”، تجد المعارضة نفسها أمام صراع البقاء بتسجيل موقف تاريخي وخطر التّلاشي بلعنة حراك لا يعطي فرصة للخطأ.
اجتمعت المعارضة الجزائرية في أوّل لقاء جامع توافقي لها للمرّة الأولى قبل أشهر، حين تم تداول ترشّح عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة قبل الـ22 من فبراير ومع اقتراب الآجال النهائية للمجلس الدستوري.
صبّت وقتها كل الأنظار نحو مقر حزب العدالة والتنمية، الذي استضاف الاجتماع “الحدث”، انتظارا للخروج بمرشّح توافقي، تجمع المعارضة في البلاد على تقديمه أمام بوتفليقة الذي كان يعتبر وقتها، خصما لا يهزم أمام قوة “التزوير” ـ كما يراه الجزائريون .
فشلت أكبر الأحزاب المعارضة وعدد من الشخصيات السياسية المرموقة في البلاد في الخروج بمرشّح توافقي في الاجتماع وقتها وتوالت اللّقاءات دون تسجيل موقف بثقل الأسماء المشاركة، وبدأت الانسحابات تتوالى الواحدة تلو الأخرى، لتجد نفسها اليوم بعد عدد ليس بالقليل من اللّقاءات، أمام صراع إثبات الوجود وسط “حراك” يرفض بعض من رموزها ويطاردهم في الشّارع، ومسؤولية عدم الهروب من أزمة يجدر بالمعارضة أن تقول كلمتها فيها من جهة أخرى.
معارضة هشّة
يرى عضو اللجنة المركزية بحزب جبهة التحرير الوطني، الذي سمّي في وقت سابق حزب بوتفليقة، أحمد بومهدي، أن “المعارضة ببلاده ضعيفة ولا تستطيع أن تفعل أي شيء في الأزمة السياسية الرّاهنة على اعتبار أن الشعب قال كلمته في الشّارع وخرج بالملايين دون العودة إليها”.
وقال بومهدي في تصريحه لـوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إن المعارضة في بلاده “مجرد اسم بلا فعل بسبب عدم شعبيتها وعدم امتلاكها لمساندة حقيقية لأن الجزائريين فقدوا الثقة فيها”، مرجعا ذلك لـ”عدم توافق أحزاب المعارضة على أرضية تصب في المصلحة السياسية للبلاد”.
ويذهب في ذات السياق رئيس حزب جيل جديد المعارض، جيلالي سفيان، مشيرا إلى أن “الكثير من أعضاء المعارضة الحالية سينتهي دورهم في الأشهر المقبلة لأن المجتمع الجزائري سيخلق وجوها وخطابا وأحزاب جديدة”. وأضاف قائلا “الآن الشعب لديه نظرة أخرى. هناك قوى كانت نائمة تحرّكت وكل هذا سيعطي مشهدا جديدا أمام معارضة غير متجذرة في المجتمع وهذا الواقع جاء من تقييدها في الميدان طيلة السّنوات الماضية”.
المعارضة أدّت واجبها
يرفض رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية المعارض، عبدالله جاب الله، وصف مساعي المعارضة بـ”الفشل”، قائلا في تصريحه “من يستمر في النضال والتضحية هو ناجح سواء حقق النتيجة أو تأجّلت نتائج مجهوداته”.
وأضاف “المعارضة ليست صاحبة القرار. أحزاب قوى التّغيير قدمت الحل للأزمة الحالية للبلاد في مارس الماضي حيث طالبنا بتفعيل المادة 70 من الدستور ولكن من بيده السلطة لا يتفاعل وظل يتحايل وأصرّ على تفعيل المادة 102”.
وفي المقابل، يرى عبدالرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (وهو حزب إسلامي معارض)، أن “العيب ليس في الأحزاب والطبقة السياسية والمجتمع المدني، ومحاولة إلصاق الإخفاق في هؤلاء، إنما هو سلوك سياسي ممجوج استعملته السلطة البائدة وانقلب عليها”.
وأضاف أن “الأحزاب والشخصيات والمجتمع المدني أدوا الدور الذي عليهم وقدموا اقتراحات فرادى في إطار منظماتهم ومجتمعين، واستطاعوا من خلال الحوار الثنائي والجماعي وعن بعد عن طريق وسائل الإعلام أن يقتربوا كثيرا من بعضهم البعض في أفكارهم ورؤاهم”.
واتّهم السّلطة الحاكمة بـ”التمسك برموز النظام البائد لاسيما الباءات المرفوضة بوضوح من قبل الشعب الجزائري، فلو جاء رئيس دولة جديد مقبول من الحراك وغير متورط في الفساد والتزوير لانطلق الحوار”.
ويرى مقري أن “الرّئيس المستقيل لديه دور نسبي في محاولة إضعاف الطبقة السياسية من خلال التزوير الانتخابي والابتزاز وشراء الذمم والتضييق على الطبقة السياسية”.
وأضاف “رغم كل الممارسات في حق المعارضة كانت هناك أحزاب وشخصيات ونقابات تقاوم سياسيا والحراك الشعبي ثمرة من ثمار التوعية التي قام بها هؤلاء، والحراك الشعبي ذاته الآن يمثل دعما للطبقة السياسية والمجتمع المدني بالتطور الكبير الذي أحدثه في ميزان القوى”.
وفي سياق متّصل، قال رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية، عبدالله جاب الله “حددنا تاريخ 29 من الشهر الجاري، لعقد لقاء وطني ولدينا العديد من المساعي لإيجاد حل، وهذا في حد ذاته إحدى الحجج التي تنفي فشل المعارضة “.
ترى الطّبقة السياسية في الجزائر أن نظام بوتفليقة اجتهد في كسر ظهر المعارضة ببلاده، حيث يشير عبدالله جاب الله إلى أن “تركة بوتفليقة ثقيلة وهي متنوعة وسيعرف من دعموه كم كانوا في غفلة”.
وأضاف “من يعرف نضالنا يعلم أننا لم ننخدع به من أول يوم له ومنذ سنة 1998 ونحن نحذر من خطره وننبّه ونفضح العوار الموجود في قوانين هذا الرّجل.. في البداية لم يسمع لقولنا أحد ولكن اليوم استيقظ الجميع وأصبح عارفا ومتيقنا من أن مرحلة بوتفليقة كالكابوس ووجد الكل نفسه أن البلد على حافة الإفلاس المتنوع”.
وفي الوقت نفسه، يرى جيلالي سفيان أن “المعارضة لم توحد موقفها وهو راجع إلى تشتيت صفّها وتفتيت لحمتها من قبل نظام بوتفليقة الذي منع تكوين أحزاب ومجتمع مدني قوي وذي استقلالية”. وأضاف أن “المعارضة التي كانت تنشط في الميدان كانت لها استنباطات سيكولوجية مع النظام البوتفليقي، فهي استطاعت التأقلم مع الوضع وبالتالي تعاملت مع الواقع الذي صنعه هذا الرّجل الذي كان راضيا حتى على المعارضة وإلا لألغى وجودها كما فعل مع الكثير”.
وتوقّع سفيان، أن يتمخّض “عن ثورة الجزائر فكر سياسي وموجة جديدة ستحمل روح الحراك”، مضيفا “لن تصمد معظم الأحزاب الموجودة حاليا أمام تجدد الشّارع الذي سيخلق منه أحزاب وجمعيات وأسماء لم نسمع بها من قبل”.