العنف ضد الرجال يخرج من دائرة المسكوت عنه في المغرب

العنف ضد الرجال يعتبر من المواضيع المغيبة في البحوث الاجتماعية والنفسية وعن حوارات الأسر والمجتمعات العربية، وقد ظلت ضمن المسكوت عنه على مدار عقود.

تثير غالبية الدراسات والبحوث حول العنف في المجتمعات والأسر العربية قضايا العنف المسلط على النساء، في حين أن الرجال بدورهم يتعرضون للعنف المعنوي والجسدي أحيانا ليس فقط في الفضاء العام بل في البيت ومن طرف الزوجات. لقد بدأ الحديث في المغرب عن رجال ضحايا للعنف حيث أصبح بعضهم يصرح بما تعرض له، كما رصدت إحصاءات رسمية زيادة في حالات العنف ضد الرجال خصوصا من قبل الشريكة.

قدمت وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، في شهر مايو الماضي، النتائج الأولية للبحث الوطني الثاني حول انتشار العنف ضد النساء في المغرب، والذي يغطي فترة ما بين 2 يناير و10 مارس 2019.

وأظهرت نتائج البحث الرسمي أن معدل انتشار العنف ضد النساء في المغرب يقدر بـ54.4 في المئة، وأن النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 25 و29 سنة هن الأكثر عرضة للعنف بحوالي 59.8 في المئة.

وفضلا عن العنف ضد النساء، تواتر الحديث عن حالات العنف ضد الرجال في المغرب. وفي الوقت الذي تشير فيه تقارير رسمية إلى ارتفاع حالات العنف ضد النساء في المغرب، تتواتر إحصاءات عن ارتفاع مطرد في حالات العنف ضد الرجال، واعتبر خبير مغربي أن “الأيديولوجيا الذكورية ليست مقتصرة على الرجال فقط”، ورأى آخر أن “العنف وليد انهيار مجموعة من القيم في المجتمع”.

واستقبلت الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال (غير حكومية)، منذ تأسيسها في العام 2008، حوالي 24 ألف حالة عنف ضد الرجال، نحو 25 في المئة منها تتعلق بعنف جسدي. ولا تنحصر إحصاءات الشبكة المغربية على العنف الجسدي، بل تشمل أنواعا أخرى من هذه الظاهرة؛ كالطرد من بيت الزوجية والاستيلاء على مقدرات الزوج، وحرمان الأب من رؤية أبنائه، وغير ذلك مظاهر العنف.

ولقياس انتشار العنف ضد الرجال وأشكاله، أطلق المغرب لأول مرة بحثا وطنيا تشرف عليه المندوبية السامية للتخطيط (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء)، تحت عنوان “وقائع الحياة لدى الرجال والنساء 2019”.

خبراء يرجعون انتشار العنف إلى طغيان العقلية الذكورية وغياب التنشئة على قيم الاحترام
خبراء يرجعون انتشار العنف إلى طغيان العقلية الذكورية وغياب التنشئة على قيم الاحترام

وانطلق هذا البحث في فبراير الماضي وينتهي الشهر الجاري، ويشمل حوالي ثلاثة آلاف رجل، تتراوح أعمارهم بين 15 و74 سنة، موزعين على مختلف المدن المغربية. ويهدف البحث الوطني لاستقصاء آراء أفراد الأسر المغربية حول أشكال العنف الذي تعرضوا له في مختلف الأوساط سواء في فضاءات عمومية أو خاصة، أو في العمل وعبر الإنترنت أو في بيت الزوجية.

وتتقصى استمارة البحث المتعلقة بوقائع الحياة لدى الرجال، ما إذا كان الرجل موضوع البحث قد تعرض للإهانة أو الإذلال أو الترهيب أو التهديد بالكلام أو مقاطعته من طرف زوجته أو خطيبته، أو ما إذا كانت قد هددته بفسخ العلاقة الزوجية والطرد من بيت الزوجية أو الخيانة أو حرمانه من الأبناء.

كما تتضمن أسئلة حول ما إذا كان الرجل قد تعرض للإيذاء الجسدي أو الصفع أو الضرب أو الركل أو الخنق أو التهديد باستخدام سكين أو استعماله فعليا، أو تعرض للإجبار على إقامة علاقة حميمية لم يكن يرغب فيها، أو أجبر على القيام بأعمال جنسية لم يرغب فيها أو رأى أنها تحط من شأنه أو تذله.

وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبدالله (حكومية) بفاس ، أحمد شراك “إن العنف ظاهرة سلوكية واحدة، سواء كان من النساء تجاه الرجال أو العكس”. وأضاف أنه “في إطار مجتمع ذكوري فإن المعروف أن النساء هن اللواتي يتعرضن للعنف، فيما الرجال هم الذين يمارسونه، إما بشكل مادي كما هو في المجتمعات السائرة في طريق التقدم أو بشكل رمزي كما في العالم المتقدم”.

الأيديولوجيا الذكورية ليست مقتصرة على الرجال، بل يمكن أن تمتد إلى النساء اللاتي يمارسن العنف إذا كن يملكن سلطة ما تجاه الرجل

ولاحظ المختص في علم الاجتماع “لكن الأيديولوجيا الذكورية ليست مقتصرة على جنس الرجال، بل يمكن أن تمتد حتى إلى بعض النساء اللاتي يمارسن العنف إذا كن يملكن سلطة ما تجاه الرجل”. وتابع قائلا “الأيديولوجيا الذكورية تتغلغل ليس داخل نفوس الرجال فقط باعتبارهم رجالا، بل أيضا داخل المجتمع ككل”.

وأوضح شراك “كل من ملك ميزان قوة أو سلطة ما فإنه نظريا يمكن أن يمارس العنف تجاه الآخر… ويمكن تفسير العنف ضد الرجال الذين قد يمارسون عنفا نفسيا تجاه النساء فيكون رد الفعل قويا من قبلهن”. واعتبر الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع، علي الشعباني، أن “العنف لا يأتي من فراغ فهو وليد انهيار مجموعة من القيم في المجتمع”.

وأضاف أن “غياب التنشئة على قيم الاحترام وتقدير الآخر والصبر تجعل الإنسان يدافع عن مصالحه الضيقة فحسب، ويعتبر نفسه صاحب حق وإن كان ليس معه حق، مما يولد العنف”.

ويرى الشعباني أن “العنف ضد الرجل موجود دائما لكنه كان خفيا في السابق لعدة أسباب، أهمها أن الرجل كان يجد حرجا للتصريح بتعرضه لعنف من قِبل المرأة”. ولفت إلى أن “وصف المجتمع بالذكورية زاد من حرج الرجل بإعلان تعرضه للعنف”.

ولم يعد العنف ضد الرجل حبيس القاعات المغلقة بعد أن خرج إلى الواجهة عن طريق الإعلام والدراسات في السوسيولوجيا وعلم النفس وفق الباحث علي الشعباني الذي اعتبر أن “المرأة لم تعد تتقبل العنف من الرجل كما في السابق، بل أصبحت في أحيان كثيرة هي المبادرة للاستقواء على الرجل وتعنيفه”.

ويعتبر العنف ضد الرجال من المواضيع المغيبة في البحوث الاجتماعية والنفسية وعن حوارات الأسر والمجتمعات العربية وهو من المواضيع التي ظلت ضمن المسكوت عنه على مدار عقود لأسباب ثقافية ارتبطت بالوعي العام وبالعادات والتقاليد وبالمبادئ الذكورية الطاغية في هذه المجتمعات.

وبدأت مسائل العنف ضد الرجل خاصة من طرف الزوجة تثار اليوم في الدراسات وفي الإعلام وفي غير ذلك من وسائل الاتصال نظرا لأهميتها ما جعل العديد من المؤسسات الرسمية إلى جانب الباحثين والخبراء ينكبون على دراستها لتحديد دوافعها وتداعياتها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: