الشارع الأمازيغي يتهيأ لرد قوي على قيادة الجيش الجزائري
يتهيأ الشارع الأمازيغي في الجزائر للرد المناسب على رسائل الرجل الأول في المؤسسة العسكرية أحمد قايد صالح في المسيرة الشعبية الثامنة عشرة من الحراك المنتظرة الجمعة في العاصمة ومختلف مدن ومحافظات البلاد، بعد الاستفزاز الذي تعرض له أنصار الهوية الأمازيغية، على خلفية الحضور اللافت للراية البربرية في الاحتجاجات.
وإذ لم يوضح الجنرال قايد صالح، في كلمته الملقاة الأربعاء في مقر الناحية العسكرية الثالثة، المقصود بالراية، إن كانت تلك المحمولة من طرف أنصار حركة استقلال القبائل (ماك) أم الراية التي تشتهر بها منطقة القبائل بوسط البلاد وبعض ضواحي العاصمة، فإن رسائله تركت غضبا كبيرا في الشارع الأمازيغي.
ووصف ناشطون سياسيون وفاعلون في الحراك الشعبي كلمة قائد أركان الجيش بـ”الانحراف غير المسبوق في خطاب المؤسسة العسكرية”، واعتبروها مؤشرا خطيرا على استفزاز المنطقة لجرها إلى مواجهات مع السلطة لفرض أجندة معينة، حيث لم يسبق لقيادة الجيش أن انجرت إلى الخوض في هكذا مسائل حساسة وخطيرة.
وشدد الجنرال قايد صالح على أن “للجزائر راية واحدة استشهد لأجلها مليون ونصف مليون شهيد وأن حضور قلة قليلة برايات أخرى هو تهديد للوحدة الوطنية ومحاولة لاختراق الحراك الشعبي”، ولم يوضح إن كان يقصد بذلك راية الحركة البربرية الانفصالية أم الراية الأمازيغية.
وفيما تصاعدت حدة التحذيرات من إثارة قضايا الهوية والتنوع الثقافي في الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، دعا ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي إلى التعبئة الشاملة من أجل رد قوي على ما وصفوه بـ”مزاعم وأغراض قائد أركان الجيش في إثارة صراع هوياتي خطير في المجتمع”.
حدة التحذيرات من إثارة قضايا الهوية والتنوع الثقافي في الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد تشهد تصاعدا
ولا يوجد نص قانوني أو تشريعي في النصوص الجزائرية يعاقب أو يجرم حمل راية ما غير الراية الوطنية إلا أن قائد الجيش لوح بالإيعاز للمؤسسة الأمنية بالتصرف تجاه حاملي راية أخرى، وهو ما يجعل المسيرة الثامنة عشرة من عمر الحراك الشعبي على المحك في ظل إصرار أنصار الهوية الأمازيغية على حمل رايتهم مهما كان الثمن.
وتختلف الروايات الثقافية والسياسية حول ميلاد راية الأمازيغ بين من يرجعها إلى أزمنة قديمة بقدم الإنسان البربري في المنطقة وبين من يعيد ظهورها إلى العام 1971 في إطار نضالات الحركات السياسية والثقافية ويربطها بإطلاق الأكاديمية البربرية العالمية. ويذكر أن نفس الراية ترفع لدى الأمازيغ في دول شمال أفريقيا، المغرب وتونس وليبيا، وحتى في دول الجنوب الصحراوي كمالي والنيجر.
وجاءت رسائل قايد صالح للشارع الأمازيغي في ذروة تصاعد وتيرة الاحتجاجات السياسية المطالبة برحيل السلطة في الجزائر وبالتغيير الشامل للنظام، مما يرشح الوضع إلى المزيد من الاحتقان خاصة في ظل ظهور بوادر تطرف هوياتي بين المكونات البربرية والعربية. كما أن الشعور بانحياز الجيش لصالح جهة معينة يمثل إيذانا بانزلاق مجهول العواقب.
وتعتبر العاصمة ومنطقة القبائل، فضلا عن ربوع الشاوية (شرق البلاد)، الحيز الجغرافي الذي تظهر فيه الراية الأمازيغية بشكل قوي، تجسيدا للهوية الثقافية والحضارية للسكان. وفي الجزائر، تأتي بعد الراية الأمازيغية الراية الفلسطينية كتعبير مبدئي من المتظاهرين للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وبشكل أقل ترفع راية أولاد نايل العربية.
وأفرز الحراك الشعبي الجزائري، منذ انطلاقته في فبراير الماضي، قضايا مختلفة ومتنوعة لكنه ظل دون أيديولوجيا سياسية ومحافظا على مطالبه السياسية المعروفة. ومع مضي الوقت، قفزت مسائل اللغة والهوية إلى واجهة الخطاب السياسي والإعلامي ومنصات شبكات التواصل الاجتماعي بشكل لافت في أثناء الحراك الشعبي.
وبرزت المسألة بشكل أدق مع موجة تخوين للأمازيغ واتهام بالعمالة لفرنسا من طرف جهات توصف بـ”الجيش الإلكتروني الموالي للقيادة العسكرية”، ولم يتم تبنيه أو إعلان براءة الذمة منه لحد الآن من قبل قيادة الجيش رغم خطورة خطابه على وحدة وتماسك المجتمع ودعوته الصريحة للتمييز بين الجزائريين.
وفي المقابل، أثار نص أدبي يمجد اللغة العربية والانتماء العروبي للجزائر جدلا واسعا لدى البعض من الأوساط الأمازيغية رغم أن كاتبه هو المصلح الاجتماعي فضيل الورتلاني (أمازيغي)، وتم تحريره أثناء الحقبة الاستعمارية الفرنسية.
وبدأت مصالح الأمن منذ مساء الخميس بتنفيذ إجراءاتها الاستثنائية للتضييق على مداخل وتخوم العاصمة من أجل منع دخول الوافدين إلى العاصمة صباح الجمعة للمشاركة في الاحتجاجات الأسبوعية، في حين يتوجس متابعون من أخطار التدابير المنتظر تفعيلها تجاه الراية الأمازيغية وإمكانية تحولها إلى مشادات أو مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن.
ودخلت الحركة الاحتجاجية في الجزائر شهرها الرابع دون أن تحقق أهدافها الأساسية المتمثلة في رحيل النظام وإعادة السلطة للشعب، بينما تحولت المؤسسة العسكرية إلى حاكم فعلي للبلاد خلف مؤسسات انتقالية مدنية. ويستمر الاستقطاب بين الطرفين بشأن المخرج الناجع والحقيقي للأزمة، ففي حين يطالب الحراك الشعبي بمرحلة انتقالية يصر الجيش من جهته على معالجة المأزق السياسي في إطار الإجراءات الدستورية.