تيريزا ماي تغادر السلطة قبل أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي
أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي أنها ستترك منصبها لتفتح الباب لمنافسة ستأتي برئيس وزراء جديد يمكن أن يسعى لخطة انفصال عن الاتحاد الأوروبي أكثر حسما. وسيعمّق رحيل ماي أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد إذ يرجح أن يرغب الزعيم الجديد في انفصال أكثر حسما وهو ما يزيد احتمالات الصدام مع الاتحاد وربما إجراء انتخابات برلمانية مبكرة لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
تستعد تيريزا ماي التي أعلنت الجمعة تخليها عن رئاسة حزب المحافظين البريطاني في السابع من يونيو، لمغادرة منصبها دون أي مجد خاص، حيث أخفقت في تنفيذ البريكست الذي لم تصوت له، لكنّه دمّر ولايتها.
وأعلنت ماي، وقد بدا عليها التأثر، تخليها عن مهامها كرئيسة لحزب المحافظين وللوزراء في 7 يونيو، آسفة “بشدّة” لعدم تمكنها من تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بلد ممزق
طمأن وصول ماي إلى السلطة في يوليو 2016 البريطانيين بعد استفتاء اختاروا فيه الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبدت ابنة القس التي لا تتمتع بأي جاذبية خاصة لكنها كادحة في العمل، المرشح الأفضل لقيادة المملكة المتحدة، المنقسمة بعد حملات الاستفتاء، في أكثر الفترات حساسيّةً في تاريخها.
لكن بعد ثلاث سنوات، يبقى البلد الذي كان من المفترض أن يغادر الاتحاد الأوروبي في 29 مارس، ممزقا، مع برلمان غير قادر على التوافق حول العلاقات المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، وقاعدة شعبية منقسمة.
ويقول الباحث من جامعة سوري سيمون آشروود إن مهمة تفكيك روابط مع الاتحاد الأوروبي عمرها أكثر من 40 عاما ليست أمرا سهلا. ويضيف أن “أي شخص في مكانها كان سيواجه صعوبات كبرى”، موضحا أن ماي من جهتها “لم تقدّم المقاربة الأفضل” باختيارها الاعتماد فقط على حزبها، وخصوصا الجناح الأكثر تشددا فيه والذي يريد قطع كل الروابط مع الاتحاد الأوروبي.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوين ماري في لندن تيم بايل أن خطأ ماي هو “رفضها للواقعية”، بعدم قبولها أي “مقاربة عابرة لحزبها”، خصوصا بعد إخفاقها عام 2017 في الانتخابات التشريعية التي قررت تنفيذها مدفوعة باستطلاعات رأي إيجابية، وكلّفتها غالبيتها المطلقة.
وأجبرت بعد ذلك على التحالف مع الحزب الوحدوي المحافظ الصغير في شمال إيرلندا (دي.يو.بي) الذي أملى عليها متطلباته بشأن البريكست. ومنذ ذلك الحين، وجدت ماي نفسها تتنقل من أزمة إلى أخرى، وشهدت التفكك التدريجي لحكومتها مع تتالي أكثر من 30 استقالة، وتصويتين على سحب الثقة، ورفض النواب ثلاث مرات لاتفاق البريكست الذي توصلت إليه مع بروكسل في نوفمبر.
ويؤكد تيم بايل أن ماي “هي التي صعّبت على نفسها مهمتها”، مردفا أنه “من المستحيل تخيل أداء أسوأ من ذلك”. ومن جهتهم لم يكن الصحافيون لطفاء مع ماي، فقد لقّبوها بـ”مايبوت” أي “ماي الروبوت”، بسبب الفتور الذي تبديه في تصريحاتها التي تكرر فيها مرارا وبشكل آلي الخطاب نفسه.
وعكس أوين جونوز في مقاله في صحيفة الغارديان، حدة الغضب على تيريزا ماي حين قال “لا يجب أن نحزن على رحيل تيريزا ماي، أسوأ رئيسة للوزراء في تاريخنا الحديث”، مشيرا إلى أن عهدها تميز “بمزيج من الخداع والتضليل والفشل في تعاملها مع قضايا ملحة مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفضيحة ويندراش”.
ويرى سيمون آشروود أن “صورتها في التاريخ لن تكون جيدة”، مشيرا إلى “النتيجة الضعيفة التي حققتها” خلال ولايتها. وتعتبر ماي رابع رئيس وزراء بريطاني محافظ تسقطه العلاقات مع أوروبا. وسبقتها مارغريت تاتشر عام 1990، وجون ميجور عام 1997 وديفيد كاميرون عام 2016.
أزمة المحافظين مع أوروبا
في وقت سابق، كان المحافظون من أنصار الاتحاد الأوروبي. في الواقع، انضمت بريطانيا تحت قيادة أحد زعماء المحافظين هو إدوارد هيث إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية كما كانت آنذاك عام 1973، عندما كان حزب العمال معارضا لذلك.
لكن التشكيك في أوروبا انتقل إلى الجهة الأخرى خلال ثمانينات القرن الماضي مع معارضة المحافظين أي مبادرة لتعزيز التكامل السياسي الأوروبي. وظهر ذلك جليا في سياسة تاتشر في خطاب ألقته في كلية بروج عام 1988 حين رفضت فكرة “دولة أوروبية كبرى تمارس هيمنتها انطلاقا من بروكسل”.
وساهم الاتحاد الاقتصادي والنقدي -بين عوامل أخرى، مثل إدخال ضريبة محلية لم تحظ بشعبية كبيرة- في إسقاط “المرأة الحديدية”. ودفع موقفها المتعنت في هذا الملف وتصريحاتها النارية ضد أوروبا بخصومها المؤيدين لأوروبا من نواب حزبها وخصوصا السير جيفري هاو ومايكل هيزلتاين، إلى بدء إجراء لإزاحتها، ما أدى إلى استقالتها.
لكن انعدام ثقة حزب المحافظين في بروكسل ازداد في منتصف التسعينات مع تأسيس حزب يوكيب، الذي دعا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، ما أسفر عن تشديد خطاب قادة الحزب. وقد واجه خليفة تاتشر، جون ميجور انتفاضة دائمة من المشككين في أوروبا ما أدى إلى إضعافه قبل أن يفوز حزب العمال بزعامة توني بلير في الانتخابات البرلمانية عام 1997.
ومع عودتهم مرة أخرى إلى السلطة عام 2010، صعّد المحافظون حملاتهم آنذاك أكثر من أي وقت مضى ضد بروكسل. وأدت الأزمة في منطقة اليورو والهجرة واسعة النطاق من الاتحاد الأوروبي إلى نقاشات متطرفة ما دفع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى إجراء استفتاء في 23 يونيو 2016 تؤيد نتيجته الانفصال.
وبعد أن دعا شخصيا إلى التصويت للبقاء في الاتحاد الأوروبي، استقال كاميرون تاركا المهمة الصعبة لخليفته تيريزا ماي. وبعد ثلاث سنوات تقريبا ونحو ثلاثين استقالة من حكومتها، أعلنت ماي بدورها استقالتها.
ويقول ايون جونز “اتّسم عهد ماي بالفوضى، لكن الأسوأ قد يكون في الطريق. وإلى أن تتخلص بريطانيا من حكم حزب المحافظين المتفكك الذي يعتبر السبب المباشر في مشاكل المملكة ونظامها الاجتماعي، سيستمر الاضطراب وسيتعمق. يا له من إرث تركته ماي”.