توجس في الجزائر من إرساء عدالة الغالب على المغلوب
صعّد القضاء الجزائري من وتيرة ملاحقة رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة خلال الآونة الأخيرة، في أجواء تسودها التساؤلات حول خلفية ودلالات الحملة المفتوحة منذ عدة أسابيع، وتجسدت بشكل واضح بعد إحالة رئيسي الحكومة السابقين أحمد أويحي وعبدالمالك سلال، إلى الحبس المؤقت في انتظار محاكمتهما بتهم فساد.
وجاء قرار حبس الرجلين في سياق استفهامات عميقة في الشارع الجزائري، حول مآلات رجالات نظام بوتفليقة، في ظل الحملة التي يقودها القضاء الجزائري، بإيعاز من المؤسسة العسكرية، مما يطرح مخاوف من فرض عدالة الغالب على المغلوب، بعد أن حسم العسكر معركة التوازنات لصالحهم، وسقوط نظام بوتفليقة تحت ضغط الحراك الشعبي.
وينظر كثيرون لحملة المحاكمات والاعتقالات التي تقوم بها السلطة الجديدة في الجزائر ضد رجال بوتفليقة على أنها تتعامل معهم كـ“قرابين” للحركة الاحتجاجية لكسب ودها، وفي الوقت نفسه تعدّ بمثابة “اجتثاث” لرموز النظام السابق في إطار “صراع بين العُصب” داخل السلطة.
وتتوقع مصادر متابعة لتطورات الوضع الجزائري، أن تمتد أيادي الحساب إلى العشرات من المسؤولين الكبار ورجال الأعمال وحتى السياسيين والإعلاميين، خلال الأيام القليلة القادمة، حيث من المنتظر أن تطال الحملة عددا من الوزراء السابقين كعمارة بن يونس وعمار غول وبوجمعة طلعي وسعيد بركات، فضلا عن الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية علي غديري.
الشارع الجزائري رحب بسجن أويحيى وسلال، وعبر ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، عن رغبتهم في أن تمتد الحملة لتشمل كل الفاسدين في السلطة
وكانت محكمة الدار البيضاء بالعاصمة قد استمعت أمس الخميس إلى غديري وهو جنرال متقاعد من الجيش، بعدما أوقف ليل الأربعاء-الخميس وأطلق سراحه. وكانت وزارة العدل قد تقدمت بطلب رفع الحصانة البرلمانية عن نواب وأعضاء في مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) من أجل السماح بفتح تحقيقات قضائية معهم، وهي العملية التي تتطلب وقتا لاستكمال الترتيبات القانونية، كما حدث مع سعيد بركات وجمال ولد عباس وعمار غول.
وكان الدرك الجزائري قد أوقف الخميس رجل الأعمال ووكيل شركة فولكسفاغن الألمانية في الجزائر مراد عولمي، للتحقيق معه في قضايا مماثلة، لينضاف بذلك إلى محي الدين طحكوت ومحمد بايري وأحمد معزوز، وهو ما يسقط الإمبراطورية المالية لنظام عبدالعزيز بوتفليقة، رغم المزايدات التي حاول البعض القيام بها، للضغط على السلطة عبر تحريك الجبهة الاجتماعية.
ويقبع في سجن الحراش بالعاصمة، منذ عدة أسابيع عدد من رجال الأعمال المحسوبين في الغالب على بوتفليقة، كالرئيس السابق لتنظيم منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، والإخوة كونيناف، إلى جانب يسعد ربراب المحسوب على جناح جهاز الاستخبارات السابق، والمعارض للنظام السابق.
وكانت إدارة شركة محي الدين طحكوت، التي تحتكر النقل الجامعي والنقل الحضري في العاصمة، قد أوقفت نشاطها لشل نشاط النقل في الجامعات وفي العاصمة، من أجل إثارة موجة من الغضب لدى الطلبة والمواطنين، إلا أن الحكومة أجهضت المخطط قبل تنفيذه.
ويشغل القطاع الخاص الذي يستحوذ على قطاعات حساسة في البلاد، كمعامل تركيب السيارات والنقل والصناعات الغذائية، عشرات الآلاف من اليد العاملة، ولا يستبعد أن يتحول ذلك الوعاء الاجتماعي إلى بؤرة توتر تنغص مخطط السلطة القائمة، في حال تجميد نشاطها بسبب سجن ملاكها وتسريح العمال.
وكانت بعض العلامات الأوروبية والآسيوية التي تمتلك معامل تركيب في الجزائر، قد أعلنت عن توقيف عملية التسجيل لاقتناء مركبات جديدة، وإن لم يوضح معمل فولكسفاغن الأسباب الحقيقية للقرار، فإن مصير الملاك في ظل التطورات الجديدة، يلقي بظلاله على مسار الوعاء الاجتماعي للقطاع الخاص المحسوب على نظام بوتفليقة.
وفيما دافع قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، في أكثر من مناسبة، عن تحرير القضاء وحمايته من دوائر الضغط، والإسراع في فتح ملفات الفساد لاستعادة الثروات المنهوبة، تبقى الشكوك قائمة حول الأهداف الحقيقية من الحملة المفتوحة ضد رجالات بوتفليقة، في ظل القطيعة السياسية التي تكرست بينهم وبين قيادة الجيش منذ الأسابيع الأولى للحراك الشعبي، وإمكانية توظيف القضاء لتصفية حسابات سياسية بين أجنحة السلطة.
ورحب الشارع الجزائري بسجن أويحيى وسلال، وعبر ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، عن رغبتهم في أن تمتد الحملة لتشمل كل الفاسدين في السلطة، حيث تابع العشرات من الشبان رحلة الرجلين من المحكمة العليا إلى سجن الحراش، مرددين أحد شعارات الحراك الشعبي “كليتو البلاد يا السراقين (نهبتم البلد يا لصوص)”.
وعبر رئيس حركة الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو عن تحفظه على سجن أويحيى بسبب ما أسماه بـ”ضرورة سيادة القضاء على الجميع وليس قضاء الأوامر”، في تلميح إلى إيعاز القيادة العسكرية الحاكمة بفتح ملفات الفساد، دون العزل. ولفت طابو إلى أن سجن أويحيى، أمر إيجابي لأنه يمثل أحد وجوه النظام السياسي الفاسد لبوتفليقة، لكن مطالب الحراك واضحة بشأن التغيير الشامل.