الجزائر: صراع بين إرادتين
لم يحدث لا في تاريخ الجزائر ولا في تاريخ غيرها من البلدان، أن تختفي حكومة ويعيش وزراؤها في سرية تامة. هم مطاردون من قبل الشعب أينما حلوا في الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب. وقد طارد الحجيج الجزائريون رئيس الوزراء نورالدين بدوي حتى وهو يؤدي مناسك العمرة. وفي أغلب الأحيان يهرب هؤلاء الوزراء من أبواب خلفية تحت ضغط الشبان المطاردين لهم إن تجرّؤوا وغامروا بمغادرة مكاتبهم من أجل زيارة مؤسسة هنا، أو تدشين مشروع ما هناك.
وفي الحقيقة كان الطلاق بين النظام والشعب الجزائري قائما منذ مدة طويلة، كما تبين مقاطعة أغلبية الجزائريين لمختلف مناسبات الاقتراع السابقة وعدم اكتراثهم بمبادرات من يعتبرونهم عصابات مغتصبة للسلطة. وإن كان وزراء الداخلية المتعاقبون ذاتهم يعترفون رسميا بعزوف 60 بالمئة من الناخبين، فإن النسبة كانت أعلى بكثير.
ولئن كانت المقاومة الشعبية حتى يوم 22 فبراير الماضي شبه سلبية أو غير صريحة فهي اليوم مجسدة في الشارع متحدية النظام ومعلنة قطيعة معه. ومن هنا تكمن صعوبة الحوار بين الطرفين إذ لم يعد الجزائري النظيف يثق في رجال هذا النظام ومن اقترب منهم، ففي ذهنيته قد تجاوز النظام القديم وكنسه نهائيا.
فلئن كان الشبان يكتفون بترديد أهازيج معادية للسلطة في ملاعب كرة القدم منذ ثلاث عشريات، فإن ما حدث بمناسبة نهائي كأس الجمهورية لكرة القدم لهذه السنة كان خارقا للعادة. فحتى حب الجزائريين الرهيب للنهائي لم ينسهم مقتهم للنظام. فمن جهة لم يكتف أنصار الفريقين (شبيبة بجاية وشباب بلكور) بعدم الترحيب ببعض المسؤولين، مثل وزير الرياضة ورئيس فيدرالية كرة القدم، بل اقتحموا المنصة الشرفية وطردوهما ومعهما كل الرسميين شر طردة.
فما دلالات هذا الخوف من مواجهة المواطنين؟ وهل يمكن إقامة حوار بين الجيش الممثل الوحيد للنظام اليوم والشعب الرافض كليا لهذا النظام؟
في الحقيقة لا يوجد في خطابات قائد الأركان أحمد قايد صالح المتتالية منذ بداية التمرد الشعبي ما يدل على أنه فهم أن النظام الذي يمثله قد انتهى في نظر الجزائريين لأنه نظام لم يفشل في تطور البلد فحسب، بل خرّبها ونهبها ولا يمكن أن يقدم شيئا للجزائريين. تمسكه النفعي ببعض مواد الدستور الميتة، يدل على أن رئيس الأركان محتاج إلى انقلاب فكري جذري ليتمكن من قبول أنه هو الذي يجب أن يستمع إلى الشعب وليس العكس.
فلئن كان الحوار يعني في نظر قائد الأركان المحافظة على النظام، فإن مضمون هذا الحوار إن وجد بالنسبة لمعظم الجزائريين هو كيفية دفن هذا النظام وبناء نظام آخر أكثر حداثة وعدالة. وهم متفقون في أغلبهم على أنه لا حوار مع النظام سوى من أجل مفاوضته على رحيله.
وبات مؤكدا أن محاولة قايد صالح ضرب وحدة المحتجين برمي بعض رؤوس النظام في السجن لن تجدي نفعا، لأن المتمردين لا يبحثون عن الثأر وإنما يريدون بناء دولة المواطنة والحقوق. كما أنهم رفضوا مصادرة إرادتهم عن طريق القوة رفضا نهائيا. إرادتان ونظرتان متوازيتان لا يلتقيان أبدا. فهل ينتصر من يريدون إنقاذ النظام، أم الذين يريدون خلاص الجزائر؟