جحيم الصحراء يجتاح أوروبا
التغييرات المناخية التي يشهدها القرن الحادي والعشرون غيرت المفاهيم العامة حول فصول السنة كما غيرت مميزات طقوس القارات، فلم تعد أوروبا قارة باردة إذ تشهد هذا الأسبوع موجة حرّ شديدة، جعلت الجهات المسؤولة تستعد لمخاطر هذه الموجة كما توقفت امتحانات الثانوية في فرنسا وإسبانيا، ولجأ الناس إلى حيث الماء.
ضربت موجة من الحر الشديد الثلاثاء مختلف أنحاء أوروبا مع درجات حرارة فاقت الأربعين ومن المتوقع تسجيل أرقام قياسية للحرارة في بعض الدول الأوروبية خلال هذا الأسبوع، ما دفع السلطات إلى تكثيف تحذيراتها للمواطنين.
ويقول علماء الطقس إن موجة الحر هذه القادمة من الصحراء الكبرى ستبلغ ذروتها الخميس والجمعة.
وكان الأوروبيون يأتون إلى الصحراء هربا من البرد والتمتع بالدفء والرمال الساخنة، لكن يبدو أنهم أصبحوا يكتوون بالحرارة في قارتهم الباردة.
واختفت المراوح من رفوف متاجر المدن بينما يلجأ كثيرون إلى النوافير العامة للتخفيف من شدة الحر.
ويحذر الخبراء من أن ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض العائدة لانبعاثات غازات الدفيئة التي كانت استثنائية في الماضي، باتت ظاهرة متكررة.
وقالت سابين كروغر من خدمة الأرصاد الألمانية إن “الشمس يمكن أن تسطع بشكل متواصل، وهناك الكثير من الهواء الحار القادم إلينا من أفريقيا”، مشيرة إلى تأثير الظاهرة بشكل خاص على دول جنوب أوروبا.
إدارة برج إيفيل: ستكون الحرارة عالية جدا، احتموا من الشمس واشربوا الكثير من الماء وخذوا قسطا من الراحة خلال زيارتكم
وأعلنت الأرصاد الفرنسية إنذارا من الحر من المستوى “البرتقالي” في أكثر من نصف فرنسا وضمنها المنطقة الباريسية.
وأكد الرئيس إيمانويل ماكرون حشد “الحكومة كلها” لمواجهة الظاهرة.
ويتوقع الأربعاء أن تبلغ الحرارة 40 درجة في ليون وعدة مدن في الوسط والشرق.
وقالت وزيرة الصحة الفرنسية أغنيس بوزين “أنا قلقة بشأن الأشخاص الذين يستخفون بموجة الحر ويواصلون ممارسة الرياضة كالمعتاد أو البقاء في الخارج تحت الشمس″، مضيفة “يؤثر ذلك علينا جميعا. لا يوجد من يتمتع بقدرات خارقة عندما يتعلّق الأمر بالتعامل مع الحر الشديد الذي سنشهده الخميس والجمعة”.
وأنشأت سلطات الصحة خطا مجانيا يقدم نصائح للمواطنين لكيفية التعامل مع موجة الحر.
وأعلن وزير التعليم جان ميشيل بلانكر أنه سيتم تأجيل الاختبارات النهائية للمرحلة الثانوية، المقررة نهاية الأسبوع، لمدة سبعة أيام.
وذكّرت وزيرة العمل موريل بينيكود أرباب العمل بالتزاماتهم لتكييف ساعات العمل بسبب الحر، ليوفروا مياها ويراقبوا درجات حرارة الغرف.
وتشعر فرنسا بقلق خاص إزاء تكرار موجة الحر التي وقعت عام 2003، والتي أطلق عليها “الصيف القاتل” في البلاد، والتي أسفرت عن مقتل 15 ألف شخص بين 4 و18 أغسطس.
ويعاني سكان المدن الكبرى بشكل خاص من هذه الموجة بسبب الشوارع الإسفلتية ونقص الأشجار وكثرة الأنشطة البشرية.
وقالت ماري-استريد بارا الثلاثينية بوسط باريس “أغلقت نوافذ المنزل قبل التوجه إلى العمل وحملت معي زجاجات ماء حافظة للبرودة لمقاومة الاجتفاف”.
وفي ساحة تروكاديرو بباريس يستخدم السياح المظلات والقبعات في محيط برج إيفل.
ونشرت إدارة البرج تغريدة كتبت فيها “موجة حر: أيها الأصدقاء الزوار ستكون الحرارة عالية جدا هذا الأسبوع، احتموا من الشمس واشربوا الكثير من الماء وخذوا قسطا من الراحة خلال زيارتكم البرج”.
وتعهّد المسؤولون بفتح “غرف مبرّدة” داخل المباني العامة في باريس وإقامة نوافير مياه مؤقتة وترك حدائق المدينة مفتوحة خلال الليل. ويخطط عمال المدينة كذلك لتوزيع المياه للمشرّدين وتزويد المدارس والحضانات بالمراوح.
وشهدت فرنسا نقصا في المراوح بعدما دفعت التقارير المرتبطة بحالة الطقس السكان للمسارعة إلى المتاجر خلال عطلة نهاية الأسبوع، بينما تتوقع شركة تشغيل شبكة الكهرباء الفرنسية “أر.تي. أي” أن يزداد استهلاك الطاقة مع تشغيل المكيّفات إلى أقصى درجة.
وأفاد متجر “بولانجيه” الفرنسي أن مبيعات معدات “معالجة الهواء” ارتفعت بنسبة 400 بالمئة عن مستوياتها المعتادة خلال الأيام الأخيرة.
وبالاتجاه شرقا، تستعد ألمانيا أيضا لموجة حر تضرب البلاد بدءا من الثلاثاء. ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية ارتفاعا في الحرارة الأربعاء ولا يستبعدون أن تشهد البلاد درجات حرارة بين أعلى ما سجل منذ أكثر من 70 عاما. والرقم القياسي المسجل في شهر يونيو يعود إلى 1947 حيث سجلت في فرانكفورت 38.2 درجة. وفي إسبانيا أعلنت وكالة الأرصاد تحذيرا من موجة حر بداية من الأربعاء متوقعة درجات تصل حتى 42 في شمال شرق البلاد.
ونشرت الوكالة سلسلة من النصائح كالإكثار من شرب الماء وتغطية الرأس والامتناع عن الجهد البدني نهارا، كما حذرت من مخاطر شديدة لحدوث حرائق في بعض أجزاء كاتالونيا وأراغون ونافاري واستريمادوري.
ويعني مصطلح موجة حر استمرار الحرارة العالية لثلاثة أيام ليلا نهارا.
وتم تأجيل امتحان شهادة التعليم الإعدادي الذي كان مقررا الخميس والجمعة، إلى بداية الأسبوع القادم.
ومن جهتها أعلنت شركة السكك الحديدية خطة مواجهة حرارة عالية، وستضع بتصرف الركاب 450 ألف قارورة ماء كما وفرت نحو 200 ألف وجبة في محطاتها بغرض التكفل بالركاب في حال حدوث اضطرابات.
وأعلنت شركة كبرى للتجهيزات المنزلية عن تسجيلها زيادة بنسبة 300 بالمئة في مبيعات المكيفات والمراوح مقارنة بـ2018.
وبحسب معهد الأرصاد الملكي البلجيكي، في بلجيكا أصدرت السلطات تحذيرا من “حرارة عالية”، متوقعة درجات “أقصاها يصل إلى 34 أو 35 درجة” بداية من الثلاثاء.
وفي النمسا حذرت الأرصاد من مخاطر زوابع عنيفة مع درجات حرارة تصل إلى 37 درجة وتصل موجة الحر جنوب سكندينافيا بداية من الثلاثاء مع درجات تبلغ نحو 30 في الدنمارك وجنوب السويد نهارا. وفي المملكة المتحدة صدرت تحذيرات من “زوابع عنيفة”.