صناعة السيارات تدخل عهدا جديدا في المغرب

أعطت مجموعة بيجو ستروين الفرنسية زخما جديدا لصناعة السيارات المغربية بافتتاح مصنعها العملاق في مدينة القنيطرة، الذي يرجح الخبراء أن يفتح آفاق استقطاب المزيد من الشركات العالمية للاستثمار في القطاع، الذي ينفرد بصدارة صادرات المغرب.

أجمعت الأوساط الاقتصادية على أن تدشين العاهل المغربي الملك محمد السادس لمصنع مجموعة بيجو ستورين الفرنسية، يمثل دخول صناعة السيارات المغربية في عهد جديد من التوسع محليا وإقليميا وعالميا.

واستطاعت الرباط بهذا الإنجاز تكريس اللامركزية في هذه الصناعة من خلال الخروج من منطقتي طنجة والدار البيضاء الاقتصاديتين إلى الاستثمار بمدينة القنيطرة على الساحل الأطلسي.

واللافت أن المصنع الجديد سينتج سيارات كهربائية لتكون بيجو ستروين، ثاني شركة توطن هذه الصناعة في المغرب بعد مجموعة بي.وأي.دي الصينية، التي أعلنت في ديسمبر 2017 قيامها ببناء مصنع في طنجة لإنتاج مركبات صديقة للبيئة هو الأول في أفريقيا.

وتتويجا لهذا المشروع الضخم، أزاحت المجموعة الستار عن نموذج لسيارة بيجو 208 الجديدة، والتي تم إنتاجها بمصنع القنيطرة.

وقال وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي حفيظ العلمي في تصريحات صحافية بالمناسبة إن “المصنع، الذي استثمرت فيه بيجو نحو 314 مليون دولار وتعتزم مضاعفة المبلغ في مشاريعها المستقبلية سينتج سيارات ذات محرك احتراق داخلي وأخرى كهربائية”.

حفيظ العلمي: تم تشييد كافة البنيات التحتية في الآجال المحددة
حفيظ العلمي: تم تشييد كافة البنيات التحتية في الآجال المحددة

وأوضح أنه بفضل رؤية الملك محمد السادس والإرادة الحكومية تم إنجاز كافة البنيات التحتية ومصنع بي.أس.أي ومصانع المناولين ضمن الشروط المتفق عليها وفي الآجال المحددة.

ووفق البيانات الرسمية، تبلغ مساحة المشروع حوالي 400 هكتار قبل أن تضاف 500 هكتار أخرى في مرحلة ثانية، بما يوفر 4 آلاف فرصة عمل مباشرة وقرابة 19 آلاف فرصة عمل غير مباشرة.

ومن المتوقع أن ينتج المصنع أيضا مكونات وأجزاء السيارات بقيمة تصل إلى 1.1 مليار دولار. ويرى خبراء أن قطاع السيارات في المغرب وبضمنه شركات قطع الغيار شهد طفرة مهمة في السنوات الأخيرة جعلت الكثير من الشركات الكبرى مثل رينو وبيجو تستثمر في هذا القطاع.

وأشاروا إلى أن الشركات استفادت من البيئة الاستثمارية الملائمة بسبب الاستقرار والأمن والقدرة التنافسية لمواقع الإنتاج والخدمات اللوجيستية للتصدير، إضافة إلى توفر الأيدي العاملة المدرّبة.

وسيمكن المشروع من ضمان تحقيق نسبة إدماج محلي تصل إلى 60 بالمئة عند انطلاقه، لترتفع إلى 80 بالمئة لاحقا، كما تم تحديد ذلك في بروتوكول الاتفاق الموقع في يونيو 2015، بين المجموعة الفرنسية والحكومة المغربية.

وأكد نائب الرئيس التنفيذي للمجموعة الفرنسية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا جان كريستوف كيمار، أن الرؤية التي يتبناها الملك محمد السادس لتطوير منظومات اقتصادية فعالة أضحت واقعا بالنسبة إلى بي.أس.أي بكافة مكوناتها.

ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية لكيمار قوله إنه “انطلاقا من تلك الرؤية، فإن التكوين المهني للرجال والنساء، الذين سيصنعون مستقبل صناعة السيارات، سيفتحون آفاقا مهنية واسعة وغنيّة داخل فرع المجموعة بالمغرب”.

وأضاف “المغرب، بات أكثر من أي وقت مضى يقع في قلب استراتيجية نمو مجموعة بي.أس.أي، التي تعد اليوم من بين أكثر مصنعي السيارات نجاحا في العالم”.

وأشار إلى أن المجموعة اختارت المغرب لاحتضان مركز القرار الخاص بها، وتطوير مركز للبحث والتطوير المندمج في الشبكة العالمية آر.أند.دي التابع لبيجو ستروين ليأتي الدور اليوم على نشاط صناعي يتميز بالإصرار.

وتدخل صناعة السيارات بالمغرب في إطار تنويع الاقتصاد وتوفير فرص استثمارية وتنموية كثيرة، ضمن سياسة تنويع الاقتصاد لتحفيزه على النمو بشكل مستدام. وتراهن السلطات على هذا القطاع الواعد لتعزيز الصادرات وبالتالي تأمين عوائد إضافية لخزينة الدولة بالعملة الصعبة.

ويرى مهنيون أن هذا المصنع ستكون له آثار إيجابية على صناعة السيارات على المستوى المحلي بفضل الجهود المبذولة من قبل الدولة بكافة مؤسساتها لضمان نجاح المشروع. وتمكن المصنع في العام الماضي من إنتاج أول محرك وأول نموذج من السيارات الخاصة به، وذلك بعد عام ونصف العام على إطلاق الأشغال.

جان كريستوف كيمار: المغرب بات في قلب استراتيجية مجموعة بيجو ستروين
جان كريستوف كيمار: المغرب بات في قلب استراتيجية مجموعة بيجو ستروين

وكان الطرفان قد اتفقا على تصنيع محركات محليا وعدم الاكتفاء بتجميعها، بحيث يصل الإنتاج في نهاية العام الحالي إلى 100 ألف سيارة على أن يتضاعف الإنتاج بداية من العام المقبل.

وسيكون رفع القدرة الإضافية للمصنع عاملا حاسما في تسريع تنمية المنظومة الصناعية لمجموعة الفرنسية بالبلاد خاصة مع تقلص أعمال بيجو ستروين في منطقة الشرق الأوسط.

وسجلت المجموعة العام الماضي رقما قياسيا من حيث مبيعاتها من مكونات السيارات، إذ تشير البيانات إلى أنه تضاعف مقارنة في العام 2015 ليصل إلى نحو 700 مليون يورو. ويتوقع أن يمنح هذا المصنع نشاطا تجاريا للمزودين الذين يعملون في قطاع السيارات، ما سيرفع من أرقام معاملاتهم وأرباحهم.

وذكرت بيجو ستروين أن هذا الرقم يعكس استراتيجيتها التوسّعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد أن بلغ عدد الموردين على مستوى المغرب حوالي 63 شركة.

ولدى المسؤولين المغاربة طموحات برفع القدرات الإنتاجية السنوية لصناعة السيارات في البلاد إلى مليون سيارة بحلول العام 2022. وأطلق المغرب استراتيجية صناعية للفترة ما بين 2014 و2022 تراهن على صناعة السيارات والطيران، وتعمل الحكومة بخطى حثيثة لتجاوز أهداف هذا المخطط.

وتظهر بيانات رسمية أن صادرات القطاع حققت رقم معاملات بلغ نحو 6 مليار دولار سنويا منذ بداية تنفيذ الاستراتيجية، وتتوقع الحكومة أن يحقق 10 مليار دولار بحلول العام المقبل. وستستفيد منطقة القنيطرة من نسبة إدماج تفوق 60 بالمئة في أعقاب استقرار 27 مصنعا جديدا من 10 جنسيات مختلفة هناك.

وعملت الحكُومة على إحداث ثلاثَة مشاريع متعلقة بإحداث معاهد للتكوين في مهن صناعة السيارات في كل من القنيطرة وطنجة والدار البيضاء، لتوفير الأطر المتخصصة والموارد البشرية المؤهلة للعمل في المجال.

وقد ضخّت الدولة حوالي 38 مليون دولار لتنفيذ ذلك المخطط، بحيث ستساهم تلك المعاهد في تكوين ثلاثة آلاف شخص سنويا، حتى تستجيب لطلب مصانع السيارات في الحصول على عمالة مدرّبة تواكب التطور الذي يعرفه القطاع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: