تعاطف المغاربة مع الراحل مرسي غلب المشارقة… علم واحد يمثل الجزائريين… والديمقراطية الموريتانية في المختبر
رغم أن رحيل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، المنتخب ديمقراطيا، لم يحظ بالتغطية التلفزيونية الرسمية في معظم دول المغرب، واقتصر على خبر مستقل ضمن نشرات الأخبار، حرصا على عدم التدخل بالشأن المصري الداخلي، إلا أن مواقع الأحزاب ووسائل التواصل فيها وصحفها أخذت على عاتقها أن تتكفل بهذه المهمة.
فعلى عكس الأحزاب في دول المشرق العربي، وخاصة الإسلامية والقومية، فقد كانت وسائط التواصل ومواقع الأحزاب الإسلامية في المغرب والجزائر، وكذلك تونس ساحة لنصرة الرئيس المظلوم والهجوم على سجانيه والتحذير من مصير المساجين السياسيين الباقين.
ففي المغرب نعى رئيس الائتلاف الحكومي سعد الدين العثماني وقيادات في «العدالة والتنمية» مرسي بطريقة وسطية، ما أثار نشطاءه الذين انتقدوا بدورهم عدم إبداء الحزب لموقف سياسي واضح حيال وفاة الرئيس المصري الأسبق. ولم تشفع نعوة العثماني لمرسي: «رحمه الله ورحم جميع موتانا».
كذلك فعل مصطفى الرميد، الوزير المغربي المكلف بحقوق الإنسان، في تدوينة عبر صفحته الرسمية في موقع «فيسبوك»: «رحم الله الدكتور محمد مرسي برحمته الواسعة، اللهم اغفر له وارحمه واكتبه في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين».
لكن رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران قال قولة حق متقدمة جدا، حينما اعتبر أن الرجل مات شهيدا، ما دفع لسحب تصريحه من الكثير من المواقع، بشكل مستهجن، بعد أن أثارت زوابع من الثناء على شجاعة الرئيس الراحل، فيما اتهمه أخرون بالأخونة.
ولم يثن أمين عام حزب «العدالة والتنمية» سابقا، عبد الإله بن كيران، أحد عن رأيه حين اتصلت به بعض القنوات العربية، كـ»الجزيرة» و»مصر الآن» وغيرها، فأطلق نعوته كعادته بكل حرية، مترحما على محمد مرسي، وواصفا إياه بالشهيد.
في الأثناء، انتقد نشطاء وإعلاميون مغاربة عدم إبداء حزب «العدالة والتنمية» لموقف سياسي واضح حيال وفاة مرسي. فقال الإعلامي إسماعيل الأداريسي، في تدوينة عبر صفحته الرسمية بـ«فيسبوك»: «مؤسف أن يتنكر حزب العدالة والتنمية لوفاة الرئيس محمد مرسي، ولا يأتي على ذكر رحيله ولو بخبر محتشم في موقعه الالكتروني الرسمي؟».
بدوره، قال عضو الحزب محمد عصام، عبر الموقع نفسه: «لا أجد أي تفسير مقنع أو غير مقنع، يبرر استنكاف إعلام حزب العدالة والتنمية عن مجرد ذكر خبر وفاة الرئيس الشهيد محمد مرسي؟ فهل منكم من يستطيع فك شفرة هذا التوجه»!؟
أما في الجزائر فعلق عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد، على وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي بالقول «رحمك الله أيها الرئيس المصري الشرعي المظلوم». وذلك في رسالة تعزية، جاء فيها «أتقدم باسمي وباسم مؤسسات الحركة ومناضليها بتعازينا الخالصة لأهل الرئيس المصري الشرعي المنقلب عليه، ولإخوانه في حزب الحرية والعدالة، وللشعب المصري».
وأضاف «نسأل الله أن يحق الحق في أرض الكنانة وأن ينصر كل مظلوم».
كذلك فعلت شخصيات سياسية وأحزاب من خلال حراك تضامني واقامة صلاة الغائب في مساجد الجزائر، بل ذهب الأمر بأن شهدت مظاهرات الجمعة الـ18 للحراك الشعبي رفع صور للرئيس المصري الأسبق، وترديد شعارات متضامنة معه، فيما أقيمت صلاة الغائب على روحه في عدة مدن، أيضا وغصت وسائط التواصل بنعيه والإشادة بمناقبه.
ولم يكن الحال مختلفا كثيرا في تونس، فقد كان رثاء الرئيس السابق منصف المرزوقي لأخيه الرئيس المغدور، مؤثرا جدا وعلامة سياسية فارقة، حينما قال: «تقبّلك الله في مثواك الأخير، وبارك في كل ما أعطيته للشعب المصري، بارك الله في صبرك، وعفوًا وغفرانًا لأننا لم نستطع أن نُنجدك أكثر مما أنجدناك. أتصوّر كل العذاب وكل الآلام التي مررتَ بها طيلة هذه السنوات. ليغفر الله لك وليغفر لنا جميعا». ثم شرع في بكاء حار، رغم محاولة صحافي «الجزيرة»، الذي كان يحاوره تهدئته والتخفيف عنه، من خلال الاعتذار والأسف وطلب المسامحة عن طرح ذلك السؤال.
وهكذا يبدو المشهد الإعلامي حافلا بالمفارقات، فقد بثت قناة «بي بي سي» مشهد برلمانيات وبرلمانيين تونسيين يقرأون الفاتحة، بينما تنسحب بعض البرلمانيات الأخريات، لا سيما بعدما أكد رئيس الجلسة أن القراءة ستكون لاعتبار إنساني فقط. فيما اعتبرها اليساريون التونسيون محاباة لجماعة الإخوان. لكن هذا الاهتمام بمفارقاته ظل أكثر تماهيا مع الحدث، مما فعلته الأحزاب في المشرق العربي، رغم أن القاعدة السياسية في هكذا أحداث كانت دائما مشرقية بامتياز.
رفع العلم الجزائري فقط
نقل التلفزيون الحكومي الجزائري أن وكيل النيابة لمحكمة سيدي محمد في العاصمة أمر بإيداع 13 شخصا الحبس المؤقت بتهمة المساس بالوحدة الوطنية عن طريق رفع راية غير الراية (العلم) الوطنية طبقا لأحكام المادة 79 من قانون العقوبات.
وحسب المصدر نفسه فإن هؤلاء الأشخاص تم توقيفهم الجمعة الماضية (مظاهرات الحراك) بعد حملة لقوات الأمن لنزع الرايات غير الوطنية .
والأربعاء، قال الفريق أحمد قايد صالح، قائد الأركان الجزائري، إن تعليمات صدرت لمنع رفع رايات غير العلم الوطني في المسيرات الشعبية.
واعتبر أن رفع هذه الرايات «قضية حساسة تتمثل في محاولة اختراق المسيرات، ورفع رايات أخرى غير الراية الوطنية من قبل أقلية قليلة جدا».
منذ انطلاق الحراك الشعبي، رفع متظاهرون أعلاما بالأصفر والأخضر يتوسطها رمز للأمازيغ، تعرف بأنها أعلام لأمازيغ شمال افريقيا، بهدف التعبير عن هوية أصحابها.
ولوحظ خلال مظاهرات الجمعة الـ 18 للحراك رفع هذه الرايات من قبل بعض المتظاهرين في العاصمة، حيث تدخلت قوات الشرطة لنزعها ووقعت مناوشات مع بعض المشاركين في المسيرات.
الحراك الجزائري، وبشهادات دولية، كان منذ البداية نقيا كالثلج، لأنه يعكس وعي وحضارية الجزائريين في التعاطي – للمرة الأولى – مع شأن سياسي بهذا الحجم. وعليه فان الراية، التي وحدت البلاد ضد الاستعمار، وقدم الملايين من أجدانا أرواحهم الطاهرة من أجل مستقبلنا وإعلاء هذه الراية، يجب أن تكون في عيوننا ونصونها صون النفس. وعليه من المخيف جدا أن تحرف بوصلة الحراك لاغراض فئوية أو مناطقية أو مذهبية، كما جرى في دول الربيع العرب، واستغلته جهات خارجية لتمزيق تلك البلاد ونهبها وتخريبها، وذبح شعبها على مقاصل التفرقة، وهذا ما لا يرضاه عاقل لبلادنا.
موريتانيا الحاضر وشبح الماضي
حظيت التغطية التي خصصتها قناة «فرنسا 24 « للانتخابات الموريتانية، وسير العملية الديمقراطية فيها باهتمام لدى المواطينين في شمال افريقيا. أولا لإفرادها مساحة كريمة لهذا الحدث، ثانيا لاستضافتها لأطياف المجتمع الموريتاني المختلفة سياسيا واجتماعيا، في نشرات الانباء والبرامج الحصرية، فللمرة الأولى منذ تسعةٍ وخمسين عاما صوت الموريتانيون هذا الأسبوع لاختيار رئيسهم بشكل ديمقراطي.
وفي أول عملية انتقال للسلطة من رئيس انتهت ولايته إلى آخر منتخب، بعد أن عاشت البلاد سلسلة من الانقلابات بين 1978 و2008.
ومن المعلوم أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز وصل إلى السلطة إثر انقلاب وأعيد انتخابه في 2014 في اقتراع قاطعته أحزاب المعارضة الرئيسية.
وقد ميزت حكمه الانتقادات لموريتانيا في عدم احترام الحقوق الأساسية في مجتمع يتسم بعدم المساواة وبالتناقض بين أوضاع العرب البربر الحراطين (أحفاد العرب البربر الذين يقاسمونهم ثقافتهم) والمجتمعات الافريقية موريتانية التي تتحدث عموما اللغة الأم لإتنيات جنوب الصحراء.
سيحكم الرئيس الجديد المنتخب ولد الغزواني موريتانيا لخمس سنوات، وتنتظره ملفات عديدة أبرزها ملف حقوق الإنسان التي تفتقر البلاد إليها.
كما تواجه ولد الغزواني تحديات الفقر والتعليم والصحة، التي وعد في خطابه التلفزيوني أنه سيحسن معالجتها، بالإضافة إلى ملف الثروات المعدنية وأهمها الذهب.
الرئيس الجديد وعد مواطنيه بحفر قناة نهر السنغال حتى يصل وسط البلاد في مدينة ألاك و«تأمين فرص عمل أكثر وخلق اقتصاد قوي والنهوض بالتعليم إلى مستوى عال». وكلها وعود جيدة جدا إذا نفذت، لكن يخشى أن يقع الرئيس الجديد تحت حبائل إرث القيادات الراحلة انتخابيا والمتجذرة في السلطة، كما أن البلاد بحاجة الى تحسين علاقاتها مع دول الجوار وهجران سياسة الاستقطاب الخليجي، التي أدخلها اليها سلفه، في مسعى غير موفق أبدا في الزج بهذا البلاد في الاستثمار في أحقاد الغير.