“خطيئة”.. الأزهر يحرّم الزواج العرفي

الأزهر كمرجعية دينية يصدر حكما نهائيا على المتزوجين عرفيا بأنهم ارتكبوا جريمة تستوجب السجن.

لجأ الأزهر إلى إلصاق تهمة الزنا بالمتزوجين عرفيا كنوع من الترهيب، مستغلا الهوس الاجتماعي بالفتاوى، وهو ما ترفضه شرائح كثيرة في المجتمع لأن القرار ستكون له عواقب وخيمة تدفع ثمنها الحلقة الأضعف في مجتمع يصف نفسه بأنه متدين بطبعه، تطبق جل أسره خطاب الحلال والحرام.

 أعادت مؤسسة الأزهر الجدل حول آلية تصدي المجتمع للزواج العرفي، بعدما استقر رأيها النهائي مؤخرا على اعتباره في حكم الزنا، ورأت أن الإصرار على هذا الوصف في أيّ قانون يرتبط بالأسرة يقي المجتمعات سوءات هذه الخطيئة، ويجبر كل طرف على التفكير قبل الزواج بشكل سري.

وقال محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء، إن مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي أعده الأزهر، وتم إرساله فعلا إلى مجلس النواب المصري لمناقشته والتصديق عليه، استقر فيه رأي علماء الهيئة على أن الزواج العرفي والمؤقت (المتعة والمسيار)، في حكم الزنا، ولم يعد هناك خلاف ديني على ذلك.

ويمثل رأي الأزهر نقطة تحول لافتة في موقف هيئة كبار العلماء التي سبق وأقرت الزواج العرفي قبل 10 سنوات، على أن تتوافر فيه شروط الإشهار وحضور شاهدين، ومن ثمة يصبح شرعيا، بغض النظر عن المسمى الحديث لأي زواج.

ويعني وصم الزواج العرفي بوصف مسيء ومنبوذ أسريا، مثل الزنا، في مجتمع شرقي محافظ، أن الأزهر كمرجعية دينية أصدر حكما نهائيا على المتزوجين عرفيا بأنهم ارتكبوا جريمة تستوجب السجن، لأن القانون المصري يعاقب المتورطين في الزنا بالحبس لمدة تصل العامين.

تحريض مجتمعي مباشر

يرى معارضون لتعميم تهمة الزنا على المتزوجين عرفيا، مع اختلاف ظروف كل حالة، أن الأمر يحمل تحريضا مباشرا ضدهم، مع تصاعد التشدد في المجتمع، وقد تتخذ بعض العائلات من الفتوى ذريعة للانتقام من الفتاة أو زوجها، كما أن إلصاق هذا الوصف المسيء يطال أبناء المتزوجين عرفيا، ويجعلهم عرضه للتنمر والاضطهاد.

ويقول حقوقيون لا يمكن مواجهة ظاهرة الزواج العرفي بالتحريم والتجريم وإهمال المعالجات الفكرية والتوعية الثقافية، لأن الاستسهال في الحل بإصدار فتاوى دينية ترهيبية يزيد الأزمة تعقيدا، ولا يصل بالقضية إلى نقطة يمكن أن تلتقي عندها كل الآراء وتكون مقنعة للشباب والفتيات، باعتبارهم أكثر الفئات المجتمعية إقبالا على الارتباط السري.

ويضيف هؤلاء أن معالجة الزواج العرفي بالترهيب، ليس ذا قيمة مع تصاعد وتيرة التحرر المجتمعي من القيود والأعراف والعادات والتقاليد التي كانت سائدة في المجتمع، وانفراط عقد الكثير من الأسر في احتواء أبنائها، أو شعور الفتاة بالإهمال وغياب العاطفة الأسرية ما يجعلها تبحث عن البديل خارج المنزل.

وتشير سهير لطيف أستاذة علم الاجتماع بجامعة حلوان (جنوب القاهرة) إلى أن مواجهة الزواج العرفي دون تحميل الأسرة الجزء الأكبر من المسؤولية، لن يحل الأزمة، لأن أي علاقة أسرية لا تقوم على الثقة بين الآباء والأبناء، وتوفير بيئة مناسبة توفر للفتاة تحديدا، العاطفة والاحتواء والأمان، فإنها ستكون صيدا سهلا خارج المنزل، لأي شاب يغرر بها.

400 ألف حالة زواج عرفي سنويا تنتج 41 ألف طفل كل سنة، وفق إحصائية رسمية

وتؤكد ، أن اقتصار معالجة المجتمعات للأزمة من منظور ديني سياسة خاطئة لن تجد آذانا صاغية عند أجيال معاصرة تؤمن بالانفتاح والحرية في اتخاذ القرار وتحديد المصير والتمرد على قيود المجتمع، لكنها ستجد صدى مدويا مع أرباب الأسر الذين يقدسون الرأي الديني ويحترمون العادات والتقاليد والطقوس المتعارف عليها.

وتوضح أن الكثير من المتزوجين عرفيا يعتبرون أنفسهم أبرياء والمجتمع المتهم الأول في وصول الحال بهم إلى الزواج السري، ولا يجب أن يحاكم البريء على يد المتهم.

يضم المجتمع “الجاني” علماء والعديد من شيوخ الدين الذين يحرمون كل شيء يرتبط بعلاقة الرجل والمرأة، والمؤسسات الحكومية التي ضاعفت الأعباء المالية جراء الغلاء حتى عجز الشاب عن توفير أدنى متطلبات الزواج، الرسمي فضلا عن الأسر التي تفرض طلبات خيالية على المتقدم لخطبة الفتاة.

ويتم تبرير الزواج السري أحيانا، بغرض عاطفي وعدم جاهزية الشاب للارتباط الرسمي وتكاليفه الباهظة مثلما يحدث بين طلبة الجامعات، أو لإجبار العائلتين على القبول بالأمر الواقع والموافقة على زواجهما رسميا، وهناك زوجات تقبل بالارتباط العرفي خوفا على فقدان حضانة أبنائها، أو أن تخسر المعاش الحكومي، كما ينص القانون المصري.

وذكرت سهير لطيف “إذا أراد المجتمع وضع حلول جذرية لظاهرة الزواج العرفي، عليه أولا أن يختار خطابا يتناسب مع الشباب المؤمن بشرعية هذا الارتباط، لأنه لا يمكن التحدث بلغة الحلال والحرام مع جيل شغوف بمحاكاة التحرر والتخلص من تقاليد وطقوس المجتمع، لأن المتمرد لا ينحني أمام سياسة الترهيب”.

ولا يدرك الكثير من المؤيدين لمعالجة أزمة الزواج العرفي بالترهيب الديني، أن السواد الأعظم ممن خاضوا التجربة، أو يفكرون في الخطوة، لا يعنيهم رأي الدين أو نظرة المجتمع، حتى لو كانت التهمة المنسوبة إليهم “ارتكاب واقعة زنا”. فالفتاة التي تتمرد على عائلتها وتضحي بكل شيء من أجل شاب لن تفكر في فتوى تحرم الفعل.

وإذا كان الشاب والفتاة يهمهما الرأي الديني ويريدان بدء حياتهما الزوجية، فإنهما سيجدان آراء دينية من شخصيات أزهرية وفقهية تدعم خيارهما وتعتبر الزواج العرفي صحيحا.

يظل اكتفاء أي مجتمع بالمعالجة الدينية للزواج العرفي ووصمه بتوصيف على غرار “الزنا”، حلا مخترقا من أئمة وشيوخ لديهم نفوذ وشعبية ومصداقية عند كثير من الناس، ويرون أن الزواج السري وسيلة مناسبة لتجنب الوقوع في الخطيئة أو إقامة علاقة غير شرعية، ويقي المجتمع من الانحلال الأخلاقي.

وتكمن مشكلة بعض المجتمعات العربية مع المؤيدين للزواج العرفي، أو مع من تزوجوا بشكل سري، أن كل الأطراف التي تتصدر مشهد الحد من الظاهرة تلقي باللوم والمسؤولية على الشباب والفتيات دون دراسة أسباب ومبررات ودوافع الزواج بهذه الطريقة ومعالجتها، بدلا من إصدار أحكام وفتاوى تحريضية تعمق الكراهية المجتمعية تجاه المتزوجين عرفيا.

وقال أحمد شلبي، وهو اسم مستعار لصحافي مصري شاب، إنه لجأ إلى الزواج العرفي، واضطر للخطوة بعد أن رفضت أسرة الفتاة التي كان يرتبط بها عاطفيا، أن يتزوجها بذريعة أن ليس لديه القدرة المالية لشراء وحدة سكنية بالقاهرة. لم تمانع الفتاة أن تتزوج سرا، ومنذ عامين يلتقيان كزوجين في العقار الذي يستأجره بحي فيصل الشعبي على أطراف العاصمة، دون علم أسرتها، وكلما تقدم شاب لخطبتها ترفض وتتحجج بأن العريس غير مناسب.

وأكد لـ”العرب”، عندما تسمح الظروف سوف نعلن الزواج رغم الخسائر المتوقعة حينها، لافتا إلى أن هناك فرقا بين زواج عرفي بغرض المتعة، وآخر بهدف الدفاع عن استمرارية الحب، وثالث لسبب يرتبط بتعسف الأهل، لا يمكن وضع كل هذه الأنواع في قالب واحد ونطلق عليه “وقائع زنا”، لأن المجتمع هو من يدفع المتزوجين عرفيا أن يسلكوا هذا الطريق.

بنفس المنطق، تحدث باسم سعيد، الذي يمتلك ورشة صغيرة لإصلاح السيارات وسط القاهرة، وتزوج عرفيا من فتاة تنتمي إلى أسرة ميسورة الحال، في حين أن مستواه الاجتماعي لا يؤهله لطرق باب أسرتها للتقدم لخطبتها، لأنه علم أنه مرفوض مقدما، حسبما أبلغته الفتاة. وأوضح باسم ، أن لجوء الشباب للزواج العرفي مرتبط بتدخل العائلات في تقرير مصير أبنائها واختيار شريك الحياة، فالفتاة التي تزوجها كانت لا تبحث عن شاب ميسور الحال بقدر ما تحلم بالزواج من رجل تشعر معه بالأمان والحب، بغض النظر عن إمكانياته المادية، أما والدها فإنه اعتاد وضع مواصفات على كل من يتقدم لخطبتها ودفعها إلى الزواج عرفيا.

يعني الأمر، أن علماء الدين مطالبون بتحريم فرض شروط تعجيزية على الشاب من جانب أسرة الفتاة قبل المطالبة بمعاقبة المتمردين على طقوس الزواج الرسمي، لأنهم إذا كانوا يتحججون بتحريم الزواج السري بذريعة عدم الإشهار، فإنهم يجهلون وجود شهود من أصدقاء الشاب والفتاة، أمناء على السر.

وأقر باسم بأنه يعرف الكثير من حالات النصب والخداع والنهاية الحزينة في الزواج العرفي، لكنه يقول إنه شاهد على حالات أخرى ناجحة اضطرتها الظروف الأسرية والعادات الرجعية أن تتمرد على الزواج الرسمي، وهؤلاء بحاجة إلى دعم وحماية من المجتمع لنقل الزواج من السر إلى العلن، وتساءل: هل يجرؤ الأزهر على تبني حملة مجتمعية لتوفير الحماية للمتزوجين عرفيا لتعديل مسار زواجهم إلى الزواج المعلن؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: