منتدى الإعلام العالمي يحذر من خطر الشعبوية على الصحافة

سلط منتدى الإعلام العالمي في ألمانيا الضوء على التحولات السياسية وصعود الأحزاب الشعبوية في العالم وانعكاساته على المشهد الإعلامي والأساليب التي تستخدمها هذه الأحزاب للسيطرة على الصحافة وتغيير موازين القوى.

يرى ماتياس دوبفنر مدير مؤسسة “أكسل شبرغنر”، الإعلامية الألمانية، أن الإعلام التقليدي “سيختفي وعمالقة الإعلام القادم هم بلوغرز وناشطو اليوم”، وانتقد الرأي القائل إن على مصادر الأخبار أن تكون متوفرة للجميع من دون قيود ومبالغ مدفوعة.

وأضاف دوبفنر، خلال المنتدى العالمي للإعلام الذي عقد في مدينة بون الألمانية، أن “نوعية الخبر تحدد حرية الصحافة”. وطالب الصحافيين بالخروج إلى الشارع والبحث عن القصة الحقيقية، قائلا “اخرج، شاهد واستمع ولا تكتب ما يجب أن يكون، بل ما هو واقع”. واختتم حديثه بالقول إن من يملك السلطة “هو الصحافي الأفضل، صاحب القصة القوية”.

ونظم المنتدى العالمي للإعلام في دورته الثانية عشرة، الاثنين والثلاثاء، تحت شعار “خلق وعي لتحولات جذرية لقوى الإعلام” بمشاركة نحو 2000 ضيف بين صحافيين وخبراء. وموضوع هذا العام للمنتدى الإعلامي الأكبر في ألمانيا هو تحولات السلطة، لأن العلاقة بين الإعلام والسياسة والمجتمع في كثير من الأماكن حتى على ضوء تقدم التطور الرقمي باتت في تحول، وبحسب بيتر ليمبورغ مدير عام شبكة دويتشه فيله أن “الشعبويين من مختلف المعسكرات يهددون اندماج أوروبا”.

وأوضح ليمبورغ أن “مراقبة الأخبار باتت وسيلة سلطة. كما أن الشعبويين يعملون في آن واحد على الترويج لرسائلهم من خلال السيطرة على وسائل إعلام حكومية والتضليل في مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك فإن حرية التعبير مهددة”. ومنتدى الإعلام العالمي يحاول تحفيز الوعي بعمليات التحول الأساسية.

وبدأت تتغير موازين القوى داخل كل مجتمع بين سلطة الدولة وقوى المجتمع المدني والإعلام وقوى أخرى تظهر وتختفي اعتمادا على طبيعة المجتمع. ففي أوروبا يبدو الإعلام في صراع مع قوى اليمين الشعبوي والمتطرف، بينما في الشرق الأوسط يبدو أن المجتمعات فقدت الثقة بالإعلام الرسمي وحتى الخاص، ولجأت إلى إعلام “السوشيال ميديا”، بحثا عن التغيير في موازين القوى.

وفي أول جلسة ناقش المتحاورون السؤال المهم: من يملك السلطة في الإعلام؟ هل هي المؤسسات الإعلامية التقليدية أم مؤسسات مثل فيسبوك وغوغل ويوتيوب؟ من جهته،
يرى آرون بوري رئيس تحرير صحيفة انديا تودي، أن الناس سيدفعون مقابل الشيء الملموس القوي وأن القصة هي الأهم.

مراقبة الأخبار باتت وسيلة سلطة
مراقبة الأخبار باتت وسيلة سلطة

وشارك العديد من المراسلين والصحافيين العرب في النقاش حول تحولات عالم الإعلام والسلطة عالميا، ونقلت دويتشه فيله عن الصحافي الليبي معتز الخريّف مراسل راديو مونتي كارلو، قوله إن سلطة الإعلام بدأت بشغل موقع السلطة الثانية بعد السياسة والمال منذ عام 2018 وأن الأحزاب والقوى المتصارعة في ليبيا اتجهت إلى الشبكات الاجتماعية بقوة كوسيلة أساسية للتواصل مع المجتمع.

وأضاف “رغم أن الأحزاب منذ عام 2014 بدأت تحرك وسائل الإعلام التقليدية بشكل غير مباشر، بعد أن كانت تسيطر عليها بشكل مباشر. والسبب أن الأحزاب تخشى الإعلان عن أن الإعلام التقليدي يشكل ذراعا سياسية لها. وأنها تبحث عن الحصول على مصداقية أكبر داخل الرأي العام والمجتمع”.

وبدورها، أكدت إيناس مُزمل الناشطة السودانية في المجتمع المدني، أن تسعين بالمئة من وسائل الإعلام السودانية في عصر الرئيس السوداني المخلوع عمر حسن البشير كانت موجهة ويسيطر عليها النظام، أما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، فقد كانت تُغلق أو حتى يتم اختراقها. وأوضحت أن “الدين كان يستخدم لخدمة النظام. حيث يضع الخطاب الديني قداسة للنظام، فمن يمس النظام يمس الدين، خصوصا وأن المجتمع السوداني يتبع الإسلام المعتدل”.

وأجابت مُزمل عن سؤال حول ما الذي تغير ليتخلخل النظام وتتحول موازين القوى، بعد ثلاثين عاما من البقاء في السلطة، أن ما حصل هو سقوط جزئي للنظام، خاصة لرموزه، التي كانت تأمر عناصرها في أسفل الترتيب، ولاحقا خشية ملاك القنوات ووسائل الإعلام من إرادة الشعب الذي خرج إلى الشارع.

وأضافت “أن النظام لم يواكب عصرنة الإعلام، كان نظاما متخلفا جدا، وعالم الشبكات الاجتماعية كان خارج دائرته”، وأوضحت الناشطة الاجتماعية أن شيئين كانا يمثلان نقاط ضعف نظام البشير: مواقع التواصل الاجتماعي والخطاب الإعلامي بلغات أخرى.

واختتمت بالقول إن “الشباب بين 16 و25 عاما هم محركو الثورة ووقودها وهم الذين استعملوا مواقع التواصل الاجتماعي لإسقاط النظام، أما بالنسبة لأكثر الشبكات الاجتماعية قوة في السودان فهي فيسبوك وواتساب”. وتناول المنتدى أيضا موضوعات أخرى مثل مستقبل الصحافة المحلية. كما تم التطرق إلى الذكاء الاصطناعي في الإعلام وكيف يغير طرق العمل في هذا المجال.

وفي العديد من الندوات وورش العمل لمنظمات شريكة دار النقاش حول كيفية كسب المهاجرين في زمن الشعبوية، وإصغاء الآخرين وما هو الدور الذي تلعبه اليوم الصحافة الاستقصائية. وكان هناك أيضا معرض الصور لمشروع “كل يوم أفريقيا” وكشف فيه 30 مصورا دوليا اللثام عن زوايا تتعدى الصور النمطية لأفريقيا.

الشعبويون يعملون على الترويج لرسائلهم من خلال السيطرة على وسائل إعلام حكومية والتضليل في مواقع التواصل الاجتماعي

وتسلمت جائزة دويتشه فيله لحرية التعبير عن الرأي لعام 2019 الصحافية المكسيكية آنابيل خيرنانديز التي تعيش في المنفى بعد تعرضها لتهديدات من قبل عصابات الجريمة المنظمة. ونالت خيرنانديز الجائزة تكريما لدفاعها المستميت من أجل حرية التعبير عن الرأي وكفاحها ضد الفساد وضد محاولات التمويه والتغطية على الجريمة والإفلات من العقاب في بلادها التي تشهد حضورا قويا لعصابات المخدرات. وقالت إنه رغم كل المخاطر التي تحيط بحياة الصحافي، فإنه ينبغي الدفاع عن الحقيقة والعدالة.

وقد أصدرت في عام 2016 كتابا جمعت فيه نتائج تحقيقاتها الصحافية بشأن اختفاء 43 طالبا مكسيكيا في منطقة إيغوالا بولاية غوريرو في عام 2014 وتم العثور على جثامينهم في مقبرة جماعية وتبين لاحقا أنه تم قتلهم من قبل مافيا المخدرات في البلاد.

وبعد صدور الكتاب المذكور تلقت آنابيل خيرنادنيز تهديدات متواصلة من قبل عصابات الجريمة المنظمة ومن قبل مسؤولين فاسدين الذين فضحتهم الصحافية في كتابها. فقررت مغادرة البلاد بعد أن أكدت لها شرطة بلادها أنها لا تستطيع حماية حياتها واكتفت فقط بمنحها سترة واقية من الرصاص. وتعيش الصحافية المكسيكية حاليا في مكان مجهول.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: