زيادة نسبة المسنين المغاربة تثير مخاوف تخلي أسرهم عنهم

مختصون يؤكدون انحدار مستويات قبول المسن داخل الأسرة، مما يستوجب بلورة حلول ناجعة لضمان حقوقهم وكرامتهم.

يتجه المغرب نحو قاعدة الشيخوخة بدل القاعدة الشبابية حيث ترتفع نسبة الشيخوخة بإيقاع سريع جدا، وهو ما أكدته بسيمة الحقاوي وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، مؤكدة أن مجهودات الجهات الرسمية غير قادرة على احتضان وتلبية الاحتياجات المادية والمعنوية لهذه الفئة من المجتمع دون مجهودات الأسرة التي تظل الحاضن الأول والطبيعي لكبارها مهما كانت أوضاعهم المادية والصحية.

 ارتفعت نسبة المسنين في المغرب بـ35 في المئة حسب إحصائيات 2014، ما يثبت أن الشيخوخة باتت من بين التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع المغربي في العقود الأخيرة، واعتبرت وزيرة المرأة والأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية بسيمة الحقاوي أن ما تقوم به الوزارة لصالح المسنين غير كاف لكنه يكتسي أهمية بالغة خاصة مع إحداث المرصد الوطني للمسنين، لمعرفة أوضاعهم ومواكبة التحول الديموغرافي والزيادة في أعدادهم.

وتفيد إحصائيات رسمية بأن ربع سكان المملكة سيكونون مسنين في حدود سنة 2050، وغالبيتهم أميون ولا يتوفرون على تغطية صحية، من ضمنهم 173 ألف شخص يعيشون العزلة، وتمثل النساء بينهم نسبة 73 بالمئة.

وكشفت دراسة أنجزتها وزارة المرأة والأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، بالشراكة مع المرصد الوطني للتنمية البشرية، أن نسبة المسنين في ارتفاع متسارع، حيث إن المغرب يتوفر حاليا على 3 ملايين و200 ألف مسن، تتجاوز أعمارهم 60 سنة، في الوقت الذي لم يكن عدد المسنين يتجاوز مليون شخص عام 1960، حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط.

ورغم أن نسبة كبيرة من المجتمع المغربي ترفض إيداع الآباء المسنين بمراكز الرعاية الاجتماعية إلا أن هناك أصواتا ارتفعت مطالبة بتوفير الرعاية لكبار السن بالمملكة وبخاصة أولئك المتواجدين في دار المسنين والمتخلى عنهم أو دون مأوى.

وأكد باحثون في علم الاجتماع، أن هناك انحدارا في مستويات القبول المجتمعي بالشخص عند وصوله سن التقاعد كفاعل أساسي داخل عدد من الأسر المغربية، نظرا لكونه لم يعد معيلا للأسرة كما كان سابقا ما يؤثر على موقعه الاعتباري والرمزي، الأمر الذي يؤثر على علاقته بأفراد أسرته.

أكبر ما يهدد المسنين هو السلوكات التي تهدد تماسك الأسرة، ما سيجعل عددا من كبار السن عرضة للتشرد

واعتبرت الوزيرة بسيمة الحقاوي، أن أكبر مهدد للمسنين في المغرب هو “بعض السلوكات التي تهدد تماسك الأسرة”، ما سيجعل عددا من كبار السن عرضة للتشرد  بعد أن تتخلى عنهم أسرهم. ويذكر أن القانون رقم 65.15 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، الذي دخل حيز التنفيذ في أبريل الماضي، يتضمن خدمتين جديدتين لهما أهمية كبرى لفئة المسنين، هما التكفل عن بُعد، والتكفل بالغير بمقابل. وأبرزت الحقاوي أنه تم الاشتغال على تطوير مؤسسات الرعاية الاجتماعية وتأهيل الموارد البشرية.

وهناك مبادرات مرتبطة برعاية المسنين لإعادة الاعتبار لمكانتهم داخل المجتمع حيث أطلقت “جمعية معا لفك العزلة عن المسنين”، بمدينة القصر الكبير، بهدف فك العزلة عن المسنين من خلال الاستقبال والاستماع والمواكبة والدعم والحماية من مختلف أنواع العنف الجسدي والنفسي والمالي، وخلق جسر للتواصل بينهم والاستعانة بخبراء التنمية البشرية لإعادة إدماجهم.

كما تجمع مبادرة “السكن بين الأجيال” بين التخفيف على المسنّات ممن يعشن عزلة لأسباب اجتماعية وعائلية، والمساهمة في حل مشكلة السكن لفائدة الطلبة، والتي تحول في الغالب دون إمكانية متابعتهم لمسيرتهم الدراسية.

وتقدر الإحصائيات أن عدد المسنين في المغرب سيرتفع ليبلغ الضعف تقريبا بحلول العام 2030، ويتواصل الارتفاع ليبلغ أزيد من 10 ملايين بحلول العام 2050، ونبهت دراسة وزارة الأسرة إلى أنه عند العام 2045 سيفوق عدد المسنين عدد الأشخاص الذين يبلغون 15 سنة وما تحت. وأوضح تقرير صادر عن المكتب التنفيذي للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان أن عدد سكان المغرب الذين تتجاوز أعمارهم 80 سنة خلال هذه السنة يصل إلى 283 ألف شخص، ومن المرتقب أن يرتفع هذا الرقم ليصل بحلول سنة 2050 إلى مليون و439 ألف شخص.

وأشار أحمد الحليمي، المندوب السامي المغربي للتخطيط، أن ستة مسنين من أصل عشرة (59.2 في المئة) يقيمون بالوسط الحضري، مبرزا أن أكثر من نصف المسنين (55.4 في المئة) يبلغون من العمر أقل من 70 سنة، و28 في المئة منهم ما بين 70 و79 سنة، و16 في المئة يبلغون 80 سنة أو أكثر.

وقال تقرير صادر عن المكتب التنفيذي للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إن نسبة الشيخوخة ظلت مستقرة في حدود 7 في المئة خلال الفترة ما بين1960 و2004، ومن المتوقع أن تصل إلى 20 في المئة سنة 2020.

دعوة لترسيخ قيم العدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم للمسنين
دعوة لترسيخ قيم العدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم للمسنين

ويمثل المتقاعدون والمتقاعدات وذوو الحقوق من الأرامل واليتامى 10 في المئة من مجموع السكان، ويقدرون بنحو 3 ملايين متقاعد، حسب الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، موضحة إنهم “يتقاضون معاشات جد هزيلة جراء سوء تدبير صناديق التقاعد”.

واعتبرت الوزيرة أن هذه الأرقام مثيرة للقلق، موضحة أن هذه الأرقام تكشف أنه لسنا مستعدين تماما لمواجهة هذه الظاهرة، ما لم تبذل جهود كبرى من قبل كل الفاعلين بدءا من الأسر.

وقال طالب لبيب المساعدي، رئيس جمعية معا لفك العزلة عن المسنين، إن “مسؤولية الدولة واضحة ومستعجلة، ويجب التفكير في سن قوانين جديدة تعطي الحق في الراحة وفي المواكبة والتكوين للمساعدين الأسريين الذين يعانون في صمت؛ إذ إن العديد منهم يموتون قبل المسن المريض نفسه”.

ونبهت الدراسة التي أنجزتها وزارة المرأة والأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، بشراكة مع المرصد الوطني للتنمية البشرية، إلى أن 8.7 في المئة من الأشخاص الذين تفوق أعمارهم 75 سنة عبروا عن شعورهم بالإقصاء الاجتماعي، وتنخفض هذه النسبة لدى الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و64، إذ عبر 6.6 في المئة منهم أنهم يشعرون بالإقصاء الاجتماعي.

وفي دراسة للباحث المتخصص في الإحصاء الديموغرافي، فاسي فهري، يتطلب الأمر استثمارا كبيرا وعلى مدى طويل في التعليم والتكوين والشغل والحماية الاجتماعية والصحة، كما يتعين جعل الشباب من أولويات الدولة.

وأوصت الدراسة بوضع آليات لتحسين قابلية التشغيل وإذكاء روح المقاولة لدى الشباب، إضافة إلى القضاء على الفقر وخفض التفاوت على جميع المستويات وإشراك الشباب في القرارات التي تهم حياتهم، والاستثمار في تعليم جيد، خصوصا لدى الفئات المهمشة.

8.7 في المئة من الأشخاص الذين تفوق أعمارهم 75 سنة عبروا عن شعورهم بالإقصاء الاجتماعي

وترى جمعية معا لفك العزلة عن المسنين، ضرورة البحث عن سبل دعم هذه الفئة الاجتماعية والسعي وتطوير أشكال الرعاية والتكافل الاجتماعي والنهوض بوضعية الأشخاص المسنين الذين يعانون الهشاشة، والسعي من أجل توفير بيئة آمنة خاصة للذين دون سند عائلي أو في وضعية الإقصاء والعزلة الاجتماعية مما يستوجب بلورة حلول ناجعة لضمان حقوقهم وكرامتهم.

وأبرزت الحقاوي، أن وزارتها أطلقت منذ 2013 حملة تحسيسية لتقليص الفجوة بين الأجيال، إلى جانب النهوض بمؤسسات الرعاية الاجتماعية للمسنين، والتي لا يتجاوز عددها 64 مؤسسة والقيام بتأهيلها وتكوين العاملين فيها.

وألح برلمانيون على أهمية تفعيل المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، الذي نص عليه الدستور والهادف إلى وضع سياسة عمومية كفيلة ببناء أسر مغربية متعايشة مع مستجدات الواقع المعاصر والتحولات الطارئة على المجتمع.

ويؤكد مختصون على دعم المراقبة داخل مراكز الرعاية الاجتماعية، وإنجاز مشاريع تنموية تعطي أولويات المسنين وتلبي متطلباتهم الأساسية على مستوى الصحة النفسية والفيزيولوجية عبر خدمات ميسرة وأسبقية في العلاج إذ يتم استحضار البعد الإنساني وبتدخل من جميع الفاعلين.

وتنص المادة 9 من قانون مؤسسات الرعاية الاجتماعية، على أنه “يمكن لكل شخص ذاتي أو اعتباري خاضع للقانون العام أو الخاص إحداث مؤسسة للرعاية الاجتماعية كما هو منصوص عليها في المادة 3، ويتوجب على مؤسسات الرعاية الاجتماعية تقديم خدامتها دون مقابل لفائدة الأشخاص المتكفل بهم، حسب المادة 6 من نفس القانون”.

دعم المراقبة داخل مراكز الرعاية الاجتماعية
دعم المراقبة داخل مراكز الرعاية الاجتماعية

وانتقدت الحقاوي، بعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية “التي لا تريد الاشتغال في إطار القانون وتعتبر نفسها فوق القانون”، وبأن الدعم العمومي جد ضعيف في هذا المجال وأغلبه قادم من الحكومة، مبرزة أن العديد من التجاوزات التي يتم تسجيلها في هذا المجال قائمة أساسا على نقاشات سياسية لا علاقة لها بعمل المؤسسات الاجتماعية، واعتبرت بأن إصلاح دور الرعاية في المغرب يجب أن يكون على أساس شمولي ولا يعتمد على تدخلات قصيرة المدى لا تعالج المشكلة في عمقها.

ويمكن لمؤسسات الرعاية الاجتماعية التي يحدثها الأشخاص الذاتيون أو الاعتباريون الخاضعون للقانون الخاص والتي يكمن غرضها في التكفل بالأشخاص المسنين أو بالأشخاص الذين هم في وضعية إعاقة أن تقدم خدماتها بمقابل وفق الشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي.

ويؤكد حقوقيون على ضرورة تفعيل فصول الدستور لرسم سياسات مهيكلة ومخططات تنموية حقيقية لترسيخ قيم العدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم للمسنين في وضعية هشاشة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: