فتاوى السلفيين تفشل في تحصين النظام الجزائري
بعد فترة العشرية السوداء، نجح النظام الجزائري في استقطاب عدد من المتشددين الإسلاميين إلى صفه، ومحاولة الاستفادة منه ضمن إستراتيجية ارتكزت على ضرب الإسلام الجهادي والإخواني بالإسلام الصوفي والسلفي.
وفي مناسبات وانتخابات كثيرة، نجح نظام عبدالعزيز بوتفليقة، بعد توقيع اتفاق السلم والمصالحة، في الاستفادة كثيرا من الصوفيين والسلفيين الذين فتح لهم الزوايا وقوى تواجدهم، حتى أن البعض كان يتندر في فترة من الفترات بالقول إن هذه السياسة تهدد بأن تحول المجتمع الجزائري إلى “دراويش” و”شيوخ”.
وخلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، وبينما كان عشرات الآلاف من الجزائريين يخرجون للشوارع في العاصمة على مدى أربعة أشهر للمطالبة بإصلاحات سياسية شاملة، ظل التيار السلفي من مغبّة تخريب السفينة، وداوم على نشر أحاديث وفتاوى تحرّم مثل هذه التحركات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويذكر أنه في ذروة الاحتجاجات في 2011، أفتى الشيخ علي فركوس، أحد كبار أئمة السلفيين في الجزائر، بأن المظاهرات حرام في الإسلام. ومازال السلفيون يمارسون نفوذهم في البلد ويؤلبون الرأي العام ضد دعوات الاحتجاج والتغيير بدعوى الاستقرار.
ولم يعلق الشيخ فركوس من قيادات السلفية على الاحتجاجات الأخيرة، لكنّ آخرين من أتباعه رفضوها، فيما عبر محمد حبيب وهو من السلفيين البارزين في رسالة بالفيديو عن موقفه، قائلا إن “الحرام يظل حراما حتى إذا كان الكل يفعله”. لكن، فشلت مثل هذه الفتاوى في إنقاذ بوتفليقة، وفقدت قدرتها على تحصين النظام من أي غضب شعبي.
نفوذ السلفيين
أغلب السلفيين، هم من التيار الذي قاد في التسعينات انتفاضة ضد الجيش بعد أن ألغى انتخابات تاريخية شاركت فيها أحزاب متعددة وكان الإسلاميون على وشك الفوز فيها. وكانوا الطرف المسؤول عن إسالة دماء الجزائريين بعد أن دخل في مواجهة مسلحة مع المؤسسة العسكرية ومؤيدي الحكومة آنذاك. وهم اليوم ينحازون إلى الجيش ويحذرون من الاحتجاجات بحجة أنها قد تؤدي إلى تكرار الفوضى والدماء.
من بين هؤلاء المقاتلين السابقين، الشيخ يحيى، الذي اختار أن يستقر في قرية حيزر الواقعة في الجبال على مسافة 120 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائر حيث يعمل الآن جزّارا. ويفسر الشيخ يحيي موقفه قائلا “أشعر بندم شديد على ما حدث في التسعينات”. وأضاف “ولهذا لن أشارك أبدا في أي عمل قد ينقلب إلى العنف”.
وتخلى يحيى عن الكفاح في 2006 بعد أن قبل العفو الذي أعلنه بوتفليقة وأقنع آخرين بالتصالح مع الدولة. وكافأته الدولة بمبلغ 6000 دولار لبناء بيت متواضع يشغل متجره الدور الأرضي منه. وحصل اثنان من أبنائه على وظائف في شركات تابعة للدولة، وهو مصدر رزق يخشيان أن يفقداه.
ويشير المحللون إلى أن نفوذ السلفيين في الجزائر كبير. وهذا ما يجعل النظام يراهن عليهم. ويقول المحلل السياسي محمد مولودي “الجزائر فيها حوالي 18 ألف مسجد معظمها تحت نفوذ السلفيين”.
ولعب قائد الجيش الفريق أحمد قائد صالح دورا رئيسيا في الإطاحة ببوتفليقة. لكنه يواجه احتجاجات متواصلة تطالب بعزله وترفض دوره في المرحلة المقبلة وفي صياغة مستقبل الجزائر.
وفي مواجهة هذه الدعوات، اقترح بعض الأئمة السلفيين أن يسلّم قائد صالح السلطة للوزير المحافظ السابق أحمد طالب الإبراهيمي، نجل رجل الدين المعروف بشير الإبراهيمي الذي لعب دورا في حرب الاستقلال من 1954 إلى 1962. ووعد الإبراهيمي (87 عاما) بوضع نهاية لما سمّاه المال القذر في إشارة إلى الفساد في عهد بوتفليقة وبتطبيق الشفافية.
ويؤيّد يحيى، الذي تحدث في حضور اثنين من زملائه المقاتلين السابقين، الإبراهيمي وقائد صالح. وقال سيف الإسلام بن عطية، وهو طبيب أسنان من الشخصيات التي برزت بين المحتجين، “الإبراهيمي واحد من الساسة الأنقياء النادرين في الجزائر الذين يمكنهم مصالحة الشباب على السياسة. ونحن نعتقد أن بإمكانه أن يلعب دورا إيجابيا”.
عبء على الشارع
يستبعد المراقبون قدرة السلفيين على إقناع الشارع أو الشباب بأفكارهم أو مقترحاتهم السياسية، لتاريخهم في تقويض استقرار البلاد ولمسؤوليتهم في إراقة الدماء زمن العشرية السوداء، بل إنهم يمثلون عبئا إضافيا على حراك الشارع الذي يناضل لأجل دولة مدنية.
وفي العاصمة الجزائر يعارض الكثير من الشباب المحتجين وبينهم نساء كثيرات وبعض الأطفال أيّ نوع من سيطرة الإسلاميين. وتقول نادية بقاسم (21 عاما) التي تدرس اللغة الإنكليزية بجامعة الجزائر ولا ترتدي الحجاب “نريد تغييرا جذريا لكنني لا أريد أن ينتهي الحال إلى حكم الإسلاميين للبلاد”.
وبدلا من الإبراهيمي، تريد نادية زعيما جزائريا شابا مثل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقالت “نحن شعب من الشباب”.