الجيش الجزائري يفتح أبواب حوار مريب مع النخب السياسية

أبقت المؤسسة العسكرية على هامش الأزمة السياسية قائما، رغم توجه البلاد للدخول في مرحلة فراغ دستوري ومؤسساتي، بسبب بوادر فشل السلطة الانتقالية في تنظيم الانتخابات الرئاسية، بالتركيز على مقاربة تجمع بين الحوار الوطني والذهاب إلى الاستحقاق المذكور في أسرع وقت، دون المرور على أي مرحلة انتقالية.

كشف قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال قايد صالح عن مقاربة المؤسسة العسكرية للخروج من المأزق السياسي الذي تتخبط فيه البلاد منذ شهر فبراير الماضي، والقائمة على فتح حوار وطني شامل، والذهاب إلى انتخابات رئاسية جديدة وتفادي أي مرحلة انتقالية في البلاد.

وجاء تصور المؤسسة العسكرية لحل الأزمة القائمة، في ظل حالة انسداد وفراغ غير مسبوق في البلاد، خاصة في ظل بوادر فشل السلطة الانتقالية في تنظيم الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من يوليو القادم، مما يضع البلاد بعد انقضاء المهلة المؤقتة  (ثلاثة أشهر) للرئيس وحكومة تصريف الأعمال على حافة المجهول.

وكان الجيش من أكبر المتحمسين للانتخابات الرئاسية المذكورة، قبل أن تفقد تدريجيا حظوظها في التنظيم بسبب رفضها من طرف الشارع وفي المعارضة السياسية والمجتمع المدني، في ظل بقاء حكومة نورالدين بدوي في مواقعها، والرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح في قصر المرادية.

ويرى متابعون لتطورات الوضع الجزائري أن دعوة الجنرال أحمد قايد صالح لفتح حوار بين القوى الحية في المجتمع، تعتبر تحولا لافتا في خطاب المؤسسة العسكرية، فمنذ بداية الأزمة السياسية دأبت المؤسسة على تجاهل الطرف الآخر في المعادلة، وعليه شكلت دعوة الحوار انفتاحا أو تنازلا محسوسا عن مواقفها السابقة، برأي هؤلاء.

لكن مزجه للعرض السياسي الجديد مع التشديد على الذهاب إلى انتخابات رئاسية جديدة في أسرع وقت، وتفادي أي نوع من المراحل الانتقالية، أبقى هاجس الريبة قائما، خاصة في ظل تجاهله للإجماع بين مختلف المبادرات السياسية المطروحة على ضرورة الذهاب إلى مرحلة انتقالية قصيرة تتوج بانتخابات رئاسية.

وتبقى حالة الشك بين الحراك الشعبي والطبقة السياسية المعارضة من جهة، وبين المؤسسة العسكرية التي تدير شؤون البلاد بصفة غير معلنة منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة من جهة أخرى، مسيطرة بشكل لافت في ظل غياب إجراءات تهدئة ميدانية بين الطرفين وفي ظل المناورات التي استغرقها الجيش في ثلاثة أشهر من عمر الأزمة السياسية.

الجيش يتجاهل إجماع المبادرات السياسية على ضرورة الذهاب إلى مرحلة انتقالية قصيرة تتوج بانتخابات رئاسية

وكانت خارطة الطريق التي أعلن عنها الدبلوماسي السابق والشخصية المستقلة أحمد طالب الإبراهيمي، على رأس تلك المبادرات السياسية التي طالبت بفتح حوار وطني، وإعلان مرحلة انتقالية قصيرة تتوج بانتخابات رئاسية، يتم خلالها وضع شخصية توافقية وحكومة مقبولة ولجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات.

وقال الجنرال قايد صالح في كلمة له ألقاها الثلاثاء في مقر الناحية العسكرية السادسة بتمنراست (أقصى الجنوب) إن “الأولوية الآن، وأعيد ذلك مرة أخرى وبكل إلحاح، هي أن يؤمن الجميع بأهمية المضي قدما نحو حوار مثمر يخرج بلادنا من هذه الفترة المعقدة نسبيا التي تعيشها اليوم، ويضمن بذلك الطريق نحو بلوغ إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أسرع وقت ممكن، أقول في أسرع وقت ممكن بعيدا عن الفترات الانتقالية التي لا تؤتمن عواقبها، فالجزائر لا يمكنها أن تتحمل المزيد من التأخير والمزيد من التسويف”.

ولم يستبعد مراقبون للوضع الجزائري أن يكون العرض السياسي الجديد من طرف المؤسسة العسكرية تمهيدا لأحد السيناريوهات المحتملة لمعالجة الوضع الذي سيخلفه الفشل في تنظيم الانتخابات الرئاسية.

ويستند هؤلاء إلى أن إخراج المرحلة الانتقالية من خارطة الطريق المقترحة، والتهويل من مخاطرها رغم الإجماع الذي تحظى به لدى الحراك الشعبي والمعارضة السياسية والمبادرات السياسية المطروحة، يشيران إلى أن الجيش يريد الذهاب إلى انتخابات رئاسية جديدة في أسرع وقت بآليات أكثر جاذبية لكنها غير مفككة للغم الأزمة.

ويبقى سيناريو التمسك بالأجندة الدستورية أقرب الخيارات المحتملة لمعالجة الوضع الذي يفرضه إلغاء تنظيم الانتخابات كونها تمثل وقوعا في الفراغ المؤسساتي والدستوري.

وعليه لا يستبعد احتفاظ المجلس الدستوري بتقدم مرشحين مغمورين، يجهل الرأي العام كيفية استيفائهما لشروط الترشح وجمع استمارات الاكتتاب الرئاسي (65 ألف استمارة شخصية) أو (600 استمارة لمنتخبين في المجالس المحلية أو الوطنية)، وإيداع ملفيهما لدى الهيئة، وهما عبدالحكيم حمادي وحميد طواهري، ليكونا ورقة تبرر القرار المرتقب صدوره بعد عشرة أيام من نهاية المهلة القانونية بشأن الانتخابات الرئاسية.

وقال الجنرال قايد صالح “لقد أكدت في أكثر من مناسبة وأعيد التذكير اليوم مرة أخرى، بأن السبيل الوحيد لحل الأزمة التي تعيشها بلادنا، هو تبني نهج الحوار الجاد والجدي والواقعي والبناء والمتبصر الذي يضع الجزائر فوق كل اعتبار، فسيادة الحوار تعني استعداد الجميع للاستماع بل الإصغاء إلى الجميع بكل روية وهدوء والتزام وتطلع مخلص نحو ضرورة وحتمية إيجاد الحلول المناسبة دون تأخير”. وأضاف “علينا كجزائريين أن نأخذ العبرة مما سبق من تجارب وما سبق من أحداث مأساوية، غاب عنها العقل وكان الخاسر الوحيد من جراء كل ذلك هو الوطن، لهذا فإننا نشدد الإلحاح على ضرورة شعور كافة الأطراف بالمسؤولية وأن تجعل من الحوار طوق النجاة للوطن”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: