الجزائريون يحذّرون من “فتنة” الجهوية

تدخل الحركة الاحتجاجية في الجزائر شهرها الرابع دون أن تحقق أهدافها الأساسية المتمثلة في رحيل النظام وإعادة السلطة للشعب، بينما تحولت المؤسسة العسكرية إلى حاكم فعلي للبلاد خلف مؤسسات انتقالية مدنية.

ففي حين يطالب الحراك الشعبي بمرحلة انتقالية، يصر الجيش من جهته على معالجة المأزق السياسي في إطار الإجراءات الدستورية ومحذرا من شبح “تدمير المؤسسات” ومن النزعات الانفصالية.

وتعالت الأصوات المحذّرة في الجزائر ممّا وصفوه بـ”تلغيم الشّارع” بفتنة الجهوية، معبّرين على أن الشّعب متلاحم بجميع مكوّناته.

وحمل الجزائريون في الجمعة الـ18 من عمر الحراك الشعبي، شعارات الوحدة، معتبرين خطاب رئيس أركان الجيش، احمد القايد صالح الأخيرة “مستفزّة” للأمازيغ الذين يصرّون على حمل علم “الهوية” الأمازيغية منذ الـ22 فبراير، فقد كان رئيس أركان الجيش قد استنكر في خطابه الأربعاء من رفع رايات غير العلم الوطني.

وتجمع 500 شخص قبيل الظهر في العاصمة الجزائرية رغم عمليات توقيف نفذها شرطيون على مشارف ساحة البريد المركزي نقطة تجمع المحتجين أسبوعيا، بحسب مصادر صحفية.

وخرج عشرات الآلاف من الجزائريين الجمعة في مظاهرات جديدة للمطالبة برحيل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح والوزير الأوّل نور الدين بدوي ورئيس البرلمان معاذ بوشارب، هذه الأسماء التي احتجّ الجزائريون على بقائها في الحكم رغم تأكيده على رفضه لهم.

وإلى جانب العلم الوطني الجزائري، شوهدت بعض الرايات الأمازيغية لكنها بدت أقل بكثير من العادة، وذلك رغم تحذيرات أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش.

وتحدث الفريق صالح الذي أصبح الرجل القوي في البلاد منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2 أبريل، للمرة الثالثة في ثلاثة أيام، ليستنكر ما قال إنها “قضية حساسة تتمثل في محاولة اختراق المسيرات” عبر “رفع رايات أخرى غير الراية الوطنية من قبل أقلية قليلة جدا”.

ورغم عدم إشارته إلى الراية الأمازيغية فإن الكثيرين اعتبروا أنها المعنية بتحذير قائد الجيش.

وأفرز الحراك الشعبي الجزائري، منذ انطلاقته في فبراير الماضي، قضايا مختلفة ومتنوعة ومع مضي الوقت، قفزت مسائل اللغة والهوية إلى واجهة الخطاب السياسي والإعلامي ومنصات شبكات التواصل الاجتماعي بشكل لافت في أثناء الحراك الشعبي.

ورفع محتجون الجمعة في العاصمة شعارات منها “لا للجهويات، كلنا خاوة (اخوة)” او “قايد صالح ارحل” في ما يشبه الرد على تصريحات قائد الجيش.

وحاولت الشرطة تفريق المحتجين الذين كان عددهم نحو مئة في البداية، لكنهم عادوا لاحقا بأعداد كبيرة وتجمعوا كالمعتاد.

وتم توقيف عدد من المحتجين الذين رفعوا رايات أمازيغية، بحسب مراسلة فرانس برس.

وبعد تراجع شرطيين عن توقيف أحدهم بسبب تجمهر آخرين حوله، عادوا واستخدموا الغاز المسيل للدموع ليتمكنوا من توقيف كل من يرفع راية أمازيغية، بحسب المصدر ذاته.

وبدا ان مشكلة المحتجين في الجمعة 18 تمثلت في رفع الراية الأمازيغية او الاكتفاء بالعلم الوطني الجزائري.

الهوية واللغة في صدارة إفرازات الحراك الشعبي
الهوية واللغة في صدارة إفرازات الحراك الشعبي

اعتبر فتحي وهو سائق سيارة أجرة خمسيني ان “مسألة العلم هذه غايتها تقسيم الشعب. أنا شخصيا اتظاهر حاملا العلم الجزائري فقط”.

في المقابل قال سعيد بن طاهر (65 عاما) أنه سيتظاهر “لأول مرة مع راية أمازيغية وهي جزء من الهوية الجزائرية” اضافة إلى العلم الوطني.

كما حذر الفريق أحمد قايد صالح الثلاثاء من الخروج عن إطار الدستور كما يطالب جزء من المعارضة والحركة الاحتجاجية.

وكانت عشرات الجمعيات والنقابات والمنظمات من المجتمع المدني دعت السبت إلى “مرحلة انتقالية” تتراوح مدتها بين ستة أشهر وسنة تقودها “شخصية وطنية أو هيئة رئاسية توافقية” لانتخاب خلف للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي استقال في 2 أبريل.

واعتبر قايد صالح أن من يقول “أن سلطة الشعب هي فوق الدستور وفوق الجميع” يريد “عن قصد تجاوز، بل تجميد العمل بأحكام الدستور” متسائلا “هل يدرك هؤلاء أن ذلك يعني إلغاء كافة مؤسسات الدولة والدخول في نـفـق مظلم اسمه الفراغ الدستوري، ويعني بالتالي تهديم أسس الدولة؟”.

واعتبر أن البديل المقترح هو “بناء دولة بمقاييس أخرى وبأفكار أخرى وبمشاريع إيديولوجية أخرى، تخصص لها نقاشات لا أول لها ولا آخر(…) فالجزائر ليست لعبة حظ بين أيدي من هب ودب وليست لقمة سائغة لهواة المغامرات”.

كما دعا قايد صالح، الذي شارك في حرب تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي (1954ـ1962)، الشعب الجزائري إلى “التمييز” بين “مـن يمتلئ قلبه صدقا، ومن يحمل في صدره ضغـينة لهذا البلد، وسيدرك بالتأكيد أن من يفيض صدره حقدا على الجيش الوطني الشعبي وعلى قيادته الوطنية، هو لا محالة في خانة أعداء الجزائر”.

وأوقفت الشرطة صباح الجمعة اربعين رجلا معظمهم من الشبان على مشارف ساحة البريد الكبرى بوسط العاصمة الجزائرية مركز الاحتجاجات الأسبوعية ضد النظام ، بحسب ما أفادت مراسلة وكالة فرانس برس.

وأوقف هؤلاء من قبل شرطيين بزي مدني او ببزات نظامية كانوا منتشرين في محيط الساحة. ولم يكن معظم الموقوفين يحملون يافطات او إعلاما.

وأخذ الشرطيون بطاقات هويات الموقوفين وهواتفهم النقالة قبل نقلهم في عربات الأمن.

وتحدث شهود عن عمليات توقيف في الشوارع المحاذية منذ الساعة السادسة صباحا، وقالوا إن عربتين للأمن غادرتا المكان باتجاه مخافر الشرطة وحل محل العربتين غيرهما.

وسبق أن أوقفت الشرطة في أيام جمعة سابقة، العديد من الأشخاص قبل إطلاق سراحهم آخر النهار.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: