تحويل الكنائس إلى مساجد محفز يغذي تطرف الإسلاموفوبيا

مراقبون يرون أن أكبر أزمات مسلمي أوروبا تتمثل في أنهم لا يستطيعون الاندماج بشكل صحيح في المجتمعات الغربية.

مثلما انكب العالم في السنوات الأخيرة على تقديم دراسات ومقاربات تفسّر الدوافع التي تجر بعض المسلمين للانتماء إلى صفوف الجماعات الإرهابية، باتت ظاهرة تشدد اليمين المتطرف بدورها من أهم الأبحاث التي تغري المفكرين والخبراء والملاحظين. وعلاوة على الأسباب الأيديولوجية والسياسية التي تدفع بأوروبا شيئا فشيئا تجاه مستنقع ومخاطر اليمين المتطرف، فإن أسبابا أخرى يتحمل مسؤوليتها أفراد من الجاليات المسلمة، الذين يمكن تصنيفهم ضمن خانة المحركات الأساسية المحفّزة للمتشددين المناصرين لأطروحات الإسلاموفوبيا المعادية للمسلمين، وآخر هذه السلوكات غير المسؤولة تجسّدت في تعمّد الجاليات المسلمة شراء الكنائس وتحويلها إلى مساجد، وهو ما يعتبره الشعبويون استفزازا صارخا لدينهم وتراثهم ويتخذونه ذريعة لمعاداة الإسلام.

تتسبب بعض التصرفات غير المسؤولة وغير محسوبة العواقب لبعض أفراد الجاليات المسلمة في أوروبا، في تعزيز خطاب الكراهية والعنف. وبدت ظاهرة شراء الكنائس وتحويلها إلى مساجد مؤخرا ورقة مميزة لليمين المتطرف الراغب في زيادة هيمنته على أوروبا عبر خلق المزيد من العداء ضد المسلمين والإذعان لخطرهم القادم حتى تبدو الإسلاموفوبيا أمام طريق ممهد للانتشار.

كشفت القضية المثارة في ألمانيا الأسبوع الماضي بشأن إقدام الجاليات المسلمة في أوروبا على شراء الكنائس المعروضة للبيع من أجل تحويلها إلى مساجد، عن سوء إدارة وتفهم المسلمين للحالة المتأججة التي يعيشها المجتمع الأوروبي بشكل عام وصعود للإسلاموفوبيا بشكل خاص.

كانت جمعية مسيحية باسم “أصدقاء الكنيسة البروتستانتية ببرلين” قد نشرت تقريرا مفصلا عن تحول عشر كنائس هذا العام في ألمانيا إلى مساجد.

وقالت الجمعية إن تلك الظاهرة ليست جديدة ولكنها متكررة ومتعمدة. ففي نهاية العام 2018، جرى افتتاح مسجد النور في مدينة هامبورغ، بعد أن اشترى مستثمر مسلم كنيسة وأهداها للمركز الإسلامي في المدينة. في حين تم شراء العديد من الكنائس وتحويلها إلى مساجد في هولندا وبريطانيا وفرنسا أيضا، ومن أبرزها جامع “الفاتح” في العاصمة أمستردام، وجامع “السلطان أيوب” في ولاية جرونينجن الهولندية، وجامع “عثمان غازي” في ولاية وييرت الهولندية بالإضافة إلى كنيسة “دومينيكان” الموجودة في مدينة ليل الفرنسية، وكنيسة “القديس يوسف” في باريس التي تحولت إلى جامع التوحيد.

وهاجمت الجمعية في نهاية تقريرها قائلة إن “ما يفعله المسلمون تصرف غير سديد”. وتعيد هذه القضية تسليط الضوء على الأزمة الكبرى التي تعيشها الجاليات المسلمة، وقد انضم إليها الكثير من المهاجرين مؤخرا وباتت على مرمى نيران اليمين الشعبوي الغاضب. ويبدو أن المسلمين ما زالوا في حالة حيرة وتخبط لفهم طبيعة المجتمعات التي يعيشون فيها. وهي مسألة ظلت دائما مصدرا للجدل.

كل هذا الجدل الذي تثيره سلوكات بعض أفراد الجاليات المسلمة والتي يرى فيها البعض أنها بمثابة الهدية المستفزة التي تحفّز على ميلاد خطابات يمينية أكثر تشددا حيال المسلمين، وتأتي بالتزامن مع ارتفاع الخطابات المعادية للمسلمين والقائمة على مفهوم الإسلاموفوبيا وكذلك مع تصعيد بعض الأحزاب السياسية الشعبوية في أوروبا من خطاباتها الرافضة لكل مهاجر أو لاجئ مسلم بذريعة التوقي من إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة.

إقدام الجاليات المسلمة في أوروبا على شراء الكنائس وتحويلها إلى مساجد، يكشف  سوء تفهم المسلمين للحالة المتأججة بعد صعود الإسلاموفوبيا

ويرى مراقبون أن أكبر أزمات مسلمي أوروبا تتمثل في أنهم لا يستطيعون الاندماج بشكل صحيح في المجتمعات الغربية. وينتج ذلك ثغرة لولوج الأفكار المتطرفة للجماعات الإسلامية والتي تصنع قنابل موقوتة من مواطنين عاديين ناقمين على الغرب. ومع شعور المسلم بأنه غير قادر على التجانس مع مجتمعه، تزداد موجات الانغلاق، التي بدورها تصنع رؤى أكثر تشددا تدعو إلى ارتكاب أفعال، حتى وإن لم تكن عنيفة، فهي مستفزة مثل تحويل الكنائس إلى مساجد.

وتكشف تقارير أمنية أن الكثير من المراكز الإسلامية في أوروبا المسيطر عليها من قبل جماعات إسلامية، تعتبر شراء كنيسة وتحويلها إلى مسجد درجة من درجات الجهاد في سبيل الله ولا تقل عن التضحية بالنفس. وتستغل الجماعات المتشددة عرض عشرات الكنائس للبيع من أجل تشجيع رجال أعمال مسلمين على شرائها ثم تعزز أوجه الغضب والكراهية بنشر صور لإزالة الصليب واستبداله بالهلال، حتى يعدو ذلك “إجلالا للدين الإسلامي”.

تعيش أوروبا عموما أزمة هوية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو كذلك على المستوى الديني والعقائدي. وتسبب ذلك في تراجع بناء الكنائس وإغلاق نحو 250 كنيسة سنويا في أوروبا مع انخفاض أعداد المترددين عليها.

تمثل قضية تغير هوية الكنيسة إلى مسجد، إحدى أكثر القضايا الحساسة على الإطلاق منذ أكثر من ألف عام بين الشرق والغرب. وقد يظن البعض أنه مع تراجع ارتباط المواطن الأوروبي بدينه المسيحي بات الأمر يسيرا، ولكن الصراعات التاريخية بين الإسلام والمسيحية طالما كانت متعلقة بمسألة الكرامة والانتصار. وتحويل المسجد إلى كنيسة أو العكس كانت رمزية لهذا الزهو ودلالة على الانتصار، وهو ما جعل رؤية أوروبي للهلال بدلا من صليب على رأس مئذنة مبنى، مسألة مثيرة للغضب حتى وإن لم يذهب ذلك الأوروبي إلى كنيسة من قبل.

يقول عمرو فاروق، وهو خبير متخصص في جماعات الإسلام السياسي، إن مسألة تحويل هوية المبنى من دين إلى آخر قضية شديدة التعقيد منذ مئات السنوات، وما زالت تلقي بظلالها حتى الآن.

عمرو فاروق: شراء الكنائس وتحويلها إلى مساجد تصرف أحمق
عمرو فاروق: شراء الكنائس وتحويلها إلى مساجد تصرف أحمق

ويوضح فاروق “ما زال المسيحيون يترحمون على كنيسة الدولة البيزنطية في تركيا، آيا صوفيا، التي حولها المسلمون إلى مسجد رغم مرور ما يقرب من 200 عام، وما زال المسلمون يترحمون على مساجدهم في غرناطة وقرطبة ومالقة وإشبيلية التي تحولت جميعها من مساجد إلى كنائس”.

ويضيف في تصريحات إن مغبة الإقدام على شراء الكنائس وتحويلها إلى مساجد تصرف أحمق، حتى لو سمح القانون بذلك أو وافق عليه أهل حي الكنيسة، لأن ذلك السلوك لا يعكس نضج المسلمين أو وعيهم”. ويتابع “إن ذلك ورقة ستوظف في وقت من الأوقات ضد مسلمي أوروبا”.

ولا يمكن عموما فصل انعزالية الجاليات المسلمة في أوروبا عن الكراهية المتصاعدة ضدهم والمدعومة بقوة من اليمين المتطرف الذي بات قريبا من حكم الكثير من البقاع في أوروبا. يعيش اليمين المتطرف على فكرة إثارة مخاوف الأوروبيين من خلال خلق عدو متربص، وتعزيز وتحفيز الكراهية والعنف عبر خطابات قومية ملفتة وملهمة تتحدث عن الدفاع عن الأرض والحماية من توغل الأجناس والأديان الأخرى لخطف القارة العجوز.

وفي ذلك السياق، يساهم المسلمون بقصد أو بغير قصد، في الترويج لأفكار اليمين بتصرفات غير محسوبة العواقب وتمهيد الطريق لتحقيق انتشار أوسع للشعبوية بتأكيد على أن التحذيرات من ابتلاع الإسلام لأوروبا ليست مجرد تأويلات محفزة.

ويؤكد على ذلك ما يستلهمه بعض المتهمين في أحداث عنف ضد المسلمين في الغرب، والذين دائما يعودون إلى التاريخ العنيف والمشحون بالكراهية بين الشرق المسلم والغرب المسيحي ولاسيما في أوقات الحروب الصليبية لتبرير أفعالهم. ويقول ديفيد جالاشر، المدان في قضية محاولة قتل مسلمة في ولاية فلوريدا عام 2015 ضمن كتيب قام بنشره على الإنترنت، إن أجراس الكنائس باتت صامتة وأبدلت بأصوات المؤذنين المسلمين، وكأنهم يرغبون في احتلالنا بعقر دارنا، وتلك الأصوات الإسلامية هي إعلان عن النصر.

في حين دوّن برينتون تارانت مرتكب هجوم نيوزيلندا، الذي راح ضحيته أكثر من خمسين مسلما، على سلاح الجريمة أسماء لعدد من المدن والمساجد التي سقطت إبان الحروب الصليبية في عكا وحيفا وكذلك بدولة الأندلس التي تحولت فيها المساجد إلى كنائس.

تعكس عموما القرارات والسلوكات التي يرتكبها البعض من أفراد الجاليات المسلمة في الغرب، المعادلة التكاملية التي تجمع المسلمين المتشددين مع اليمين المتطرف. فكلاهما وجهان لعملة واحدة يدفعان ببعضهما من أجل المزيد من الراديكالية، التي تحقق أهداف أيديولوجية وفكرية تزيد من تصدع المجتمع الأوروبي.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: