مسلم رسم خارطة العالم في بلاط مسيحي
في محاضرة جامعة مانعة، منطلقها الأساسي علوم التاريخ وسوسيولوجيا الأديان، يتشبث الباحث عبدالله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، بما اعتبره علامة قريبة من اهتماماته الشخصية، وهو يلقي محاضرته من منبر مدرج الشريف الإدريسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في العاصمة الرباط، وهو اسم العالم الجغرافي المغربي عبدالله محمد بن محمد الإدريسي، الذي ذاع صيته في أقطار العالم باعتباره واحدا من أشهر الجغرافيين المسلمين حيث رسم خارطة العالم وسط بلاط مسيحي.
وأكد بوصوف، وهو مؤرخ مغربي في محاضرة بعنوان “النموذج المغربي والتحديات المعاصرة ”، أن “ملك صقلية، روجر الثاني، قام بدعوة الجغرافي الطبيب الشريف الإدريسي، وطلب منه القيام بأبحاث جغرافية لإنجاز أول خارطة للعالم، وخصص له جناحا للاشتغال داخل بلاطه الملكي وهو ملك مسيحي الديانة والإدريسي مسلم متحرر منفتح، لم يجد حرجا في ذلك، لأنه مشبع بثقافة الإخاء والتسامح التي يؤكد عليها الإسلام نفسه”.
وقال إن الشريف الإدريسي لم يشغل نفسه بسؤال؛ هل يجوز له كمسلم أو لا يجوز إن أنجز خارطة للعالم بطلب من ملك مسيحي؟ لأن الإدريسي وهو العالم المسلم، لم يكن يحمل أي كراهية لمن سواه من معتنقي الأديان السماوية الأخرى، بل كان ينظر إلى مدى الخدمة التي سيقدمها إنتاجه العلمي إلى الإنسانية، وبذلك أعطى أروع مثال للنموذج الإنساني المغربي المسلم، المتعايش والمنسجم، الذي لا يجد صعوبة في الانسجام مع الآخرين.
وشدد المحاضر بوصوف على أن نموذج التدين الإسلامي في المغرب يتميز بسماحته وانسجامه، فلا غلوّ فيه ولا تشدد، مبرزا العلاقة الوطيدة التي جمعت منذ سنين، بين المغاربة؛ المسلمين واليهود والمسيحيين، دون أن يشعر أي طرف بالحرج أو الضيق من الطرف الآخر، فالكل منصهر في المجتمع المُسالم، صانعا كان أم طبيبا، مهندسا أم خياطا، كل مشغول بأموره، لا يعتدي على الآخر ولا يرهبه.
وخلص بوصوف إلى الاستدلال بالرسائل السلطانية عبر تاريخ المملكة المغربية، التي كان سلاطين المغرب يحثون فيها الحكام والولاة ويوصونهم بتوقير اليهود والمسيحيين، ومعاملتهم كمعاملة المسلمين، دون تمييز أو عنصرية، مذكرا بما قامت به مؤسسة أرشيف المغرب بنفضها غبار الإهمال والنسيان عن عدد من الوثائق التي تشهد على ذلك التعامل الحضاري والإنساني وتؤرخ له، داعيا الكتاب والباحثين إلى التأليف حول النموذج المغربي الرائد في الإسلام الإنساني السمح، الخالي من الكراهية والعنف.
ومن جهته ثمن عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جمال الدين الهاني، البحث الإيجابي للمحاضر عبدالله بوصوف ودوره الطلائعي الذي يقوم به بصفته أمينا عاما لمجلس الجالية المغربية بالخارج، مشيدا بمستوى استراتيجية التحصين الهُوِّياتي للمغاربة في العالم وتأطيرهم ثقافيا من أجل العيش المشترك مع الآخرين كيفما كان دينهم أو انتماؤه، وذلك في إطار التعايش والاحترام المتبادل.
وأبرز الهاني استراتيجية المشروع الملكي المغربي، الذي يرعاه العاهل المغربي الملك محمد السادس، والداعي إلى العمل على تعميق ثقافة البحث عن أرضية مشتركة لدعم ثقافة الحوار بين الحضارات الإنسانية والتسامح بين الأديان السماوية، مؤكدا أنه مشروع ملكي هادف، يعمل مجلس الجالية المغربية في العالم على التجاوب الكامل معه، وذلك من خلال تنظيمه المؤتمرات والندوات الداعية إلى التآخي والتحابب بين البشر.