كلمة السياسي الحاقدة كرصاصة الإرهابي القاتلة

لجميع تقريبا يتغافل عن عامل مهم يتمثل في المخاطر التي يمكن أن تسببها الكلمة أو التصريح الحاقد وغير المسؤول الذي يصدر عن السياسي أو عن رجل الدين أو الإعلامي.

تجمع جلّ البحوث المتعمقة في دراسة مقاربات الإرهاب والتطرف على أن الخطابات المتشددة سواء كانت صادرة عن الجماعات الإسلامية أو عن الجماعات اليمينية المتطرفة الغربية هي نتاج بالضرورة لتفشي لغة الحقد والكراهية داخل المجتمعات بدفع من أطراف تتبنى سياسات أو أيديولوجيا معادية للآخر على أساس اللون أو العرق أو الدين.

ورغم أن جلّ الدول أو الهيئات المختصة في مكافحة التطرف، تدين عند وقوع أي حادثة إرهابية، رصاصات الغدر التي تطلقها أصابع الإرهابي منفّذ العملية، فإن الجميع تقريبا يتغافل عن عامل مهم يتمثل في المخاطر التي يمكن أن تسببها الكلمة أو التصريح الحاقد وغير المسؤول الذي يصدر عن السياسي أو عن رجل الدين أو الإعلامي والذي بإمكانه أن يتحوّل بسرعة قياسية إلى رصاصة قاتلة.

ولئن يدرك جل العارفين بخبايا الجماعات المتطرفة خطورة هذا المعطى الأخير الذي ساهم في انتشار وباء خطابات الكراهية، إلا أن الحلول بقيت غائبة مع عدم التوجه نحو إرساء تشريعات  تقضي على كل من يحاول تسريب خطابات معادية للآخر.

في هذا الصدد، ركزت دراسة صادرة عن وحدة الرصد الإيطالية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، جاءت تحت عنوان “خطاب الكراهية ودوره في صناعة التطرف في إيطاليا”، على أسباب التطرف وأدواته.

وتطرقت الدراسة إلى الانزلاقات القادرة على تحويل الكلمة إلى محفّز يغذّي التطرف بمختلف مرجعياته.

وقالت الوحدة “ندرك أن الرصاصة إن لم تقتل فإنها تُصيب هدفها بجرح غائر يترك ندبة وقصة ومأساة على مدار الأيام والسنين، إلا أن البعض ربما يغفل أو يتغافل عن أنواع أخرى من الرصاصات التي لها نفس الأثر وتحدث نفس المأساة، وأن الكلمة مكتوبة كانت أم مقروءة، مسموعة كانت أم مجسدة في مشهد أو عبر لغة الجسد، تماما مثل تلك النظرات التي تتفحص الإنسان في صورة من صور العجرفة أو الاستعلاء”.

وأضافت “الرصاصات التي تخرج من فوهة أسلحة الإرهابيين الخارجين على القانون، هي رصاصات غدر وخيانة، رصاصات الإرهاب الأسود الذي لا يفرق بين دين أو لون أو جنس، ولا يرحم صغيرا أو شابا أو امرأة.. أما تلك الرصاصات التي تقتل ببطء، عبر قلم كاتب أو تصريح لشخص يطمع في منصب جديد هنا أو هناك، فإن محاربتها تتركز بالأساس على واجب رجال التشريع في سن القوانين التي من شأنها أن تحفظ للجميع حياة كريمة”.

وأردفت الدراسة “ربما يتساءل البعض قائلا: وهل الكلمة تقتل حقا؟ نصدق بالفعل أن رصاصات الإرهاب تقتل، ولكن كيف يَقتل قلم الكاتب وتصريح السياسي؟ وكيف تساهم مواقع التواصل الاجتماعي في إشعال الفتن وإزهاق هذه الأرواح البريئة؟”.

خطاب الكراهية ضد الآخر يشكل أحد دوافع التطرف، الكلمة التي يُلقيها السياسي المتطرف، مثلها مثل الرصاصة التي تخرج من سلاح الإرهابي

وفي دراسة صادرة عن معهد الدراسات السياسية الدولية ISPI أوضح المعهد مصطلح التطرف على النحو التالي “إن التطرف يستخدم على نطاق واسع لوصف الديناميكيات المتعلقة بمجال العنف السياسي”.

وصاغ تشارلز إي ألن، أحد أكثر هذه التعريفات اكتمالا للمصطلح، والذي يحتوي أيضا على العديد من العناصر التي يستخدمها خبراء آخرون. وفقا لتشارلز إي ألن، التطرف هو “العملية التي يتم من خلالها تبني نظام متطرف من القيم، بما في ذلك الرغبة في استخدام أو دعم أو تسهيل العنف كوسيلة للتغيير الاجتماعي”.

وفي ذات الصدد، أشارت دراسة إيطالية إلى أن التطرف في إيطاليا، كما هو الحال في جميع البلدان الأوروبية، يعزى إلى التطرف اليميني واليساري، وإلى القومية والانفصالية العرقية وغيرها من أشكال التطرف.

وتابعت “أن خطاب الكراهية ضد الآخر يشكل أحد دوافع التطرف، فإنَّ الكلمة التي يُلقيها السياسي المتطرف أمام الحشود، مثلها مثل الرصاصة التي تخرج من سلاح الإرهابي، وأن العاطفة هي أحد المحركات الرئيسية وراء العديد من عمليات القتل، فإنَّ السياسي المتطرف في خطابه وسلوكه هو العقل المدبّر لتلك المأساة وأحد أهم أركان هذه الجريمة”.

وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي اليميني ماتيو سالفيني، في تصريح له بمؤتمر صحافي بمدينة بينتسولو بمقاطعة ترينتو “إن التطرف الوحيد الذي يجب الحذر منه هو الإسلامي”، وذلك على خلفية الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا في 15 من مارس من العام الجاري 2019 وراح ضحيته 50 شهيدا.

وقالت الوحدة، إن كانت المجتمعات تدين الإسلام مع كل حادثه يقوم بها منتسبون للدين، حتى وإن كانوا غير ممارسين لشعائره وغير ممارسين لطقوسه وغير متبعين لتعاليمه، فلم لا تدين المجتمعات تطرف أتباع الديانة المسيحية واليهودية مع كل حادثة يقوم بها منتسبون لهذه الديانات؟ وخير مثال على هذا حادث إطلاق النار على معبد يهودي في سان دييغو كاليفورنيا الذي وقع في 27 أبريل من 2019 وأسفر عن وفاة امرأة وإصابة آخرين، ومن قبله بستة أشهر حادث آخر جاء عبر قيام مسلح باقتحام معبد يهودي في بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا خلال أداء صلوات السبت، وقتل آنذاك 11 مصليا.

ولفتت إلى أنه حتى يتم إثبات أن مثل هذه التصريحات تزيد من إشعال أعمال القتل والعداء ضد الآخر، ومنها حادث إطلاق النار الذي وقع في 3 فبراير من عام 2018 ضد مهاجرين أفارقة في مدينة ماتشيراتا الإيطالية على يد لوكا ترايني، مما أسفر عن إصابة ستة مهاجرين أفارقة، وكان لوكا ترايني مرشحا لانتخابات بلدية كوريدونيا لعام 2017 على قائمة حزب “رابطة الشمال”.

واستندت دراسة مرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب على تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية مع حلول انتخابات البرلمان الأوروبي ركز على حسابات المرشحين للمقاعد الإيطالية في البرلمان على تطبيقي فيسبوك وتويتر.

ووجدت المنظمة أن خطاب الكراهية موجه إلى الغجر والمهاجرين والأقليات الدينية. وجاء التقييم تحت عنوان “بارومتر الكراهية.. الانتخابات الأوروبية 2019” إذ تحدث عن ارتفاع وتيرة خطابات كراهية المهاجرين في إيطاليا، حيث تهيمن قضايا الهجرة والأقليات الدينية على النقاش من قبل المرشحين لانتخابات البرلمان الأوروبي.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: