صفقة القرن تبدد حلم الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة
سيطرح البيت الأبيض الجزء الأول من خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي طال انتظارها في مؤتمر بالبحرين أواخر يونيو الجاري، حيث سيكشف شقها الاقتصادي فيما تبقى القضايا السياسية الشائكة والتي تمثل جوهر الصراع عالقة، ويتمسك الفلسطينيون برفضهم لخطة السلام الأميركية، في حال لم توفر الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية المتمثل بإقامة دولة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
يرى الفلسطينيون والساسة العرب أن المخطط الأميركي لوضع نهاية للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي لا يزال في شكله غير النهائي بعد مرور أكثر من عامين على الكشف عنه، هو خطة لتصفية القضية الفلسطينية.
ورغم عدم الكشف عن الإطار العام للخطة المعروفة إعلاميا باسم “صفقة القرن” والتي يديرها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره في البيت الأبيض على وجه الدقة حتى الآن، فإن مصادر فلسطينية وعربية تم إطلاعها على مسودة الخطة تقول إن كوشنر تخلى عن فكرة حل الدولتين التي كانت تمثل الصيغة الأميركية والدولية المقبولة لإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين إلى جانب إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
والآن، وبعد سلسلة من التأجيلات، تعتزم واشنطن عقد اجتماع رسمي أول للكشف عن المقومات الاقتصادية للخطة في ورشة عمل “السلام من أجل الازدهار” التي تعقد خلال يونيو في البحرين في مؤتمر يستهدف تسويق خطة السلام الأميركية.
وتواجه الخطة الأميركية احتمال تأجيلها بسبب الاضطرابات السياسية في إسرائيل، حيث يتعين على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خوض انتخابات جديدة بعد أن فشل في تشكيل حكومة.
وقال ثلاثة مسؤولين عرب تم إطلاعهم على الخطة لرويترز إن كوشنر وترامب، اللذين لديهما خبرات في القطاع العقاري أكثر من خبرتهما في عالم الدبلوماسية، يتعاملان مع الصراع الذي استعصى على الحل حتى الآن وكأنه صفقة تجارية، ويبدو أن المنطق وراء هذه الخطة أنه إذا استمر الفشل على الصعيد السياسي فالأحرى محاولة إغراء الفلسطينيين ماليا لإبرام صفقة يمكن أن تفتح الباب لتحقيق الازدهار للفلسطينيين والأمن للإسرائيليين.
وقدم المسؤولون الفلسطينيون بعض تسريبات عن مضامين صفقة القرن الأميركية. وحسب هؤلاء تتصور الخطة على الصعيد السياسي توسعة قطاع غزة في جزء من شمال مصر تحت سيطرة مصرية. وسينتهي الحال بالفلسطينيين إلى امتلاك مساحة أصغر من الضفة الغربية وبعض المناطق على مشارف القدس دون أي سيطرة على الحدود. لكن مراقبين شككوا في صحة هذه التوقعات لاستبعادهم قبول القاهرة مثل هذا المقترح.
وسبق أن أوضح جيسون جرينبلات، مبعوث ترامب في الشرق الأوسط، أن “الشائعات” عن التوسعة في صحراء سيناء المصرية زائفة، ورفض ذكر تفاصيل عن الخطة السياسية قبل إعلانها. وفي ما يتعلق بالقرار الخاص بعدم استخدام عبارة “حل الدولتين” قال جرينبلات “نحن نعتقد أن استخدام عبارات وأوصاف بعينها غير مفيد لأنها تفتقر إلى التفاصيل والدقة. وهي تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. وستكشف الخطة التفصيلية عند إعلانها ما نعتقد أنه أفضل حل للطرفين”.
غير مقتنعين
لم تنطل الخطة على الفلسطينيين. وقال مسؤول عربي “ما نراه من الخطة هو أنها ستدمر الفلسطينيين. الخطة لا تنصف الفلسطينيين”. فيما اعتبر أحد كبار القيادات الفلسطينية أن الخطة تصفية للقضية الفلسطينية. وقوبلت الخطة، كما طرحت، بالرفض من جانب السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب وعلى رأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقاطع عباس علانية أي تعاملات سياسية مع إدارة ترامب منذ 18 شهرا. وجاء ذلك في أعقاب قرارات ترامب في 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب.
ومنذ ذلك الحين قلصت الإدارة الأميركية المساعدات للسلطة الفلسطينية وأغلقت مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقطعت المساعدات المالية عن منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
من ناحية أخرى اعترفت واشنطن بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي استولت عليها من سوريا وضمتها إليها في ما بعد. وقال القيادي الفلسطيني الكبير “فعليا هما بدأوا بتطبيق ‘صفقة القرن‘ على الأرض خطوة خطوة. اليوم حل الدولتين أُحبط”.
وليس عباس وحده في رؤيته للخطة الأميركية، فقد رفضتها حركة حماس الإسلامية التي ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ولم تقدم سوى موافقة مشروطة على إقامة دولة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ورفضت منظمة التحرير الفلسطينية مسعى كوشنر باعتباره محاولة لرشوة الفلسطينيين من أجل قبول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية ومقدمة لضم حوالي نصف أراضيهم بحيث لا يتبقى لهم سوى عدد من الكانتونات هنا وهناك.
وذكرت حنان عشراوي، وهي من القيادات الفلسطينية المعتدلة، في تغريدة على تويتر أن خطة كوشنر مجرد “صدقة لجعل بقائنا في الأسر مقبولا”. كما عارض رجال أعمال فلسطينيون اجتماع البحرين رغم مناشدة واشنطن لهم المشاركة فيه وقالوا إنه يتعين أخذ مطالبهم السياسية في الاعتبار في أي خطة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويرى مراقبون فلسطينيون أن تفضيل الولايات المتحدة الكشف عن الشق الاقتصادي من صفقتها للسلام وتأجيل الإعلان عن الجانب السياسي يهدف إلى تقديم إغراءات وحوافز للأطراف الرافضة للصفقة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الجانب الفلسطيني.
وقال جرينبلات “نحن لا نقترح سلاما اقتصاديا. ونعلم أن هذا ليس مقبولا للفلسطينيين. وقد كنا في غاية الوضوح أن الخطة الكاملة تتضمن شقا سياسيا أيضا. لكن الخطة الاقتصادية هي المكون الرئيسي في المخطط الكامل”.
الواقع الجديد
أجرى روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني، مقابلة مع كوشنر خلال مايو الماضي في مؤتمر للمعهد وكتب بعدها يقول إن الصفقة كارثة سياسية يجب التخلي عنها. وأضاف أن الجوانب التي تنطوي على عناصر إيجابية في الشق الاقتصادي قد تضيع للأبد بسبب محاولة الالتفاف على حقوق الفلسطينيين. وقال “السبيل الوحيد للحفاظ على استمرارية الخطة في الأمد البعيد هو القضاء عليها”. وكتب ساتلوف يقول “على عكس ما يحدث في الصفقة العقارية التي يحصل فيها طرف على العقار والطرف الآخر على المال فإن اتفاق السلام في الشرق الأوسط يبدأ وينتهي بتجاور الطرفين، عالقين كل بالآخر، يتقاسمان وحدة سكنية مزدوجة إلى الأبد”.
وقد زار كوشنر الشرق الأوسط هذا الأسبوع سعيا لحشد التأييد للمؤتمر الذي يعقد في البحرين يومي 25 و26 يونيو الجاري. في محاولة من الإدارة الأميركية لتبديد الغموض بشأن المبادرة وكسب دعم من دول مؤثرة مثل المغرب والأردن، الذي مهد لهذه الصفقة بإبداء تحفظاته عليها.
لكن الإعلان الأميركي عن مؤتمر البحرين، بشأن فتح أبواب الاستثمار لفائدة الأراضي الفلسطينية، زاد من الضغوط بشأن صفقة القرن مع تمسك الفلسطينيين برفضهم للخطة.
ويرى الفلسطينيون أن إسرائيل تسعى لخلق واقع جديد على الأرض بمساعدة إدارة ترامب لاسيما تمهيد السبيل لضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. واعتبر المسؤولون الفلسطينيون والعرب الذين اطلعوا على خطة كوشنر-ترامب أن معالمها السياسية تبدو مجهضة من البداية ما لم يتم إبرام اتفاق سلام.
ويستبعد خبراء أن يقبل الجانب الفلسطيني بأي من جوانب خطة السلام الأميركية، في حال لم توفر الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية المتمثل بإقامة دولة على حدود عام 1967. وقد استبق قادة الدول الإسلامية في قمة بمكة المكرمة السبت الخطة الأميركية المرتقبة للسلام، مؤكدين رفضهم حلولا لا تضمن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
ويتمثل الشق الأساسي للخطة في قطاع غزة حيث يعيش مليونان من الفلسطينيين محصورين في شريط صغير من الأرض بين إسرائيل ومصر. والفكرة هي توسعة القطاع في شمال شبه جزيرة سيناء المصرية حيث يستطيع الفلسطينيون أن يعملوا ويعيشوا تحت غطاء مصري. غير أن السيناريو يبدو مستبعدا مع توقع رفض القاهرة هذا المقترح حال التأكد من صحته.
وفي الضفة الغربية تقضي الخطة بأن تضم إسرائيل المستوطنات الإسرائيلية وتصلها ببعضها بعضا والاستيلاء على وادي الأردن وجعله خط الحدود مع الأردن وترك مساحة تقل قليلا عن النصف للفلسطينيين “كدولة صغرى مستقلة بذاتها في ظل شكل من أشكال الحكم الذاتي”.
أما بالنسبة للقدس فسيحصل الفلسطينيون على أحياء على مشارفها مثل أبوديس وبيت حنينا وسلوان “لا القدس الحقيقية (لكنهم) سيقولون لهم هذه قدسكم” حسبما قال القيادي الفلسطيني.