اعتقال المتظاهرين يعرّض الجيش الجزائري لمزيد من الانتقادات
استطاعت الجمعة الثامنة عشرة من الحراك الجزائري، أن تجنب البلاد الانزلاق في نزعة الجهوية والعنصرية التي استعرت بقوة في الأسابيع الأخيرة، بسبب تصاعد الخلافات حول مسائل محلية تتصل بالخصوصيات الثقافية واللغوية، لاسيما بعد إيعاز قيادة الجيش لمصالح الأمن للتشدد في التعاطي مع المحتجين المحسوبين على القطب الأمازيغي.
ونددت قوى سياسية وحقوقية في الجزائر، بتوقيف عدد من الناشطين من طرف مصالح الأمن، على خلفية مشاركتهم في مسيرة الجمعة، وطالبت بإطلاق سراحهم الفوري، لغياب أدلة الإدانة المنتظر أن توجه لهم خلال المحاكمة.
ونظم سكان بلدة الناصرية بمحافظة بومرداس (50 كلم شرقي العاصمة)، مسيرة شعبية ليل الجمعة إلى السبت احتجاجا على توقيف الشاب بلال باشا، من طرف قوات الأمن في العاصمة، لمّا كان بمعية رفاقه بصدد الانضمام إلى جموع المتظاهرين في الجمعة الثامنة عشرة من عمر الحراك الشعبي.
وطالب حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، بإطلاق سراح جميع الموقوفين، وكف السلطة عن الممارسات القمعية رغم مزاعم إسقاط نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، كما حذرت من مغبة الاستمرار في سياسة استفزاز سكان جهة معينة من البلاد.
وأفاد المحامي والحقوقي صالح دبوز، بأن ثمانية شبان على الأقل تم توقيفهم من طرف مصالح الأمن بالعاصمة، ومن المنتظر إحالتهم على القضاء الأحد، بتهم التجمهر غير القانوني، والمشاركة في مظاهرة غير مرخص بها، وهي التهم التي يعاقب عليها بين شهرين وسنتين من السجن النافذ، فضلا عن غرامة مالية تقدر بنحو 500 دولار أميركي.
ويرى مراقبون سياسيون، بأن الحراك الجزائري تجاوز منعرجا خطيرا في الجمعة الأخير، بعدما احتوى النزعة الجهوية والعنصرية التي أثيرت بقوة في الأسابيع الأخيرة من طرف دوائر مختلفة، وتجسدت بأوامر قيادة الجيش لمصالح الأمن بقمع حاملي رايات الهوية الأمازيغية، وغلق مداخل العاصمة وتخومها أمام توافد المتظاهرين القادمين من مدن وبلدات منطقة القبائل.
وتحوّل سيناريو الاصطدام بين أنصار الثقافة الأمازيغية وقوات الأمن، وربما الانزلاق للعنف والفوضى إلى هجوم شرس على شخص قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، وإلى تعبير عن الوحدة والتماسك بين جميع مكونات المجتمع الجزائري (العرب، الأمازيغ، الشاوية، الطوارق والميزابيين)، وخرجت أعداد لافتة من المحتجين في العاصمة ومختلف مدن ومحافظات الجمهورية، للتنديد بما وصف بـ”مخطط إجهاض الحراك الشعبي، وإغراقه في المسائل الهامشية، بدل التركيز على المطالب الأساسية الداعية لرحيل النظام وتحقيق التغيير السياسي الشامل”.
وتعرض خطاب قائد أركان الجيش إلى انتقادات شديدة من طرف الشارع الجزائري ومن مختلف القوى السياسية المعارضة، بعدما عمل على إثارة نعرات جهوية وعرقية بين أفراد الشعب، بدعوى احترام سيادة الراية الوطنية الرسمية، .
وذكرت تدوينة لرئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، بأن “الجنرال قايد صالح، الذي يتمسك بشدة ببنود الدستور عندما يتعلق الأمر بالانتقال السياسي في البلاد، تجاهل البنود الدستورية التي تعتبر الأمازيغية مكونا من مكونات الهوية الوطنية واللغة الأمازيغية لغة وطنية”.
وتصاعدت حدة الهجوم على قيادة الجيش من طرف المحتجين في الجمعة الثامنة عشرة بشكل لافت، حيث رفع بعض المتظاهرين شعارات ورددوا هتافات قوية لأول مرة ضد الجنرال قايد صالح.
ولا تزال مآلات المشهد الجزائري مبهمة ببقاء الوضع السياسي في مربع الصفر، فبعد إسقاط انتخابات بوتفليقة في الثامن عشر من أبريل الماضي، وإلغاء موعد الرابع من يوليو بسبب إصرار الحراك على عدم الذهاب لأي انتخابات تنظمها السلطة الموروثة عن نظام بوتفليقة، يتطلع الجزائريون للوضع الجديد بداية من التاسع يوليو القادم، عندما تنتهي المهلة القانونية للرئيس المؤقت الحالي عبدالقادر بن صالح.
ولم تتمكن سلطة الأمر الواقع التي اضطلعت بها المؤسسة العسكرية منذ تنحي بوتفليقة، من وضع آليات للحوار السياسي الذي دعا إليه الجنرال قايد صالح، ولا الهيئة المستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، ولا تزال المؤسسة متمسكة بخيار الحلول الدستورية.
ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن البلاد مقبلة على سيناريوهين اثنين بعد التاسع من يوليو، يتمثل الأول في إعلان العسكر للحالة الاستثنائية في البلاد، والاضطلاع الصريح بقيادة البلاد سياسيا، بسبب الفراغ المؤسساتي، أما الثاني فيتمثل في التمديد للرئيس المؤقت الحالي بن صالح، إلى غاية تنظيم انتخابات جديدة، وفق القراءة الدستورية المعلن عنها في وقت سابق من طرف المجلس الدستوري.