موسم أصيلة الثقافي يشخّص واقع الديمقراطية

خبراء يجمعون على أن الديمقراطية في تراجع نتيجة التحولات النوعية التي يشهدها النظام الدولي، بسبب صعود التيار الشعبوي والتفاف جمهور الناخبين عليه في الغرب.

“عبء الديمقراطية الثقيل: أين الخلاص”، إشكالية تطرحها الدورة الـ41 لموسم أصيلة الثقافي، حيث يتجدد الموعد في المغرب مع خبراء ومثقفين وشخصيات سياسية من مختلف دول العالم لنقاش تحديات النظام الدولي، والتركيز هذه المرة على تشخيص حال الديمقراطية الغربية اليوم، التي تعصف بها تحديات في ظل صعود التيار الشعبوي، فيما يكشف تنامي التحركات الاحتجاجية والالتجاء إلى الشارع، قصور التجارب الديمقراطية التقليدية في تحقيق تطلعات الشعوب.

أصيلة (المغرب)- افتتحت مدينة أصيلة المغربية مساء الجمعة الدورة الـ41 لموسم أصيلة الثقافي الدولي، الذي تنظمه مؤسسة منتدى أصيلة من 16 يونيو إلى 12 يوليو بحضور شخصيات فكرية وثقافية وأكاديمية بارزة من المغرب ودول عربية وأفريقية وأوروبية.

واعتبر الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى في كلمة الافتتاح “أن أصيلة صارت مؤسسة ضمن النسيج الجمعوي الوطني العام، تؤسس لفعل ثقافي نوعي، يساهم من خلال أهدافه وغاياته، في تقوية أواصر المعرفة وتوظيف الإبداع (..) وتوفير أرضية في بلدنا العربي- الأفريقي للتعارف والتبادل بين النخب شمالا وجنوبا”.

ويشكل موسم أصيلة مناسبة لنقاش إشكاليات سياسية وثقافية وفرصة لرصد حلول لها. ويصفه المتابعون بموسم الأسئلة الصعبة. ومن بين الأسئلة الصعبة والمستفزة التي اختار أن يطرحها في دورته الجديدة هو: كيف الخلاص من عبء الديمقراطية الثقيل.

وضع موسم أصيلة بذلك الديمقراطية أمام مُساءلة لها ما يبررها حسب منسق الندوة عبدالله ولد أباه، فالديمقراطية الليبرالية اليوم تعيش أعتى تحد عرفته منذ ثلاثة قرون، أي منذ اندلاع الثورة الدستورية الإنكليزية وصولا إلى الثورتين الفرنسية والأميركية. وتبعا لذلك يستحق حال الديمقراطية اليوم، المتابعة والتشخيص. وقد شدد المشاركون في الندوة أن عملية التشخيص يجب أن تكون “تمرينا جماعيا يجرى بتأن”.

مُساءلة الديمقراطية

مونية بوستة: المغرب قطع أشواطا مهمة في مساعيه لترسيخ الديمقراطية
مونية بوستة: المغرب قطع أشواطا مهمة في مساعيه لترسيخ الديمقراطية 

يركز التشخيص على وضع المجتمعات التي لم تعتمد النظام الديمقراطي التعددي كنمط عملي لتدبير واقعها السياسي، وذلك بتحديد إمكانات وسبل بناء حلول بديلة تضمن التعايش السلمي والرفاهية الاجتماعية وحقوق الإنسان الأساسية، من خلال الوقوف على العديد من التجارب العالمية المغايرة لنهج الديمقراطية الليبرالية.

واعتبرت مونية بوستة، كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المغربي، أن المغرب قطع أشواطا مهمة في مساعيه لترسيخ الديمقراطية التشاركية الفاعلة، بارتكازه على احترام مبادئ الدستور والفصل بين السلط وضمان توازنها.

من جهته اعتبر فيكتور بورغيس، وزير خارجية جمهورية الرأس الأخضر، أن عنوان الندوة الافتتاحية لموسم أصيلة، «عبء الديمقراطية الثقيل أين الخلاص؟»، يعد عنواناً مستفزاً للتفكير، مزعجاً للبعض وموقظاً للبعض الآخر.

وأشار بورغيس إلى أن مساءلة أو انتقاد الديمقراطية غالباً ما يعد خطاً أحمر، لأن هناك منطقاً يرى في أي تساؤل حول الديمقراطية تشكيكاً فيها ورفضاً لها، ويعتبر كل من ينتقدها عدواً لها ونصيراً للاستبداد والدكتاتورية. وهو ما من شأنه أن يشكل أكبر تهديد على الديمقراطية، وأن يحول دون تطويرها وأن يحد من مصداقيتها. وأشار إلى أن مثل هذا العنوان كان ليعتبر أمراً غير مقبول في نهاية ثمانينات القرن الماضي.

وبيّن بورغيس إلى أن التساؤل حول الديمقراطية أصبح يطرح نفسه بحدة في الدول النامية، وخصوصاً في العديد من الدول الأفريقية، التي لم تستطع الديمقراطية أن توفي فيها بوعودها في إقامة الأمن والسلام والتنمية. ويمكن لاختلالات العملية الديمقراطية، ملاحظتها في أماكن مختلفة من العالم، غير أن أعراض ونتائج هذه الاختلالات تبدو بشكل أكثر وضوحاً في البلدان النامية، حيث تبلغ حدا مأساويا في بعض الأحيان.

ويرى بورغيس أن “الطريق لإنقاذ الديمقراطية يتطلب تشخيصاً صارماً لمختلف أسباب الاختلالات في أفريقيا وغيرها، وهذا يجب أن يشكل موضوع عمل جماعي رصين، لأن الحلول الجيدة نادرا ما تأتي من الارتجال ومن المحاولة الأولى، أو من التقليد الساذج لتجارب الغير”.

في هذا الصدد، اعتبر وزير الشؤون الخارجية السابق لتنزانيا، برنار مومبي، أن عدة دول أفريقية عانت من معضلتين أساسيتين خلال محاولاتها إرساء نظام ديمقراطي، تتمثل أولاهما في نظام الحزب الواحد، فيما تتمثل الثانية في نظام الحكم العسكري، موضحا أن هذين النظامين خلقا جيلا من المواطنين الأفارقة غير مهتم بالمشاركة السياسية وبالحياة السياسية بصفة عامة. وأضاف مومبي أن الديمقراطية في مجموعة من دول القارة “لم تأت طبيعيا، بل تم غالبا، فرضها من قوى خارجية من خلال تقييدها بمساعدات اقتصادية”.

تحولات النظام الدولي

محمد بن عيسى: أصيلة صارت تؤسس لفعل ثقافي نوعي، يساهم من خلال أهدافه وغاياته، في تقوية أواصر المعرفة وتوظيف الإبداع
محمد بن عيسى: أصيلة صارت تؤسس لفعل ثقافي نوعي، يساهم من خلال أهدافه وغاياته، في تقوية أواصر المعرفة وتوظيف الإبداع

أجمع الخبراء على أن الديمقراطية في تراجع نتيجة التحولات النوعية التي يشهدها النظام الدولي، بسبب صعود التيار الشعبوي والتفاف جمهور الناخبين عليه في الغرب، ما جعل النظام الليبرالي وقيمه مهددين نتيجة وصول شخصيات لا تؤمن بالديمقراطية والانفتاح على الآخر إلى سدة الحكم. تتلاشى الديمقراطية أيضا مع تراجع قدرة السلطات التنفيذية والأحزاب في البلدان الديمقراطية على صناعة القرار، نتيجة تأثيرات حركية العولمة الاقتصادية بسياقاتها السياسية والاستراتيجية وأنماط الشراكة التي ولدّتها، بما يفسر عجز الحكومات على الإيفاء بتعهداتها الانتخابية، إضافة إلى ما تعانيه الدول الديمقراطية من تحول وتذبذب في المشهد السياسي.

ويكشف تشخيص واقع الديمقراطية أن تنامي الحركات الاحتجاجية بيّن قصور النخب السياسية في تلبية تطلعات الشعوب، الأمر الذي قادها إلى الاحتماء بالشارع، غير أنّ الالتجاء إلى الشارع بدوره يكبل طريق الديمقراطية، حيت تستطيع السلطة بسهولة التضييق على المتظاهرين، وقد تلتجئ إلى العنف.

وخلص الخبراء في الندوة الافتتاحية الأولى لموسم أصيلة الثقافي إلى ضرورة إعادة التفكير في النموذج الديمقراطي التقليدي لتكييفه مع احتياجات وواقع كل بلد.

ويناقش موسم أصيلة الثقافي مواضيع أخرى مثل “التنمية المستدامة والإكراهات في بلدان نصف الكرة الجنوبي”، و”التماسك الاجتماعي والتنوع في أنظمة التعليم العربية”، و”الشعر العربي في سياق مشهد ثقافي متحول”، و”الإبداع الأفريقي في أفريقيا وفي المهجر”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: