سعيد امزازي وزير مغربي تلتف حوله حبال التعليم المتشابكة

تلبية لطموحه السياسي التحق بحزب الحركة الشعبية لتسهيل انتقاله من الفضاء الأكاديمي إلى ساحة تدبير الشأن العام، ومن رئيس لجامعة محمد الخامس بالرباط وعميد سابق بكلية العلوم طار إلى منصب وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، منذ يناير 2018. ورغم أنه عضو اللجنة الوطنية للاعتماد وتنسيق التعليم العالي واللجنة التحضيرية للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، إلا أنه اليوم محاصر بملفات القطاع الحارقة.

موالاة جماعات الضغط

طريقة تواصل سعيد امزازي ذي الـ54 عاما يعتبرها البعض لا ترقى إلى المستوى المطلوب، فقد انعكست على مردودية مفاوضاته مع الأساتذة والطلبة، ولم يستطع ردع جشع أصحاب المدارس الخصوصية، كما استمات في دفاعه عن تدريس المواد العلمية بالفرنسية الذي جلب له الكثير من الانتقادات بأنه موال لمجموعات الضغط الفرنسية.

وانطلاقا من خلفيته العلمية تقلد امزازي منصب عميد كلية العلوم التابعة لجامعة محمد الخامس-أكدال من سنة 2011 إلى سنة 2014 وعيّن نائب عميد مكلف بالشؤون الأكاديمية بالكلية نفسها قبل ذلك، وعضوا في اللجنة الوطنية للاعتماد وتنسيق التعليم العالي واللجنة التحضيرية للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، إضافة إلى عدة مهام تكوينية ومنسقا لعدد من التخصصات بالجامعة المغربية وعضويته لعدد من اللجان.

جاء امزازي من الفضاء الجامعي حاملا لرؤية يقول إنها إصلاحية، لكن لا يُعرف إلى أي حد يتفق هذا مع من يرى أن إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب يتطلب الاعتناء بما هو اجتماعي ثقافي واقتصادي، فأي عملية إصلاحية تفرض بالضرورة تنمية اجتماعية، اقتصادية وفكرية على كافة المستويات دون تمييز مناطقي أو نوعي.

ويعتبر أكثر من مهتم بالعملية التعليمية. إن قانون الإطار الذي تشرف عليه وزارة امزازي وتعمل الحكومة على تمريره، قد يعصف بمجانية التعليم وضرب التعليم العمومي بإعطاء فرص للاستثمار في التعليم الخاص وهو تكسير لمبدأ تكافؤ الفرص.

الانتقادات التي توجه إليه رد عليها امزازي مؤخرا بأن أطلق رسميا عملية “من الطفل إلى الطفل”، تحت شعار “لنعمل جميعا لضمان الحق في التمدرس”، بشراكة مع اليونيسيف ودعم مالي من كندا

كسياسية معنية بالشأن العام تؤكد نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، أن محاولة تمرير القانون الإطار 17.52 تسعى إلى الضرب في المدرسة العمومية، ودق آخر مسمار في نعش التعليم العمومي، بداية بالتوظيف بالتعاقد.

وفي ذات الإطار انتقدت منيب سياسة الحكومة وبحثها عن الحلول الترقيعية التي شكلت أحد العوامل في استفحال أوضاع القطاع التعليمي كما هو الحال بالنسبة لأوضاع الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، معتبرة أن أسلحة الدمار الشامل توجه إلى المدرسة العمومية، والتي تعتبر المدرسة المدخل الأساس لبناء المغرب الحداثي المتقدم.

يحسب للوزير تحركاته الميدانية عندما يحضر حفل تنصيب رؤساء جامعات أو توزيع جوائز نهائي البطولات المدرسية للألعاب المدرسية، وتفقد حصص الدعم والتقوية وتدشين القاعات متعددة الوسائط بهدف تجويد تدريس مادة التربية البدنية، لكن مثل هذه اللمسات يبدو أنها لن تعجل في إنهاء مشكلات المدرسة العمومية ولا تشي بوجود خطط مستعجلة أو حتى مرحلية لإنهاء بعض السلوكيات السلبية ومنها ظواهر العنف والغش والتخريب وإلحاق الضرر بالمرفق العام.

تدريج المنظومة التعليمية

امزازي يأتي إلى السياسة من الفضاء الجامعي حاملا رؤية يقول عنها إنها إصلاحية، لكن لا يُعرف إلى أي حد يتفق هذا مع من يرى أن إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب يتطلب الاعتناء بما هو اجتماعي ثقافي واقتصادي معا
امزازي يأتي إلى السياسة من الفضاء الجامعي حاملا رؤية يقول عنها إنها إصلاحية، لكن لا يُعرف إلى أي حد يتفق هذا مع من يرى أن إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب يتطلب الاعتناء بما هو اجتماعي ثقافي واقتصادي معا

امزازي يحاول الرد على الانتقادات التي توجه إليه بالعديد من الإجراءات، كما حين أطلق مؤخرا عملية “من الطفل إلى الطفل”، تحت شعار “لنعمل جميعا لضمان الحق في التمدرس”، بشراكة مع اليونيسيف ودعم مالي من كندا، والتي تندرج في إطار تنزيل المشروع الرابع من الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 الذي يسعى إلى تأمين التمدرس الاستدراكي والرفع من نجاعة التربية غير النظامية. والهدف من العملية حسب امزازي هو تحسيس الفاعلين التربويين الخارجيين من سلطات ومجتمع مدني وكذا التلاميذ والأسر بظاهرة عدم التمدرس والانقطاع عن الدراسة، في أفق إيجاد حلول محلية لهذه الظاهرة، كما تكتسي هذه العملية أبعادا تربوية وتعليمية تتوخى تربية التلاميذ على المواطنة والمشاركة في الشأن التربوي المحلي بالتصدي لكل أشكال الإقصاء والتهميش.

ولكن ومع بداية العام الدراسي في سبتمبر الماضي، طفا على سطح وسائل التواصل الاجتماعي استعمال “عبارات دارجة” من قبيل “بغرير” و”بريوات” في الطبعات الجديدة للمقررات الدراسية للسلك الابتدائي، ما جعل الكل يستهجن موقف الوزير الوصي على قطاع التعليم، كون هذا المسلك يفتح الطريق أمام “تدريج التعليم” ليزيد من تأزيم المنظومة التعليمية. وكان مبرر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي أكثر مدعاة للسخرية عندما أكدت أن “اعتماد أسماء علم لحلويات أو أكلات أو ملابس مغربية في مقرر دراسي بهذا السلك يعود لمبررات تعليمية صرفة، اعتبرت ما يتم ترويجه تشويشا على الورش الإصلاحية التي تسعى إلى تجويد المنظومة التربوية وتحيين مردوديتها”. ويظهر أن العكس هو الحاصل مع وضع وواقع المدرسة الذي ينحدر أكثر نحو الفشل بشهادة المهنيين في القطاع.

إضرابات الأساتذة

قبل أن يلتحقوا بأقسامهم كان الأساتذة المتعاقدون، هذه السنة، قد دخلوا إضرابا مفتوحا وأعادوا تمديده، ردا على تصريحات امزازي، التي أكد فيها عدم إمكانية إدماجهم في النظام الأساسي لوزارة التربية الوطنية، وأن أي حوار سيكون على أرضية التوظيف الجهوي ضمن أطر الأكاديميات.

وسبق لامزازي في العام 2012 أن وقف أمام ثانوية “ديكارت” التابعة للبعثة الفرنسية، محتجا ومشتكيا من ارتفاع تكلفة دراسة بناته في المدرسة الخاصة بتلاميذ البعثة الفرنسية في العاصمة الرباط وصرح أنه خلال السنوات المقبلة، سنصل إلى 70 بالمئة، لكنه عندما تحمل مسؤولية الوزارة ألجم لسانه وأحجم عن الفعل المطلوب أمام جشع لوبيات المدارس الخاصة، لكن السؤال الذي يطرحه مهتمون بالعملية التربوية، هو لماذا هذا المسؤول الحكومي لا يدعم المدارس المغربية العمومية بتدريس بناته في أقسامها عوض مدرسة فرنسية التي تكلفه ميزانية سنوية مهمة تصل إلى أكثر من 9000 أورو في السنة؟ سؤال لم يستطع هو الإجابة عليه.

