أحمد أويحيى سقوط مدوّ لرجل “المهام القذرة” يرسم معالم المشهد الجزائري

التلون السياسي لم ينقذ أويحيى من السجن

قد يكون أحمد أويحيى الشخص الوحيد في الجزائر الذي أجمع الكل على الاستبشار بقرار إحالته على السجن المؤقت من طرف المحكمة العليا، ورافقه العشرات إلى سجن الحراش للتهليل بنهاية مسار واحد من الشخصيات البارزة في السلطة، وربما باستثناء أفراد عائلته الصغيرة، فإنه لا أحد من الجزائريين استاء لهذه النهاية، نكاية بمواقف ظلت تستحضر المأساة والمعاناة في ذاكرة الكثير منهم.

انتهت بحر هذا الأسبوع مسيرة واحد من رجالات السلطة الأقوياء في الجزائر، بإيداعه السجن المؤقت في انتظار محاكمته بتهم فساد وتبديد مال عام، لتتأكد بذلك معالم مرحلة جديدة في البلاد، رغم ما يكتنفها من غموض وشكوك، بسبب الاستقطاب القائم بين قوى الحراك الشعبي وسلطة العسكر التي تدير شؤون البلاد خلف سلطة انتقالية لا تتحرك ولا تسكن إلا بإيعاز منها.

ويمثل سجن رئيس حكومة لغاية مارس الماضي، سابقة أولى من نوعها في تاريخ الجزائر المستقلة، حيث لم تشهد البلاد محاكمات ولا سجن كوادر سامية في الدولة، إلا بعد سقوط نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

وباستثناء محاكمة وسجن الجنرال مصطفى بلوصيف في ثمانينات القرن الماضي من طرف نظام الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، فإنه لم يحدث أن تحول السجن العسكري بالبليدة أو السجن المدني في ضاحية الحراش بالعاصمة، إلى مأوى لكبار المسؤولين في الدولة ورجال أعمال، كما يحدث خلال الأسابيع الأخيرة.

جميع إفادات كبار رجال الأعمال تشير إلى ضلوع أويحيى في ملفات ثقيلة، فهو لم يتورع خلال ذروة الصدمة التي أحدثها الحراك الشعبي في أسابيعه الأولى، عن تصديقه بصفته وزيرا أول، على قرض مالي لأحد رجال الأعمال بغلاف قدر بـ250 مليون دولار

لم تشفع خاصية الامتياز القضائي الذي أقره بوتفليقة خلال السنوات الماضية لمتابعة كبار مسؤولي الدولة، لأويحيى، في أن يفلت من المحاكمة أو يربح مزيدا من الوقت للمناورة، لاسيما وأن الرجل لم يتوان عن الإيحاء لحزبه “التجمع الوطني الديمقراطي” بدعم وتأييد التوجهات التي عبرت عنها المؤسسة العسكرية للخروج من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد.

وإن كان شقيقه المحامي العيفة أويحيى قد أكد في تصريحات سابقة التحفظ والغموض الذي يلف شخصية شقيقه في حياته الخاصة أو في ممارسة مهام الدولة، فإن مصدرا مقربا منه أكد بأن الرجل المتهم بالفساد وتبديد المال العام، يدرس بدقة وعناية فائقتين محيطه والمقربين منه، ولا يسمح لأي كان من التقرب منه، مهما كانت درجة قرابته السياسية أو العائلية.

وأضاف “لما كان أحمد أويحيى وزيرا للعدل في مطلع الألفية، لم يتدخل لصالح شقيقه للحصول على سكن، لكي يبعد الأنظار والألسن عن تلويك اسمه، خاصة وأن وضعه حينذاك في السلك لم يكن مريحا، وأن شقيقه لم يحصل على شقة في إحدى ضواحي العاصمة إلا بشق الأنفس”.

استقبل العشرات من شبان ضاحية الحراش الرجل بشعار الحراك الشعبي “كليتو البلاد يا السراقين”، ورموا سيارة الأمن التي أقلته من المحكمة إلى السجن بعلب “الياغورت”، لتذكيره بعبارة شهيرة يعرف بها، ففي رد عن سؤال صحافي حول طرق مواجهة الأزمة الاقتصادية، ذكر أويحيى أنه “ليس من الضروري على الشعب أن يستهلك الياغورت”، في إشارة إلى سياسة التقشف واستكثاره حتى محلى الياغورت على شعبه، بينما يستفحل الفساد وتبديد المال العام.

ولا يتوقف نبذ أويحيى عند عموم الجزائريين بمختلف فئاتهم الاجتماعية، بل يتعداه إلى أفراد عائلته وأشقائه وأنصاف أشقائه وأقربائه، ولدى سكان القرية التي ينحدر منها في محافظة تيزي وزو القبائلية، بعدما قطع صلاته الاجتماعية والعائلية وتفرغ لخدمة النظام السياسي.

وذكر مصدر مواكب لمسلسل المتابعات القضائية في الجزائر، بأن سجن أويحيى كان منتظرا، فكل الإفادات التي أدلى بها مسؤولون كبار ورجال أعمال كانت تشير إلى ضلوعه في ملفات ثقيلة، ولم يتورع خلال ذروة الصدمة التي أحدثها الحراك الشعبي في أسابيعه الأولى، عن تصديقه بصفته وزيرا أول، على قرض مالي لأحد رجال الأعمال بغلاف قدر بـ250 مليون دولار، بينما البلاد تحبس أنفاسها من تراجع مقدراتها المالية واستشراء حملة تهريب العملة الصعبة إلى الخارج.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: