كراهية مضادة وليست شماتة
كان ممكنا أن يقف المرء محايدا تجاه موت خصم سياسي، لولا أن الخصم ذاته خضّب الطريق إلى هذه اللحظة بالكراهية والدماء، ولولا أنه اخترع هوان الدم واستحلال أعراض الموتى، واخترع من المفردات ما يعف عنه اللسان، خلافا لما اعتدنا برد الخصومة في لحظات الموت إلى حاكم السماء. هم اعتادوا أن يقولوا “نفق فلان الفلاني”، وامتلأت صدورهم بالشماتة صوب كل من خالفهم، وحفروا قنوات تسري فيها الكراهية، لم ينج منها حتى الأموات.
من هيأ الجماهير نفسيا لتقبل الجنوح نحو المذابح، هي جماعة الإخوان المسلمين وإعلامها وأنصارها، فهم أول من دأبوا بعد الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012، على ترديد دعاية من نوع “إيه يعني اللي هيحصل لو مات مليون شخص ودهستهم الدبابات، خلّي الثمانين مليون التانيين يعيشوا”، وهذا كلام قاله لي أحد منتسبي الجماعة وكان رئيس تحرير جريدة، قاله لي قبيل إحدى مواجهات الجماعة مع خصومها، فكانوا أول من أتى بالعصا وأول من ضُرب بها.
لكي نفهم حالة الضيق التي تعتري صدور الناس بعيدا عن دعايات النظام، وصحفه التي من فرط ارتباكها وضعت خبر موت محمد مرسي بشكل مسرحي في صفحة الحوادث، دون أي إشارة في صفحتها الأولى، ربما تكون هذه واحدة من اللحظات النادرة التي يعبّر فيها المصريون عن مشاعرهم دون استقطاب أو دفع من جهة النظام الحاكم.
طوال الوقت كنت ضد عقد لجنة محاكمة للأموات، ففي آخر الأمر يمكن تأجيل وصم الراحل، أو رفعه إلى مصاف الصديقين، إلى وقت آخر، من باب إفشاء التراحم بين الناس، واحترام حزن الآخرين، لكن للأسف لم أنجح هذه المرة، ففي الصباح قلت لنفسي جنازة مثل أي جنازة لغريب لا يخصني، لكن الهراء الذي اجتهدت بعض جماعات المعارضين وأنصار محمد مرسي في نشره والمزايدة به على خلق الله، دفعني إلى التفكير وترك مقعد الحياد المريح.
بالتأكيد ليس هناك عاقل يمكن أن يجادل في سوء الأوضاع في السجون، وهو وضع لا يتحكم فيه الأشخاص العاديون، هو حكر على الدولة، ولا مساحة هنا للمزايدة ووصم كل شخص عبّر عن مشاعره تجاه شخص ما، ناهيك عن أن هذا الشخص قد شارك بكل دأب في تفخيخ الثورة منذ لحظاتها الأولى.
موقف هؤلاء يشبه موقفهم من أحكام الإعدامات التي صدرت ضد أفراد الجماعة، لا يثورون ولا يتذكرون مواقفهم ومبادئهم إلا في قضية مشبوهة، لا يغتسلون ولا يتطهرون إلا في الماء المسيّس، ففي السجون نفسها يعاني مساجين آخرون، متهمون في قضايا جنائية، ولا أحد يعلم عنهم شيئا.
جنح البعض في هجومه ضد من سبوا مرسي، وحتى من صمتوا تجاه ظروف موته، للتذكير بالرجل باعتبار سنة حكمه مجرد فقرة كوميدية في تاريخ الحكام، ولم يؤذ أحدا، كان أخرقا وتم استخدامه من قبل الجماعة، تناسوا السؤال الأهم: من أجبر مرسي على وضع مصالح الجماعة فوق الجميع؟ ماذا كان ينوي؟ ماذا أعلن في مؤتمر إستاد القاهرة في يونيو 2013؟
من حق من يحبه أن يحزن، وليس من حقه المزايدة على خلق الله، من حقنا تقييم حكمه، وأن نتذكر من باع ثورة 25 يناير 2011، بما يستحق، وأن نرثي حالنا خصوصا وأننا لا نزال نحصد ما زرعه مرسي وجماعته من استقطاب وكراهية، فهو الذي صرخ في وجوهنا، في بداية حكمه “أهلي وعشيرتي”، وكان أولى بجموع الثورة آنذاك أن تبدأ معركة التطهير ضد الفاسدين، لولا من عرقلونا، في النزاع حول الشريعة والشرعية، الدستور أولا أم البرلمان.
لذا فإن تفسير التجاهل الذي سيطر على جموع المصريين تجاه موت مرسي الدرامي، وظروف سجنه التي لا تقارن بحسني مبارك، مجرد شماتة في خصم سياسي، إما سذاجة وإما تعمية يراد بها غسل ثوب الجماعة، كلانا يا أعزائي في نار الفتنة، قاتلا ومقتولا.