الصيف في المغرب.. استجمام لبعض الشباب وموسم رزق للبعض الآخر

باعة التين الشوكي والمشروبات الغازية والمثلجات وغيرها يتوجهون إلى الشاطئ لبيع بضاعتهم مع إضافة بعض الدراهم إلى ثمنها الأصلي.

الصيف موسم الاستجمام للشباب في المغرب الذين يسكنون في المدن الساحلية كي ينسوا عبء الدراسة والامتحانات والشغل أيضا، لكنه فصل الرزق والعمل للطلبة الذين يتحدّرون من عائلات فقيرة أو متوسطة الحال لكي يدّخروا بعض المال للموسم الدراسي القادم.

تصبح شواطئ المدن الساحلية في المغرب، خلال الأيام الصيفية الملاذ المفضل للشباب الباحثين عن الطراوة والانتعاش لمواجهة درجات الحرارة المرتفعة، في حين يستغل البعض الآخر منهم هذا الموسم لكسب الرزق وادخار مصروف السنة الدراسية.

وطيلة موسم الصيف الذي انطلق حارا هذه السنة، يفضل أغلب المغاربة التوجه إلى الشواطئ التي عادة ما تستقبل يوميا الآلاف من الأشخاص من مختلف الأعمار، وذلك من أجل الانتعاش والاسترخاء والسباحة وأخذ حمامات الشمس وممارسة الرياضة والألعاب.

وحسب أحمد بشري، أحد سكان الدار البيضاء، فإن أغلب الشباب يختارون الوجهات البحرية التي توفر لهم فرصة للاستمتاع بالسباحة.

ويستطرد قائلا “في واقع الأمر، فالشاطئ هو الوجهة المنطقية للإفلات والانعتاق من الحرارة الشديدة التي تخيم على الأجواء خلال أشهر، إذ تبلغ معدلات مرتفعة”.

العطلة للعب
العطلة للعب

وأشار إلى أن الشواطئ تعد أيضا الوجهة المفضلة للكثير من العائلات التي تزور في هذه الفترة مدينة الدار البيضاء قادمة من مختلف مناطق المملكة والسياح، مضيفا أن الأمر نفسه ينطبق على المغاربة المقيمين في الخارج الذين يعودون إلى أرض الوطن لقضاء عطلتهم الصيفية.

والملاحظ أن الشواطئ أضحت أيضا المكان المفضل لكل محبي الرياضات المائية المختلفة، والركض والمشي وممارسة كرة القدم، دون نسيان عشاق السباحة، علاوة على المتيّمين بحب الطبيعة الذين تجلبهم جمالية المشاهد والبانوراما المذهلة التي يوفرها المحيط الأطلسي.

وفي المقابل يفضل أشخاص آخرون الهدوء والسكينة اللذين توفرهما الغابات للاستمتاع بالمساحات الخضراء والمناخ المعتدل.وتقول السيدة ميسور في تصريح استقته وكالة المغرب العربي للأنباء “منذ مدة تزيد عن 5 سنوات، وأنا أرافق أبنائي وزوجي إلى هذه غابة بني ميسور في الدار البيضاء (..) ونقضي يومنا نمارس ألعاب الطاولة، دون أن نحس بمرور الوقت”.

وأضافت “في مدينة مثل الدار البيضاء، لا شيء أفضل من أخد نفس عميق من الأوكسجين في بوسكورة لإعادة شحن البطاريات” على حد قولها.

وفي المدن الداخلية البعيدة عن الشواطئ كمدينة فاس، يصبح الحر الشديد معاناة الشباب والأطفال الذين يحوّلون النوافير إلى مسابح صغيرة، وتجد فئة من الشباب ضالتها في السباحة في الوديان والأحواض والسدود المجاورة بحثا عن الانتعاش، وإن كان الأمر يحمل خطورة، لكون هذه الفضاءات إما تفتقر لشروط السلامة وإما تعشش في البعض منها البكتيريا مما يجعل مرتادها معرضا لأمراض جلدية أو أخرى فتاكة، في حين تختار بعض العائلات اللجوء إلى الفضاءات الخضراء والترفيهية التي أخذت في الانتشار بضواحي المدن الداخلية الكبرى.

ويعتبر فصل الصيف الذي يرتبط بالسفر والاستجمام، بالنسبة إلى فئة أخرى من الشباب مناسبة سانحة لمزاولة عمل موسمي يمكنهم من جني بعض النقود لتأمين دخولهم إلى المدارس.

الشواطئ أصبحت المكان المفضل لمحبي الرياضات المائية المختلفة، والركض والمشي وممارسة كرة القدم، دون نسيان عشاق السباحة

وتختلف المهن الموسمية التي يزاولها هؤلاء الشباب خلال فصل الصيف باختلاف العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والطبيعية المميزة لكل منطقة، كما تتداخل متغيرات كثيرة في تحديد نوع النشاط الممارس كالفئة العمرية وكذلك رأس المال الذي يتم استثماره.

ويقول مصطفى (26 سنة)، وهو طالب جامعي في شعبة العلوم البيولوجية، إن العمل خلال فصل الصيف يمكنه من كسب مبلغ مالي يؤمن له اقتناء بعض حاجياته خلال الموسم الدراسي المقبل، كما أنه فرصة للبقاء قريبا من شاطئ المدينة والاستمتاع بأجواء الصيف.

ويضيف مصطفى أنه أصبح يتوفر، بحكم الخبرة التي اكتسبها في هذا المجال، سنة بعد أخرى، على العديد من أرقام ملاك المنازل الذين يكافئونه بمبلغ مهم عن كل زبون يقنعه باكتراء منزل، وترتفع قيمة المكافأة كلما زادت مدة الكراء. وبمجرد الوصول إلى الشاطئ، يثير الانتباه العدد الكبير من الشباب الذين يقترحون على زوار البحر كراء الشمسيات والكراسي. ويقول عبدالعزيز، “منذ وقت مبكر من الصباح وحتى حلول الظلام، ودون ساعات عمل ثابتة، نعمل نحن المؤجرين لمعدات الشاطئ الأساسية كرجال للمراقبة والأمن. فخلال اليوم نراقب أمتعة المصطافين وفي الليل نقوم بحراسة معداتنا “.

“أعتقد أن الذين يقومون بهذا العمل هم في معظمهم شباب” تقول خديجة، وهي مستلقية على الرمل، فيما أضاف زوجها صلاح، إننا “نراهم يساعدون المصطافين بنشاط كبير، ويحرصون على تمكينهم من ظروف الاستقرار والراحة”.

ويكثر على الشاطئ باعة التين الشوكي والمشروبات الغازية والمثلجات وغيرها من المواد الاستهلاكية التي يتزايد عليها الإقبال في موسم الاصطياف، مستفيدين (الباعة) من إضافة بعض الدراهم إلى ثمنها الأصلي بمناسبة ارتفاع النشاط السياحي خلال الصيف.

ويبدو القاسم المشترك بين كل هؤلاء الشباب هو فخرهم بعملهم، حيث تلمس من طريقة كلامهم نوعا من العزيمة والإصرار والشعور بالرضى والاعتماد على النفس من أجل توفير مبلغ يكفيهم لسد حاجياتهم التي تختلف من شخص إلى آخر، سواء تعلق الأمر بواجبات الكراء بالنسبة للطلبة الذين يتابعون دراستهم في مدن أخرى أو اقتناء الكتب ومستلزمات الدراسة.

ولا تقتصر هذه الأنشطة على الذكور وحدهم، بل تمتد لتشمل العنصر النسوي، حيث تتفنن “النقاشات” في تزيين أيادي الوافدين على الشاطئ.

وفي هذا الصدد اعتبر محمد المعزوز، وهو باحث في الأنثروبولوجيا، أن علاقة المهن المدرسية بتمويل الدخول المدرسي تكتسي بعدا اجتماعيا إيجابيا، يرسخ عمق التضامن والتحمل المشترك للأعباء داخل الأسرة الواحدة.

وأضاف الباحث أن هذه الظاهرة تعبّر عن عمق ثقافي مغربي يدخل في إطار التكافل عن طريق التشارك في تحمل المسؤولية، مبرزا أن هذه المزية لها بعد أساسي في تقوية التنشئة الاجتماعية لهذه الشريحة التي رسخت روح المسؤولية لدى الأطفال واليافعين.

سباحة ومغامرة
سباحة ومغامرة

وأشار إلى أن هذه الفئة تستفيد من هذا العمل الموسمي على أكثر من واجهة، من خلال اكتساب تجربة واقعية من المجتمع، وروح الاعتماد على النفس والثقة في الذات في علاقتها بطموحها وعلاقتها بالمجتمع وبالمستقبل.

ومن جانبه قال عمر الكتاني، أستاذ التعليم العالي في الاقتصاد، إن المهن الموسمية تعتبر بالنسبة لهذه الفئة المجتمعية النشيطة مفرا من العديد من المخاطر التي تحيط بالشباب والتي من شأنها أن تؤثر على مسارهم في الحياة واندماجهم في المجتمع.

ويتمنى حميد، بائع متجول، أن تستمر حرارة الصيف إلى شهر سبتمبر حتى يستمر في العمل، لقد “اعتدت منذ صغري على البقاء بشاطئ المهدية من يونيو وحتى الأسبوع الأول من سبتمبر لبيع وتأجير المعدات اللازمة للشاطئ”، مضيفا “أتمنى هذه السنة أن يستمر نشاطي إلى أطول مدة ممكنة، فاستمرار درجات الحرارة والشاطئ ممتلئ يجعل عملي متواصلا ما سيساعدني على توفير نفقات عائلتي بعد الدخول المدرسي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: