قايد صالح يغامر باستفزاز أنصار الهوية الأمازيغية في الجزائر

قائد الجيش الجزائري يتصرف كحاكم فعلي وليس مرافقا مؤقتا للانتقال السياسي.

فتح قائد أركان الجيش الجزائري خصومة سياسية حساسة مع جزء من سكان البلاد، حين انتقد بشكل مبطن الراية الأمازيغية الحاضرة بقوة في الشارع منذ انطلاق الحراك الشعبي، واعتبر أصحابها أقلية تنطوي على نوايا مغرضة، ستتم مواجهتها بإجراءات أمنية، وهو ما يعيد إلى الأذهان محطات كثيرة من مسلسل الصراع بين السلطة وأنصار الهوية الأمازيغية.

عاد الجنرال أحمد قايد صالح، إلى الخوض في الشأن السياسي للبلاد، رغم أن وظيفته لا تتعدى حدود المهام الميدانية وشغل نيابة وزير الدفاع الوطني غير الموجود أصلا، منذ تنحي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة في مطلع أبريل الماضي، مما يؤكد تدريجيا تحوله إلى حاكم فعلي للبلاد بواجهة مدنية مؤقتة.

وتحدث صالح في مقر الناحية العسكرية الثالثة ببشار، حيث ظهر، أمس، في ثوب “الزعيم” أو “الحاكم الفعلي” حين جزم في كلمته بأن الجزائر لن تعرف أزمة اقتصادية إذا تخلصت من عصابات الفساد وتبديد المال العام، في إشارة إلى رموز النظام السابق الذين يقبع بعضهم في سجني البليدة والحراش منذ نحو شهرين.

ولفت إلى أنه “لا خوف على مستقبل البلاد، وأنها ستشهد وتيرة تنموية متسارعة في المستقبل، بعد التخلص من الفساد”، وهو شأن يبقى بعيدا عن تخصص وصلاحيات الرجل الذي بات يتحدث في مختلف المسائل، ولو أن رسالته كانت واضحة لطمأنة المتخوفين من المستقبل بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وتراجع مدخرات الخزينة وانكماش الاستثمارات الحكومية والخاصة في السداسي الأول من العام الجاري.

خطاب قايد صالح المبطن بشأن الحضور البربري في الحراك الشعبي، يعيد سيناريو القبضة الحديدية والمواجهات بين السلطة وأنصار الهوية الأمازيغية منذ ثمانينات القرن الماضي

وإذ فتح الرجل الأول في المؤسسة العسكرية عدة خصومات مع أجنحة النظام السابق المتنافرة، في توقيت شبه متزامن، بعد إحالة كل من الجنرالين محمد مدين (توفيق)، وعثمان طرطاق (بشير)، وسعيد بوتفليقة، وجنرالات آخرين، ورئيسة حزب العمال لويزة حنون، فضلا عن رؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين كبار على سجني البليدة والحراش، فإن كلمة الأمس فتحت جبهة جديدة أكثر خطورة وحساسية نظرا لارتباطها بالتماسك الاجتماعي والثقافي والوحدة الوطنية.

وانتقد قائد الجيش الحضور القوي للراية الأمازيغية في المسيرات الشعبية والحركات الاحتجاجية منذ انطلاق الحراك الشعبي في شهر فبراير الماضي، واعتبرها مؤشرا خطيرا على الشخصية والهوية والوحدة الوطنية، واتهم أصحابها بخدمة أغراض مشبوهة، وهو الأمر الذي سيزيد من حدة الاحتقان بين الشارع وقيادة الأركان، لاسيما في المناطق والمدن ذات الهوية الأمازيغية.

Thumbnail

ولوّح قايد صالح، بالإيعاز لمصالح الأمن، بمعالجة المسألة ومنع اختراق الحراك الشعبي من طرف العناصر التي يقصدها، وهو تحول خطير في موقف المؤسسة العسكرية في التعاطي الجزئي مع فعاليات الحراك الشعبي، ويؤكد أبعاد القبضة الأمنية المضروبة على العاصمة من جمعة إلى أخرى، لمنع تدفق المحتجين عليها للمشاركة في المسيرات الأسبوعية، لاسيما المداخل والضواحي التي تصلها بالمحافظات المجاورة كبومرداس والبويرة وتيزي وزو.

وعكست رسائل قايد صالح، مفعول الحملة التي كان يشنها الجيش الإلكتروني الموالي للمؤسسة العسكرية، ضد المكون الأمازيغي بشريا وثقافيا وحضاريا، واتهامه بالعمالة والولاء لفرنسا، وبالهجوم على الراية المرفوعة بقوة في مختلف المسيرات والاحتجاجات، رغم أن الكثير من الناشطين والنخب السياسية والأكاديمية يعتبرونها راية تاريخية وثقافية، ورفعها ليس من أجل أهداف سياسية أو النيل من الراية الوطنية التي تتبناها البلاد منذ انطلاق ثورة التحرير ضد الفرنسيين (1954- 1962).

وأعاد خطاب الجنرال قايد صالح المبطن بشأن الحضور البربري في الحراك الشعبي، سيناريو القبضة الحديدية والمواجهات بين السلطة وأنصار الهوية الأمازيغية منذ ثمانينات القرن الماضي إلى غاية مطلع الألفية، قبل أن يشهد الوضع نوعا من التهدئة بعد إجراءات تشريعية وضعتها السلطة لتلبية مطالب الهوية المحلية، على غرار تدريسها في المدارس وترسميها كلغة وطنية وإنشاء أكاديمية متخصصة وتخصيص الثاني عشر من يناير كعيد وطني رسمي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: