صفقات فساد مع قطر والقذافي تقود ساركوزي إلى القضاء
يعيش الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي تحت ضغط قضائي، بعد قرار إحالته إلى محكمة الجنح في قضية محاولته الحصول على معلومات سرية عبر الضغط على قاض، ما ينطوي، على “استغلال نفوذ”، وهي واحدة من بين مجموعة من التهم التي تلاحق ساركوزي، المتهم أيضا بالحصول على تمويل غير مشروع لحملته الانتخابية من الزعيم الليبي معمر القذافي وبتوقيع صفقات مشبوهة مع قطر.
ثبّت القضاء الفرنسي وبشكل نهائي قرار إحالة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي إلى محكمة الجنح على خلفية تهم استغلال نفوذ وصفقات فساد مع النظام القطري مقابل الضغط على مسؤولين سابقين في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من أجل منح الدوحة مونديال 2022، كما يواجه تهمة تمويل حملته الانتخابية عام 2012 بشكل غير شرعي، من قبل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
ويأتي هذا القرار بعد أن رفضت أعلى محكمة في البلاد مسعاه الأخير لتجنب محاكمة، حيث رفضت محكمة التمييز الالتماسات الأخيرة التي تقدم بها الرئيس الفرنسي الأسبق ومحاميه تييري هرتزوغ والقاضي الأسبق في محكمة التمييز جيلبير ازيبير، لتجنب محاكمة.
اتهامات الرئيس الفرنسي الأسبق اليميني ليست جديدة، فمنذ سنوات، تلاحقه الفضائح والقضايا التي يناهز عددها إحدى عشرة قضية أثناء توليه الرئاسة من 2007 إلى 2012، لكن اللافت هو قرار المحكمة، فهي المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة في فرنسا التي سيحاكم فيها رئيس سابق بتهم فساد.
وكان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، حوكم أيضا بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ في عام 2011 بسبب إساءة استخدام الأموال العامة، لكن جريمة شيراك ارتكبها أثناء توليه منصب عمدة باريس وليس خلال فترة رئاسته من 1995 إلى 2007 في الإليزيه، خلافا لساركوزي.
ووصفت صحيفة صنداي تايمز ساركوزي بـ”رجل الفضائح”. ومن بين الفضائح المتعددة التي لاحقته تبرز قضيتان رئيسيتان؛ صفقات الفساد مع قطر وقضية تمويل حملته الانتخابية من قبل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. ونجح المحققون في إيجاد أدلة تدين الرئيس الفرنسي الأسبق بعد أن استغلوا الهواتف المحمولة التي استخدمها ساركوزي ومحاميه تيري هرتسوغ، بعد خروجه من السلطة.
علاقات مشبوهة مع قطر
في قضية رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الأسبق لاعب كرة القدم الفرنسي الأسبق ميشيل بلاتيني، ذكرت الصحافة الفرنسية أن مأدبة غداء فاخرة نظمها ساركوزي في قصر الإليزيه في 23 نوفمبر 2010، جمعته مع بلاتيني والعديد من القطريين بمن فيهم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي كان وليا للعهد في ذلك الوقت.
وذكرت التقارير أن بلاتيني، الذي كان في ذلك الوقت في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وكان يميل نحو دعم أميركا لاستضافة بطولة 2022، قرر في نهاية اللقاء تحويل دعمه نحو قطر.
ولفتت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية إلى أن ساركوزي، الذي أقام علاقات وثيقة مع القطريين أثناء رئاسته، أنهى المأدبة بالاتفاق على منح قطر تنظيم نهائيات كأس العالم وشراء نادي باريس سان جرمان والحصول على حق البث الحصري للمباريات لصالح مجموعة بي.إن.سبورتس، وكل ذلك بالتنسيق مع ناصر الخليفي.
وتتابع ليبيراسيون علاقة ساركوزي المشبوهة مع قطر منذ سنوات، وذكرت في تقرير يعود تاريخه إلى سنة 2015، أن ساركوزي اختلف عن أسلافه من الرؤساء الفرنسيين، وكسر تقليدا فرنسيا حين اتبع إستراتيجية موالية بشكل كبير للدوحة. مال إلى الدوحة.
وقالت الصحيفة “في اليوم الذي تلا انتخابه، نظم فرنسوا ميتران أول زيارة رسمية له إلى المملكة العربية السعودية. وتوجه جاك شيراك نحو بناء علاقة إيجابية مع الملك فهد الذي زاره قبل الأمير حمد. فلم يسبق لأي رئيس فرنسي منذ عهد ميتران أن زار قطر قبل السعودية التي تبقى عملاقا مهما في الخليج”.
تحت حكم ساركوزي، أصبحت فرنسا هدفا لجشع المستثمرين القطريين من خلال شراء عدد من الأصول والحصول على إعفاءات ضريبية
وتضيف الصحيفة أن “الرئيس الفرنسي الأسبق أعجب بالدبلوماسية القطرية التي زينتها قناة الجزيرة”، مشيرة إلى أن “الشيخ حمد كان أول مسؤول أجنبي يستضيفه ساركوزي في قصر الإليزيه في 30 مايو 2007 على مأدبة، كجزء من صفقة تبلغ 16 مليار دولار (14 مليار يورو) لشراء 80 طائرة إيرباص من طراز إيه 350”.
وتزامن تقرير ليبيراسيون في ذلك الوقت مع تصاعد الأصوات الغاضبة من تمدد الاستثمارات القطرية في فرنسا، مشيرة إلى أنه “تحت حكم ساركوزي، أصبحت فرنسا هدفا لجشع المستثمرين القطريين”.
جاء ذلك بناء على نتائج دراسة أعدها معهد جيت ستون الأميركي قالت إن قطر تسعى “لابتلاع الاقتصاد الفرنسي” من خلال شراء عدد من الأصول للسيطرة على مفاصل الدولة
الفرنسية، بعد أن فتحت أبواب القطاعين العام والخاص أمام الاستثمارات القطرية. وسلطت الضوء على الإعفاءات الضريبية التي منحتها فرنسا للدوحة. واستمرت علاقة ساركوزي بقطر، بعد مغادرته الإليزيه، حيث ذكرت التقارير أنه كان يخطط لإنشاء صندوق أسهم خاص تدعمه الدوحة، قبل الشروع في عودة سياسية فاشلة، عرقلتها بشكل أساسي قضية حملته الانتخابية وما تردد عن حصوله على أموال غير مشروعة من القذافي في 2007.
أموال القذافي
على مدى سنوات، كانت هذه القضية محل متابعة الإعلام الفرنسي الذي نشر شهادات متعلقة بادعاءات تلقي ساركوزي أموالا من القذافي. وكان موقع ميديا بارت نشر في سنة 2016 ملفا تضمن اعترافات رئيس الاستخبارات العسكرية الليبية السابق عبدالله السنوسي وأحد العاملين في البروتوكول حول تلك الفضيحة.
ووفقا لما نشره الموقع، اعترف السنوسي أمام المحكمة الجنائية الدولية بأنه أرسل بنفسه خمسة ملايين يورو إلى الحملة الانتخابية لساركوزي. وفي مقابلة مصورة أذاعها الموقع، قال رجل أعمال لبناني فرنسي يدعى زياد تقي الدين، ورد اسمه في القضية، إنه نقل حوالي 5 ملايين يورو في تمويل غير مشروع من السنوسي إلى ساركوزي ومدير حملته كلود جيان.
ونشر الموقع أيضا شهادة قدمها للمحكمة الجنائية الدولية أحد العاملين في البروتوكول أثناء حكم القذافي، لم يتم الإفصاح عن هويته، قال فيها إنه أرسل إلى حملة ساركوزي ما مجموعه 50 مليون يورو، 30 مليونا منها عبر حوالة مصرفية و20 مليون يورو نقدا، تم تسليمها إلى اثنين من الأصدقاء المقربين لساركوزي في طرابلس.
من بين الفضائح المتعددة التي لاحقت ساركوزي تبرز قضيتان رئيسيتان؛ صفقات الفساد مع قطر وقضية تمويل حملته الانتخابية من قبل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي
وذكرت صنداي تايمز أن المحققين كانوا يحققون في مزاعم تقول إن معمر القذافي تبرع بمبلغ 50 مليون يورو في صورة أموال غير مشروعة لدعم حملة ساركوزي الرئاسية، ولكن لم يتم إثبات الأدلة على هذه الهدية الليبية، التي أنكرها ساركوزي.
وأثناء جلسة الاستماع، بدأ المحققون في الشك في أن ساركوزي عرض ترقية على القاضي غيلبرت أزيبرت، مقابل الحصول على معلومات حول تحقيق منفصل كان يديره. وكانت هناك مزاعم بأن ساركوزي طلب الحصول على أموال غير قانونية لحملته الانتخابية من ليليان بيتنكورت، المساهمة الأولى في شركة لوريال، التي تقدر ثروتها بنحو 44 مليار دولار. وكانت في الثمانينات من عمرها في ذلك الوقت، وذُكر أنها كانت تعاني من الخرف.
وتم إسقاط قضية بيتنكورت لاحقا، لكن هذا لم يمنع ساركوزي من مواجهة دعوى بشأن عرضه المزعوم لأزيبرت، على الرغم من مزاعم محامي الرئيس الأسبق بأن استخدام معلومات التنصت على المكالمات الهاتفية من أحد التحقيقات في تحقيق آخر يتعارض مع قرار أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.