التطرف يُعشّش في قلب مؤسسات الدولة الفرنسية

مرة أخرى يثير جدل التطرف والتشدّد في فرنسا، موجة من الهلع التي يرى البعض أنه مبالغ فيها، فيما يشدد البعض الآخر على وجوب التعامل معها بكل جدية، وذلك بعد صدور تقرير برلماني فرنسي جديد يؤكّد أن موجة التطرف وصلت حد التغلغل والانغماس في أجهزة الدولة.

وفي إطار الجهود البرلمانية الفرنسية لمكافحة التطرف، صدر مؤخرا تقرير برلماني جديد، كشف عن تغلغل متطرفين في مؤسسات وإدارات وأجهزة رسمية كالشرطة والجيش والنقل العام والمستشفيات وقطاع التعليم.

وبحسب التقرير الجديد، الذي تم تقديمه الأربعاء في البرلمان الفرنسي، فإن القطاع العام يواجه خطر انزلاق بعض موظفيه نحو التشدد، ما يثير قلق الدولة، نظرا لحساسية الوضع في تلك المؤسسات.ولا يزال هاجس التطرف الديني حاضرا بقوة في الأوساط الفرنسية، حيث كثفت السلطات الفرنسية منذ الهجمات الإرهابية في 2015 فرنسا جهودها لمكافحة التطرف.

وفي هذا الصدد، أجرى النائبان إريك ديار من حزب “الجمهوريين” اليميني وإيريك بويا من حزب “الجمهورية إلى الأمام” (حزب الرئيس إيمانويل ماكرون) مسحا شاملا لمؤسسات الدولة والقطاع العام كالشرطة والدرك والجيش والسجون والمجتمعات والمستشفيات والجامعات والنقل.

تقرير برلماني فرنسي يكشف تغلغل متطرفين في أجهزة  كالشرطة والجيش والنقل العام والمستشفيات والتعليم

ومنذ نوفمبر وإلى حدود الأسبوع الماضي، تمّ في المجمل عقد 52 جلسة في إطار التحقيق المتعلق بالتطرف، واستطاع النائبان من خلال صلاحياتهما الخاصة والسرية معرفة خلفيات بعض الأشخاص الذين يحملون فكرا متشددا، هذا إلى جانب تمكنهما من إجراء مقابلات مصورة مع موظفين.

ونقلت قناة “العربية ” عن النائب إريك ديار الذي أشرف على التحقيق قوله “إن هدفنا الحصول على المعلومات، نحن نتساءل هل هناك تحضير للتطرف؟ هل هناك أحد من هؤلاءِ الأشخاص قد غيّر سلوكَه فجأة؟ وهل الدولة على علم بذلك؟ هل يمكن أن نستبق الأمور ونعيد تأهيل هؤلاء الأشخاص؟ في كل الأحوال لا يمكننا تجريمهم دون دليل”.

وأثار التقرير البرلماني، الذي يشير إلى أن خطر التطرف يمتد إلى قلب المؤسسات الرسمية، ضجة في الأوساط الفرنسية وأيضا في أوساط المسلمين، الذين يعتبرون أن المخاوف مبالغ بها وأن التحقيق لا يستند على أدلة واضحة.

ويُعد التحقيق المذكور وفق النائبين بمثابة جزء هام من جهود مكثفة تبذلها السلطات الفرنسية لصدّ أي تهديد إرهابي قبل حصوله، إلا أن مخاوف الدولة من الفكر المتطرف لم تعد مقتصرة على التطرف الديني، حيث تبرز تحقيقات أخرى تركز على التطرف السياسي من أقصى اليمين أو اليسار هدفها الحفاظ على أمن واستقرار البلاد، وترى فرنسا أن التطرف بجميع أشكاله مناقض للعلمانية ولمبادئ الجمهورية.

وقوبل، هذا التقرير بموجة من الاستياء لدى الجاليات العربية والمسلمة التي تصنف مقاصده ونواياه في خانة المزيد من التضييق على الحريات الدينية، بفعل ما يثيره مصطلح “الإسلاموفوبيا” من عداء للمسلمين.

ويحذّر المسلمون في فرنسا من أن تنجرّ السلطة الفرنسية، التي يقودها حزب فرنسا إلى الأمام وفي مقدّمته الرئيس إيمانويل ماكرون، وراء الخطابات المتشددة والمعادية للإسلام والمسلمين والتي تقودها أذرع اليمين المتطرف الفرنسي.

لكن في مقابل تخوفات المسلمين، حذّرت العديد من التقارير الفرنسية والدولية في الأشهر الأخيرة من محاولات أسلمة فرنسا على يد جماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات السلفية التي تريد إعادة ترتيب أوراقها عبر التركّز والتواجد مجدّدا في المؤسسات التربوية والدينية للسيطرة عليها لنشر خطاباتها المتطرفة. وكانت صحيفة “لوبوان” الفرنسية التي لا تخفي معاداتها للإسلام المتطرف قد نشرت بدورها تقريرا عن التقرير البرلمان المذكور ووصفته بأنه قنبلة في فرنسا.

ولا تعد هذه المرة الأولى التي يركز فيها الإعلام الفرنسي أو مؤسسات الدولة كالبرلمان على مسألة التطرف وآليات مكافحته، حيث تم في العديد من المرات تناول قضايا تتعلق بتحركات وأنشطة الحركات الإرهابية التي ضربت فرنسا في السنوات الأخيرة.

السلطات الفرنسية كثفت، منذ الهجمات الإرهابية في 2015، جهودها لمكافحة التطرف
السلطات الفرنسية كثفت، منذ الهجمات الإرهابية في 2015، جهودها لمكافحة التطرف

وعادة ما كان التوجه الأساسي يعتني بقضية التطرف الديني في الجوامع والمساجد ويشير بالإصبع إلى بعض الجماعات كالإخوان المسلمين أو المدارس القرآنية التي تسيطر عليها حركات إسلامية متطرفة.

كما دعت بعض التقارير الاستخباراتية الفرنسية في أوقات سابقة إلى ضرورة التحكم في السجون، وحذّرت من أن يتحول معظم المجرمين من المسلمين إلى متطرفين دينيا تحت وطأة الإرهابيين الموقوفين والذين يتعايشون معهم في نفس المكان.

وعانت فرنسا في الأعوام الأخيرة من ضربات إرهابية عنيفة، منها عملية “شارلي إيبدو” ويبقى أكثرها دموية تلك التي تم تنفيذها في عام 2015 والتي تسمى بهجمات باريس والتي كانت منسقة وشملت عمليات نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن في 13 نوفمبر 2015 في العاصمة الفرنسية باريس، وتحديدا في الدائرة العاشرة والحادية عشرة في مسرح باتاكلان وشارع بيشا وشارع أليبار وشارع دي شارون. حيث كان هناك ثلاثة تفجيرات انتحارية في محيط ملعب فرنسا في ضاحية باريس الشمالية وتحديدا في سان دوني، بالإضافة إلى تفجير انتحاري آخر وسلسلة من عمليات القتل الجماعي بالرصاص في أربعة مواقع.

وقد أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 130 شخصا وجرح 368 شخصا، فيما لقي سبعة من المهاجمين حتفهم، لتواصل السلطات البحث عن أي من المتواطئين معهم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: