أبناء المطلقين لا يتعلمون تجاوز الخلافات الزوجية
أبناء الطلاق عادة ما يتزوجون أفرادا عاشوا نفس ظروفهم الأسرية، وعلاقاتهم مع شركائهم أكثر تعقيدا من الذين عاشوا في أسر عادية.
تُجمع العديد من الدراسات على أنّ أبناء المطلقين معرضون أكثر من غيرهم للفشل والطلاق في علاقاتهم العاطفية قياسا بغيرهم من أبناء الأسر المتماسكة التي لم يكن مصيرها التفكك. وتقول دراسات حديثة إن نسبة نجاح أبناء المطلقين في علاقاتهم تشهد زيادة بالرغم من أن احتمالات طلاق أبناء المطلقين مازالت مرتفعة، ويؤكد الباحثون أن من لم يعش تجربة الاستقرار الأسري وتجاوز الخلافات الزوجية من الصعب أن يصر على تجاوز خلافاته مع شريك حياته عندما يكبر.
تؤكد دراسات حديثة أن الأجيال في نفس العائلة يمكن أن تتوارث عدم الاستقرار الزوجي، وتقول أحدثها إن نسبة انتقال ذلك أصبحت أقل مما كانت عليه في السابق.
ويمكن أن يشكل الطلاق حياة الأجيال القادمة من نفس الأسرة وأن يمتد في الأسر لأكثر من قرن. يقول عالم اجتماع بجامعة ولاية يوتا، نيكولاس ولفينغر، إن الباحثين كانوا على دراية بوجود علاقة بين طلاق الوالدين وطلاق أطفالهم وأحفادهم.
وبينت دراسة أشرف عليها ولفينغر في التسعينات أن أبناء الطلاق عادة ما يتزوجون أفرادا عاشوا نفس ظروفهم الأسرية. وأظهرت أن هؤلاء الأزواج هم أكثر عرضة للطلاق من غيرهم. ويستشهد الباحثون بنصيحة الأب لابنه عندما يقول له “احذر أين تسير”، فيرد عليه الابن قائلا “احذر أنت يا أبي فأنا اتبع خطاك”.
بعد طلاق والدي جاستن لانج، تزوجت والدته في مرتين أخريين وتزوج والده ثلاث مرات. يبلغ جاستن حاليا 37 سنة، وهو متزوج، ويعيش مع زوجته وطفليه. ويرى أن سعادته الحالية نتجت عن إتباعه عكس المثال الذي طبقته عائلته. تجنب لانج تكرار أخطاء علاقة والديه وبقي زواجه ناجحا ومتينا. بالرغم من أن مجموعة من الأبحاث أثبتت أن الطلاق يتواصل عبر الأجيال في كثير من الأحيان.
ويشير ولفينغر إلى أن الباحثين يتوقعون وجود عوامل معينة تزيد من احتمال الطلاق؛ تقول النظريات إن أطفال الطلاق لا يتعلمون الالتزام ومحاولة العمل معا لإصلاح المشاكل وترميم التشققات في الزواج. ويوضح ولفينغر هذه الفكرة مذكرا في حديث لمجلة ذي أتلانتيك الأميركية، بأن كل الأزواج يتخاصمون “إذا بقي والداك معا، فستدرك أن جل هذه الأمور ليست قاتلة للزواج، إذا ترعرعت في عائلة فرقتها المشاكل، فلن تتعلم ذلك الدرس، وستكسر عقد الزواج في أول خصام حقيقي”.
زوال وصمة العار تجاه الطلاق زاد عدد أطفال الطلاق، واختار أزواج الطلاق لمواجهة قضايا فضّل الأزواج في الأجيال السابقة العيش معها
ويظهر علم الوراثة بعض العوامل التي يمكن أن تزيد من عبور الطلاق عبر أفراد الأسرة الواحدة. وضع ولفينغر مثال شجرة عائلة تمتد العدوانية عبر أجيالها مشيرا إلى أن البعض يحمل سمات شخصية سلبية، وتبقى بعض مكونات الشخصية وراثية بحتة. ويوضح “إذا كنت شخصا عدوانيا وأنهت شخصيتك زواجك، فمن المرجح أن يكون ابنك قد ورث بعض من خصالك التي تزيد من احتمال طلاقه في المستقبل، لينهي زواجا أنتج طفلا سيواصل امتداد هذه الحلقة”.
بعد فشل علاقة الزواج، من المرجح أن يكون الآباء غير حاضرين في حياة أطفالهم. وغالبا ما تمنح الحضانة القانونية للأم في غالبية دول العالم.
وأظهر بحث حول تداعيات الطلاق على الأبناء وخاصة البنات أجرته ليندا نيلسون، وهي أستاذة في جامعة ويك فورست، أن غياب الأب يضر بنتائج الفتيات الدراسية وكذلك بصحتهن البدنية، ثم حياتهن العاطفية التي من المرجح أن تنتهي بالطلاق.
وتقول نيلسون إن الآباء يساعدون بناتهم على بناء ثقتهن بأنفسهن. وتخدمهن هذه الثقة عند اختيارهن لشركائهن. وتحاول الفتيات اللاتي يكبرن دون آبائهن إشباع هذا النقص بسرعة مع أول رجل يبدي إعجابه بهن، وتعتبر هذه وصفة لوقوع كارثة في حياتهن العاطفية.
ولا يقتصر تأثير فراق الأب على الفتيات، إذ يكبر الأبناء الذين ترعرعوا في أسرة تتكون من أمهم فقط ولديهم نوع من الاختلال في التوازن النفسي والسلوكي، وقد يعزفون عن الزواج لعدم رغبتهم في أن يمر ابنهم بما عاشوه.
ويرجح الباحثون أن نسبة فشل زواج أطفال الطلاق أصبحت أقل مما كانت عليه، بالرغم من أنها مازالت مرتفعة. وعندما أصبح الطلاق أكثر شيوعا، بدأت وصمة العار الاجتماعي المرتبطة به تتلاشى. كان العار أو الخوف من الإحساس به معرقلا لمهارات الأطفال الاجتماعية بطريقة تؤدي إلى زيادة احتمال الطلاق في وقت لاحق من الحياة. في هذه الأيام، لم يعد أطفال الطلاق منبوذين، وأصبحوا بالتالي أكثر قدرة على كسر سلسلة الزواج الفاشل.
لكن زوال وصمة العار زاد من عدد أطفال الطلاق، فعندما أصبحت فكرة إنهاء الزواج أكثر قبولا، اختار العديد من الأزواج الطلاق لمواجهة قضايا فضّل واختار الأزواج في الأجيال السابقة العيش معها.
ويؤثّر طلاق الوالدين على نظرة الأطفال لمسألة الزواج. لا يريد بعض هؤلاء الأطفال الزواج عندما يكبرون رغم تطور أسباب الطلاق مع مرور الزمن.
وبيّن كتاب بعنوان “الإرث غير المتوقع للطلاق: دراسة بارزة على مدار 25 عاما”. صدر في العام 2000، أن مشكلات الطلاق لا تظهر حتى سنوات المراهقة أو مرحلة الرشد. وقدمت من خلال هذا المؤلف جوديث وولرشتاين، التي كانت حينها أستاذة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، مع زملائها دراسات تفصيلية تظهر تعرض معظم الراشدين الذين كانوا أطفال طلاق لمشكلات نفسية خطيرة، مثل الاكتئاب ومشاكل في العلاقات العاطفية.
وأكّد علماء نفس عالجوا عددا من أطفال الطلاق أن علاقاتهم مع شركائهم تبقى أكثر تعقيدا من الذين عاشوا في أسر عادية. ويواجه الأشخاص الذين انفصل آباؤهم وهم صغار في العمر صعوبة في تكوين العلاقات العاطفية والمحافظة عليها عندما يصلون إلى مرحلة الشباب.
هل يستطيع أطفال الطلاق فعل أي شيء لتحسين احتمالات نجاح زواجهم؟
يقرّ ولفينغر أن نصيحته لأبناء الطلاق لا تختلف عن توصياته لأي زوجين. وينصح قائلا “تعلم كيفية استبدال الصراع السلبي بتفاعلات إيجابية”.
ويقول الأستاذ المختص في علم النفس بجامعة ميامي، برايان دوس، إن علاج الأزواج النفسي يساعد أيضا في تجاوز محنة الطلاق وفي إنجاح العلاقة الزوجية لأبناء الطلاق مثلما لغيرهم من الأزواج. وتشير الأبحاث إلى أنه حل فعال لجميع الأزواج وليس مقتصرا على أطفال الطلاق، فهو يحسن التواصل بين الطرفين ويساعدهما على مناقشة خلافاتهما بهدوء وعقلانية.
ويحمل لانج وجهة نظره الخاصة حول كيفية الحفاظ على الزواج. ويقول “قد تشعر بالانزعاج إزاء أي شيء. ولكن، هل سيدوم هذا العامل؟ دع الأمور الوقتية تمر وركز على الزوايا المهمة”.