ثورة اليمين المتطرف في أوروبا
مهما كنت تعارض أفكارهم ومعتقداتهم يجب عليك الاعتراف بأن اليمين المتطرف يقود ثورة في القارة العجوز. الانتخابات البرلمانية تقول ذلك بكل بساطة، والأرقام كشفت ما أخفته السياسات الداخلية للحكومات الغربية على مدار سنوات طويلة، إما جهلا وإما ضعفا.
ثورة اليمين المتطرف هي على الانفتاح وقبول الآخر ومبادئ حقوق الإنسان وغيرها من القيم التي لطالما تغنى بها الغرب، وسعى جاهدا لتعميمها خارج حدود دوله بوصفها الوصفة الثقافية المثالية لأي مجتمع.
عندما تجتاح أحزاب اليمين المتطرف قوائم الانتخابات البرلمانية الأوروبية، ويحتل حزب حديث مثل “البريكست” صدارة تمثيل البريطانيين في البرلمان الأوروبي، وحزب الجبهة الوطنية تمثيل الفرنسيين، فهذا يعني أن اليمين المتطرف هو القوة السياسية للغرب من الآن فصاعدا.
لا يوجد حزب يميني متطرف في دول الاتحاد عاد مهزوما في الانتخابات البرلمانية الأوروبية. هناك من خسر الصدارة أو من ظفر بمقاعد أقل من المتوقع، ولكن الجميع انتصر. حتى حزب الاستقلال، الميت سريريا في بريطانيا، صوت له أكثر من نصف مليون ناخب.
ثورة اليمين المتطرف في أوروبا تتلخص بثلاثة مطالب رئيسية فحواها باختصار، لم نعد نريد المهاجرين واللاجئين، لم نعد نريد سياسات لا تضع مصالحنا الاقتصادية في صدارة أولوياتها، لم نعد نهتم بما يجري خارج حدود دولنا وليس اتحادنا، إلا إذا كان يمس حياتنا مباشرة.
لا يهم كم تتعارض مطالبات اليمين المتطرف مع مبادئ حقوق الإنسان، فقد سبقته إلى ذلك حكومات دوله عندما وضعت اللاجئين والمهاجرين في مراكز احتجاز، لا تختلف كثيرا عن تلك التي سجن فيها اليهود على زمن النازية، ثم تحولت إلى عصاب يلاحق الأوروبيين.
ولا يهم أيضا كم تتعارض مبادئ اليمين المتطرف مع الوحدة الإنسانية والانفتاح على الآخر، إذا كان الاستقلال عن الاتحاد الأوروبي هو أبرز الشعارات التي يرفعها. نجح اليمينيون في بلوغ هدفهم هذا في بريطانيا، وسنشهد الأمر ذاته في دول أخرى إذا انتصرت أحزاب هذا التيار في الانتخابات البرلمانية المحلية.
لم يولد اليمينيون في دول الاتحاد الأوروبي فجأة، ولم يأتوا من خارج الحدود ليبثوا تطرفا نشأوا عليه في أوطانهم الأصلية، هم أبناء المكان تأثروا بممارسات سلبية لفئة من المهاجرين في بلادهم، فتشكلت لديهم ردود فعل خاطئة بنيت عليها لاحقا أحزاب وجماعات وجبهات عدوها الأول المهاجرون الغرباء.
عندما تبحث وراء جماعات وأحزاب اليمين المتطرف على منصات الإعلام التقليدي أو الجديد تجد لهم عشرات الملايين من المؤيدين. ألا يشكل هؤلاء مبعث قلق للعالم عندما يثورون ضد حقوق الإنسان؟ هل يختلفون عن دواعش الشرق الذين يرفضون الآخر سوى بأنهم يريدون طرده من بلادهم بدل قتله؟
أنصار اليمين المتطرف، دواعش الغرب، اختاروا صناديق الاقتراع ليعبروا عن أنفسهم. من يدري، ربما لو أطلق الإرهابيون انتخابات بمناطق سيطرتهم في سوريا والعراق قبل سنوات، لظفروا بغالبية الأصوات وشكلوا حكومات تحظر عيش غير المتطرفين في دولهم.
المقاربة بين دواعش الشرق والغرب في الفكر المطالب بنقاء المجتمع وخلوه من “الغرباء” تمتد أيضا إلى الممارسات، فكلاهما يعنف ويحرض ويؤذي، ومن باب التذكير فقط نستشهد بالإحصائيات الرسمية البريطانية التي تقول إن أكثر من نصف ضحايا جرائم الكراهية في البلاد هم من المسلمين.
رغم كل هذه المعطيات، لا يزال الحديث عن سيطرة اليمين المتطرف على الحياة السياسية في الغرب مبكرا. ثمة حيل في جعبة الأحزاب التقليدية، وثمة مبادرة في جعبة الأقليات التي باتت جزءا أصيلا من المجتمعات الغربية، وإصرار لدى الأحزاب التي لا تزال تتمسك بوحدة الاتحاد الأوروبي.
الأمثلة كثيرة، فحزب الليبراليين الديمقراطيين الرافض لطلاق لندن وبروكسل اكتسح الانتخابات البلدية الأخيرة في بريطانيا. وفي بريطانيا أيضا واحد من المرشحين لخلافة رئيسة الوزراء اليوم هو ساجد جاويد، المسلم الذي يشغل منصب وزير الداخلية، وفي الأمس وصل المسلم العمالي صادق خان إلى رئاسة بلدية لندن.
ثورة اليمين المتطرف في القارة العجوز ستتواصل وستمارس المزيد من الضغوط على سياسات دولها. خلال السنوات القليلة المقبلة سيتضح نفوذ أحزاب هذا التيار، فإما أن تكون فقاعات تنتهي كما انتهى حزب الاستقلال في بريطانيا، وإما أن تكبر حتى تجهز على وحدة الاتحاد الأوروبي وتعيد القارة إلى دول منفصلة.