إيكونوميست: مبارك يستمتع بتقاعده بعد 30 سنة من الديكتاتورية.. ومرسي الديمقراطي يموت سجينا
قدمت مجلة “إيكونوميست” رؤية عن حياة الرئيس المصري المنتخب بطريقة ديمقراطية محمد مرسي ربما كان “هامشا في بلد انزلق إلى الديكتاتورية”. وأن القضية ضد محمد مرسي التي مضى عليها ست أعوام أخذت منذ وقت طويل منحى يشبه العالم الكابوسي للروائي فرانز كافكا، ففي كل أسبوع كان على الرئيس الأول المنتخب ديمقراطيا والذي أطيح به بانقلاب عام 2913 الظهور أمام المحكمة لمواجهة اتهام أو آخر. فقد اتهم بالتجسسس وسرقة مواشي والتعذيب. ولم يعد المصريون يهتمون بقضيته إلا أن عجلة العدالة المصرية المعيبة ظلت مستمرة ثم توقفت فجأة. فقبل الساعة السادسة مساء في 17 حزيران (يونيو) أعلن التلفزيون الرسمي وفاته من نوبة قلبية أثناء المحكمة. وكان عمره 67 عاما. وولد في دلتا النيل وتلقى تعليمه كمهندس وأكمل دراساته العليا في الولايات المتحدة وعاد إلى مصر عام 1985 وبدأ بالتدريس بجامعة في محافظة الشرقية حيث نشأ. وعمل لمدة 15 عاما كأكاديمي وصعد في صفوف الإخوان، الجماعة المحظورة والتي تسامح معها حسني مبارك. وانتخب في عام 2000 نائبا في البرلمان، كعضو مستقل لأن الإخوان لم يسمح لهم تقديم قائمة من المرشحين، وخدم فترة واحدة. وكان هذا أمرا غير عادي لرجل سيبرز كرئيس بعد الإطاحة بمبارك في الربيع العربي عام 2011. وفي الحقيقة لم يكن مرسي الإختيار الأول، لأن الجماعة كانت تريد ترشيح نائب المرشد العام خيرت الشاطر، رجل الأعمال الثري والمعروف. لكن الجيش اعترض على ترشيحه بسبب المدة التي قضاها في السجن. وكان مرسي حل الوسط وربما لثقة الجماعة به.
وفي الوقت الذي لم يدعم الليبراليون مرسي، وانقسمت أصواتهم حوله. ولم يشاركوه سياسته الإسلامية ولكنه كان الخيار الديمقراطي، وبداية تبتعد عن النظام القديم. وصوت العديدون منهم رغم تحفظاتهم له في الجولة الثانية من الإنتخابات بينه وبين أحمد شفيق، رئيس الوزراء في عهد مبارك. وبعد تأكيد انتصاره كان أول عمل قام به بمخاطبة الجماهير في ميدان التحرير الذي كان قلب الثورة. وهناك فتح سترته لكي يظهر للجماهير أنه لا يرتدي حزاما واقيا، وأنه من الشعب، لفتة آمل أن تقربه منه. إلا أن حسن النية لم تعمر طويلا، فمرسي وحلفاؤه لم يسمح لهم بالسيطرة على مصر الكثيرة الأحزاب. ومنذ البداية حاول الجيش تقويض سلطته، فيما عملت المخابرات على الإطاحة به. وأصبحت المحاكم المرتبطة بفترة مبارك المصدر الرئيسي للمعارضة. وقام القضاة بحل البرلمان الذي سيطر فيه الإخوان على الغالبية وقاموا بعرقلة جهود مرسي المتكررة تحديد موعد جديد للإنتخابات. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 أصدر مرسوما رئاسيا لحماية قراراته مما أدى لتظاهرات مضادة له حول القصر الرئاسي وهاجمهم أنصار الإخوان. وأدى المرسوم والعنف الذي تلاه إلى تمزق في العلاقة مع الثوريين الذين ساعدوا بوصوله إلى الرئاسة. وعندما أطاح به الجيش بقيادة وزير الدفاع الذي اختاره بنفسه، عبد الفتاح السيسي شعر الكثيرون بالفرح لخروجه. وحتى المجزرة التي قتل فيها المئات من أنصار السيسي بعد شهر من الإنقلاب والتي تعد غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث إلا لنقد صامت. وتم حظر الإخوان مرة أخرى ولم يتم التسامح معها أبدا. وفقدت هيكليتها المضبوطة وأصبح قادتها في السجون أو في المنافي بالدوحة أو اسطنبول والعواصم الأوروبية. ولم يعد هناك أي مصدر للمعارضة. وفي نيسان (إبريل) جرى استفتاء منح السيسي الذي أصبح رئيسا الفرصة للبقاء في الحكم حتى 2030. وعندما حاول مهندس اسمه أحمد بدوي الإحتجاج اعتقل على الحال.
وتقول المجلة إن وفاة مرسي قد تعطي أعداء السيسي نقطة للتعبئة. وأعلنت وزارة الداخلية حالة الإستنفار العام واعتقلت بعضا ممن يشتبه بانتمائهم للإخوان المسلمين. ولا يوجد ما يشير إلى وجود من سيقود التظاهرات وإن كان المصريين مستعدين للمخاطرة والإنضمام لها. ولاحظت المجلة السرعة التي تحرك فيها النائب العام الذي أصدر بعد 3 ساعات تقريرا أكد فيه عدم وجود ما يشي أن مرسي تعرض لسوء معاملة “ولهذا لا داعي لتوجيه اللوم إلى الدولة”. لكن عائلة الرئيس السابق طالما عبرت عن قلقها من حالته الصحية، فقد اعتقل في زنزانة انفرادية بسجن طرةـ المعروف بأوضاعه السيئة. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش، ومقرها نيويورك إن الرئيس المصاب بمرض السكري لم يحصل على العناية الصحية المناسبة. وفي جلسة للمحكمة ألمح إلى محاولات الحرس تسميم طعامه. وحاول النواب في البرلمان البريطانيين القلقين على حالته زيارته العام الماضي. وقال عمرو دراج الوزير السابق في حكومة مرسي إن وفاته “تصل إلى حد الإغتيال المدعوم من الدولة”. وتقارن المجلة سنوات مرسي الأخيرة التي تتناقض مع الحالة التي يعيشها سلفه مبارك، الرجل الذي أساء حكم مصر لمدة 30 عاما. وواجه مبارك المحاكمة بعد الثورة لكنه لم يعتقل في سجن طرة بل وفي سجن عسكري في حي راق بالقاهرة. ومع إلغاء كل التهم ضده فهو يتمتع بتقاعد هادئ. وربما كان مرسي رئيسا غير ناجح لكنه هو الرئيس المنتخب بطريقة ديمقراطية في تاريخ مصر الطويل. وسنواته الأخيرة وحيدا في السجن هو مقطع أخير تراجيدي في الثورة المصرية، وهامش في بلد عاش سنوات طويلة تحت حكم الديكتاتورية.