تبدو وصفات سعيد امزازي في معالجة مشكلات التعليم حتى الآن فاشلة قياسا إلى تفاقم أزماته وافتقاره إلى رؤية استراتيجية تقدم حلولا جادة

50 ألف أستاذ متعاقد أعلنوا إضرابا وطنيا دام شهورا، ولولا بعض المبادرات من هنا وهناك لبقي الملف عالقا ولما ذهب الوزير بعيدا في البحث عن حل ولو مؤقت لمشكلة هؤلاء، المشكلة العويصة لذلك الكم من الأساتذة تمثلت في استعصاء إدماجهم في سلك الوظيفة العمومية انطلاقا من مبدأ المساواة في العمل. ومشكلة امزازي هي افتقاره لميكانزمات التواصل الفعال المبني على حجج الإقناع وهو ما جعله يفشل في عدد من المناسبات، منها إدارة الحوار مع النقابات التعليمية وإرجاع الأساتذة الغاضبين إلى مدارسهم.

أما رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان إدريس السدراوي، فكان قد تقدم في أبريل الماضي بشكوى لدى الوكيل العام لدى محكمة النقض في الرباط، ضد امزازي، بدعوى إقدام الوزير على مجموعة من الممارسات الخارجة عن القانون، والمتمثلة في التهديد، والشطط في استعمال السلطة، وتجاوز الصلاحيات، التي خولها له الدستور، بتهديد الأساتذة بالطرد، بناء على ممارستهم حقهم في الإضراب.

صراعات متجددة

بعد تجريب تكتيكاته التدبيرية لمحاولة احتواء ملف الأساتذة المتعاقدين الذين يطالبون بإدماجهم في سلك الوظيفة العمومية، دخل امزازي في صراع طويل مع طلبة الطب والصيدلة الذين واجهوه بإضرابات متتالية إلى حد الساعة لحل مشكلة السنة السادسة طب الأسنان، ومشكلة الإقامة والامتحان التأهيلي، ما يهدد بإفراغ السنة الدراسية من محتواها وغلق باب الامتحانات.

وقد صعد طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان ضد امزازي، باستمرار إضرابهم بعدما أكد أن بعض مطالب هؤلاء غير مشروعة، رغم دعوته إياهم إلى اجتياز الامتحانات، لكن هؤلاء أكدوا أنهم ماضون في مقاطعة الدراسة والامتحانات والتداريب إلى حين الاستجابة لمطالبهم.

وحذّر طلبة الطب والصيدلة الذين يخوضون إضرابا مفتوحا عن الدراسة وعن التداريب منذ 25 مارس الماضي، من تدهور وضع كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، بسبب “انحياز الوزارة إلى القطاع الخاص”، مشددين على ملفهم المطلبي الذي يؤكد على التوقف عن الاستعانة بالطلبة الأطباء الذين يدرسون في السنة السادسة، لسدّ النقص الذي تعاني منه المستشفيات الجهوية.

أزمة امزازي وهؤلاء الطلبة أدخلت على الخط آباءهم وأمهاتهم أيضا، مستنكرين ما وصفوها بـ”سياسة الآذان الصماء والهروب إلى الأمام التي تنتهجها وزارة التعليم في شخص سعيد امزازي، وانحيازها الكامل إلى جماعات ضغط كليات الطب الخصوصية، في تجاهل تام للمطالب المشروعة والأساسية للطلبة، وعلى رأسها حل مشكلة السنة السادسة طب الأسنان، ومشكلة الإقامة والامتحان التأهيلي”، محذرين من “مغبة الدخول في أي إجراءات انتقامية ضد الطلبة داخل الحرم الجامعي أو خارجه، أو التطاول عليهم بسبب نضالاتهم ودفاعهم عن الطب العمومي والجامعة العمومية”.

استقطاب مفتوح

Thumbnail

لأن الجامعات المغربية مازالت تحتل مراتب متدنية جعلتها في قاع التصنيف الدولي للجامعات العالمية، ولإظهار المشكلات المستعصية داخل تلك الجامعات كشف امزازي إحصائيات مثيرة متمثلة في أن 25 بالمئة من الطلاب الجدد في كليات الاستقطاب المفتوح، أي الحقوق والآداب والعلوم، لا يجتازون امتحانات الأسداس الأولى من السنة الجامعية الأولى في مسارهم الدراسي، وأن 43 بالمئة من الطلاب يغادرون الجامعات دون الحصول على أي شهادة جامعية، سواء كان دبلوم الدراسات العامة أو شهادة الإجازة.

هذا الهدر الخطير، حسبما وصفه الوزير يرجع إلى ثلاثة أسباب رئيسية؛ الأول، انعدام التوجيه في ولوج كليات الاستقطاب المفتوح، فالطالب بعد حصوله على شهادة البكالوريا يسجل في أي شعبة يشاء دون أي توجيه، أما السبب الثاني فهو المستوى العلمي المنخفض والذي يحول دون إنهاء الطالب سنوات الدراسة بالجامعة، والسبب الثالث يتعلق بتدني المستوى اللغوي، ذلك أن 70 بالمئة من الطلاب الذين يختارون شعبا تتطلب اللغة الفرنسية، مثل الاقتصاد أو العلوم، مستواهم في اللغة وفق الإطار الأوروبي المرجعي الموحد لا يتعدى مستوى مبتدئ (A1). وكمحاولة إجرائية للحد من هذه الظاهرة طالب المسؤول الحكومي بإحداث آلية للتوجيه التربوي للحاصلين على شهادة البكالوريا، إذ لا يمكن أن نسمح لأي طالب بالتسجيل في أي شعبة يشاء، بل بناء على شروط محددة، كما دعا إلى حوار من أجل حل مشكلة (لغة التدريس) بين التعليم الثانوي والتعليم العالي، وأوضح أن الذين يواجهون مشكلة اللغة الفرنسية يختارون التسجيل في شعب لا تتطلب تلك اللغة، ما يؤدي إلى الاكتظاظ خصوصا في كليات الحقوق.

ومعلوم أن امزازي من المدافعين عن تدريس العلوم باللغة الفرنسية في الجامعات المغربية، وهو ما جعل الأستاذ الجامعي تاج الدين الحسيني يقول إن اللغة الفرنسية أصبحت عاجزة عن تلبية الحاجيات العلمية داخل الجامعة المغربية، مبرزا ضعف الاهتمام بالبحث العلمي في الجامعات المغربية، كما اعتبر أن الثانويات المغربية تنتج تلاميذ غير مؤهلين ومكونين بشكل جيد، من أجل الالتحاق بالجامعة.

عدو الحرية الأكاديمية

Thumbnail

إضافة إلى ضعف التكوين بالجامعات استفحل العنف بالفضاء الجامعي ما دفع امزازي إلى توجيه مذكرة لرؤساء الجامعات من منع أنشطة الفصائل الطلابية، موضحا أن هناك من يسعى منذ مدة إلى استغلال الحرية الأكاديمية والثقافية داخل الحرم الجامعي من أجل التشويش على الفضاء الجامعي من خلال زرع أفكار تزيغ عن مبدإ الاختلاف وقيم الديمقراطية التي طالما كانت الجامعة خير مدافع عنها، مما يتسبب في إثارة زوابع إعلامية وفي حدوث مشادات ومواجهات بين الطلبة.

أتى الرد سريعا من رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، عمر عزيمان، الذي دعا إلى بيئة جامعية محررة للطلبة والأساتذة، في تقريره حول “التعليم العالي في أفق 2030”، وتوثيق صلة الطلبة بتنمية الحياة الجامعية، عبر تثمين الأنشطة السوسيوثقافية والرياضية ودمجها في المناهج وذلك بحسب آلية اكتساب وإحداث مركبات وفضاءات حياة للطلبة.

ومن جهتهم وجه برلمانيون سؤالا إلى وزير التربية الوطنية بشأن مذكرته، معتبرين أنه كان عليه التدخل من أجل التعامل مع بعض الحالات الشاذة والمعزولة التي تعتمد العنف كآلية وحيدة لتدبير الاختلاف في الرأي، بدل منع التظاهرات العلمية والثقافية. وفي المقابل شددت الوزارة “لن نسمح باستغلال سماحة الطلبة وإدارات المؤسسات لممارسة العنف أو مناهضة التعدد الثقافي والفكري، باعتبار الجامعة قلعة فكر ومنار علم ومنبرا لحرية الرأي وذلك في احترام تام للقوانين والتشريعات المعمول بها”.

وتبدو وصفات سعيد امزازي في معالجة مشكلات التعليم حتى الآن فاشلة قياسا إلى تفاقم أزماته وافتقاره إلى رؤية استراتيجية تقدم حلولا جادة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: