الجزائر: نحو أزمة اقتصادية خانقة
عودنا النظام الجزائري وخاصة مع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على سياسة الهروب إلى الأمام حتى لا نقول سياسية التعفين الشامل. فبدلا من تشجيع وخلق الثروة في المصانع والحقول ومجالات التكنولوجيا الرقمية وغيرها، كان النظام يخلق الثروة الوهمية عن طريق طبع الأوراق النقدية عابثا بالاقتصاد الوطني وسجنه في مجال المحروقات. ولا يزال النظام متماديا في تجاهل المأزق الذي تسير نحوه البلد رويدا رويدا في غياب رئيس جمهورية فعلي، وضعف المؤسسات برمتها، وازدياد غضب الجزائريين وخروجهم المستمر إلى الشارع. فكأن السلطات العسكرية الجديدة غير واعية تماما بخطورة الوضع، إذ لا تعير اهتماما كبيرا للأرقام الاقتصادية التي تشير بوضوح إلى أن البلد ذاهب إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة قد ترهن مستقبله لعشريات قادمة. وهو ما أشار إليه معهد الدراسات الفرنسية “كسيرفي” بوضوح “اقتصاد الجزائر يحتضر إلى درجة أنه لا يجب التساؤل عمّا إذا كان سيتهاوى أم لا، بل التساؤل متى يتم ذلك؟”.
فمنذ السداسي الأول من سنة 2017، بدأت تنخفض بشكل مخيف كميات المحروقات المصدرة، المعبر عنها بـ”طن النفط المكافئ (ط.ن.م)”. واستمرت في الانخفاض خلال السداسيين المواليين، متدحرجة من 96.54 مليون (ط.ن.م) في أول سداسي 2017، إلى 27.53 مليون (ط.ن.م) في السداسي الثاني من نفس السنة، وإلى 15.52 مليون (ط.ن.م) في السداسي الأول من سنة 2018. ويشير البنك المركزي الجزائري إلى أن وتيرة الانخفاض قد تسارعت لتصل إلى 7.47 مليون (ط.ن.م)، وهو انخفاض بنسبة 5.8 بالمئة مقارنة بالسداسي الأول من سنة 2018.
وإذا ما ترجمت هذه الأرقام والنسب إلى لغة يومية، فهي تقول بفصاحة إن إنتاج البترول الجزائري يتناقص بشكل خطير وقد يصبح في قادم الأيام غير قادر على ضمان المال الذي يسد احتياجات البلد، كما كان الحال دائما باعتباره جالب العملة الصعبة الأوحد. في كلمة واحدة ستعيش الخزينة إفلاسا وشيكا كما يدل انخفاض احتياطي الصرف المستمر. ومع ذلك لم تتخذ السلطات العسكرية الجديدة أي إجراء وهي التي تعرف، وربما لا تعرف، بأن عائدات المحروقات لم تتجاوز 40 مليار دولار منذ 2017. وهو مبلغ غير كاف لتمويل احتياجات الجزائريين اليومية. ويظهر ذلك التأثير السلبي في غلاء المعيشة المتزايد يوما بعد يوم بسبب انهيار القدرة الشرائية لقطاعات واسعة من الشعب الجزائري.
وما زاد الطين بلة هو الأزمة السياسية المتواصلة التي تعصف بالبلد منذ أكثر من 3 أشهر وتعطل ما تبقى من الحياة الاقتصادية بعد أن سجن بعض أربابها وخوف غيرهم من اللحاق بهم في أيّ لحظة. ولكن السلطات الحالية غير مكترثة بهذا الوضع الاقتصادي المزري، وإلا ما سبب وقوفها تتفرج على استمرار الانهيار دون أن تفكر بل وتماطل في الإسراع في إيجاد حل توافقي يخرج البلد من المأزق السياسي، ليتفرغ الجميع للبحث عن مخرج معقول للأزمة الأكثر خطرا على مستقبل البلد والتي تتعلق بقوت الجزائريين.
يتشدق رئيس الأركان، أحمد قايد صالح، بحماية الأمن الوطني ناسيا الأمن الاقتصادي الذي هو أساس كل أمن. إذ كلما طالت مدة الانسداد السياسي، كلما تدحرج البلد نحو الهاوية وتعقد الوصول إلى حلول آمنة. من دون إصلاحات جذرية، كيف يمكن أن يواجه البلد التحديات الخارجية والضغوطات الاقتصادية العالمية؟
ودون الإسراع في إيجاد عقد اجتماعي حقيقي ستنفجر الأوضاع، وفي المرة القادمة ليس من أجل المطالبة بالديمقراطية، إنما من أجل الرغيف وسوف لن يبتسم من خرج إلى الشارع جائعا ولن يكتفي برفع الشعارات وإطلاق الأهازيج.