تغطية قضايا الهجرة لا تقل خطورة عن الفساد والسياسة

مع صعود الشعبوية وارتفاع أصوات اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين في إيطاليا وأوروبا، أصبح الصحافيون يواجهون تهديدات متزايدة وخطاب كراهية عند تغطية القضايا الإنسانية المتعلقة بالهجرة.

تدرك الصحافية الإيطالية أناليزا كاميلي أنّ الصحافيين قد يتعرضون للمضايقة أو سوء المعاملة، لكنها لم تتخيّل أنّ هذا الأمر سيحدث معها، أثناء عملها على موضوع خاص بالمهاجرين، وشعرت بصدمة لهذا الأمر قائلة “نفكّر دائما في الصحافيين الذين يغطون الجريمة المنظمة أو الحروب أو الإرهاب، وليس في الصحافيين الذين يغطّون قضايا الهجرة”.

لقد أصبحت مأساة المهاجرين مسيسة بشكل متزايد، مما رفع من الدعاية المعادية للاجئين في جميع أنحاء إيطاليا، والتي باتت هدفا للمتصيدين، حيث تُبث على الإنترنت تعليقات كراهية واتهامات مهينة، وكذلك تهديدات جنسية وجسدية، وفق ما ذكرت الصحافية كريستيانا بيدي في تقرير لشبكة الصحافيين الدوليين.

وارتفعت حدة التهديدات ضد الصحافيين ووسائل الإعلام في إيطاليا وأوروبا، مع صعود تيار اليمين المتطرف، الذي يعارض استقبال المهاجرين ويضغط على الحكومات لتشديد القيود القانونية على الهجرة.

وتصاعدت في الصيف الماضي المضايقات على متن سفينة “اوبن ارمز”، وكتبت الصحافية كاميلي عن إنقاذ امرأة مهاجرة تركها خفر السواحل الليبي، وقالت “لم تتوقف الهجمات على شبكات التواصل الاجتماعي، وبدأت أتلقى مكالمات هاتفية ورسائل على البريد الإلكتروني من أجل إسكاتي، كانوا يقولون إنني اختلقت القصة، أو أنها لم تكن صادقة، وهاجموا مصداقيتي التي تعد أهم شيء بالنسبة للصحافي”.

وأضافت “كنت أتلقى المكالمات الهاتفية خلال النهار والليل، ولم أعرف كيف حصل المتحرشون على رقم هاتفي، ولم أعد أذهب إلى المنزل وحدي، وأتلفت حولي باستمرار”.

ويفيد تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في العام 2018 بأنّ الصحافيات والسياسيات يتعرّضن لبعض أشكال الإساءة على موقع تويتر كل 30 ثانية، كما وجدت دراسة استقصائية عالمية أجريت بالاشتراك مع المؤسسة الدولية لدعم المرأة، أنّ ما يقارب ثلث الصحافيات يفكرن في ترك المهنة بسبب الهجمات والتهديدات عبر الإنترنت.

تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في العام 2018 يفيد بأنّ الصحافيات والسياسيات يتعرّضن لبعض أشكال الإساءة على موقع تويتر كل 30 ثانية

وتشعر كاميلي، بانزعاج كبير بسبب هذه المضايقات، وهي قلقة على سلامتها الشخصية، وكانت ردة فعلها الأولى هي الانسحاب المؤقت من وسائل التواصل الاجتماعي ووقف إعداد تقارير عن الهجرة. ولكن بعد بضعة أسابيع، عادت إلى العمل في هذه القضية، كما نشرت كتابا حولها. وتؤكد “لم تتغير مقاربتي للعمل، إلا أنني أصبحت أكثر وعيا. لقد تعرضت لهذا النوع من الهجمات وعندما أرى موجة من الكراهية ضدي أو ضد زملائي، أعرف أنّه عليّ ألا أقلل من أثر هذه الحملة”.

من جانبها، تشير ماريا سالازار فيرو، مديرة الطوارئ في لجنة حماية الصحافيين، إلى أن المضايقة لها تأثير على المتضررين منها، لكنها أيضا هجوم مباشر على حرية الصحافة واستقلاليتها، وهي محاولة لإسكات أصوات وقصص محددة.

وتؤكد أن هناك العديد من العواقب المنتشرة المباشرة والسلبية التي تسببها مضايقة الصحافيين، على الأخبار، إذ أن القصص المهمة قد لا تحكى أبدا.

وتقول سالازار فيرو إنّه لأمر مرهق أن يكون الصحافي عرضة للمضايقة،  فهذا الأمر يسبب أضرارا نفسية، قد تلحق بالصحافي وغرفة الأخبار والزملاء الآخرين العاملين على نفس الموضوع، والذين يتجنبون التطرق إلى هذه المواضيع المهمة بسبب المضايقة.

كما أن الأشخاص الأقوياء والمتنفذين لا يتعرضون للمساءلة عند تعرضهم للصحافيين، رغم أن الصحافيين يعتبرون هيئات مراقبة تعمل على تعزيز الشفافية والمساءلة، لكن يمكن أن يصبحوا ضحايا استراتيجيات الإسكات، عندما يهددون مصالح قوية أو يتعرضون لحكومات أو لشخصيات بارزة.

وتسهم هذه التهديدات أيضا في تعريض تعددية وسائل الإعلام إلى الخطر، فقد تسهم المضايقات في تراجع النساء عن الميادين التي يسيطر عليها الذكور بشكل تقليدي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: