القوى الموالية للسلطة في الجزائر لا تواجه نفس المصير
يسود غموض شديد مستقبل القوى السياسية المحسوبة على النظام السابق، بعد تنحّي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وإحالة قادتها على التحقيقات القضائية وربما السجن القريب، ورغم أنها تعيش حراكا انقلابيا منذ أسابيع للخروج من المأزق، فإن منظمة قدماء المحاربين اختارت منذ البداية مناصرة خيارات الشارع، ودعت إلى تحقيق مطالب التغيير، رغم العلاقة التاريخية والسياسية التي تجمعها بالسلطة.
صنعت المنظمة الوطنية للمجاهدين (قدماء المحاربين)، مكانا لها في المشهد السياسي والاجتماعي القادم، بعدما ضحت بعلاقتها التاريخية والسياسية بالسلطة، من أجل مناصرة الاحتجاجات الشعبية والدعوة إلى تحقيق التغيير الشامل في البلاد، عبر مجموعة من الآليات كالحوار المفتوح والندوة الوطنية.
وأعربت المنظمة منذ بداية الحراك الشعبي بالجزائر في فبراير الماضي، عن دعمها للمطالب السياسية المرفوعة في الشارع، ودعت منذ الأسابيع الأولى الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، إلى الاستماع لأصوات الغاضبين وعدم الانسياق وراء الولاية الرئاسية الخامسة التي أشعلت فتيل الأزمة في البلاد.
وعكس القوى والتنظيمات السياسية المحسوبة على نظام بوتفليقة، التي اكتفت بالتريث والمناورة دعما لمصالحها الضيقة، بعدما تجاوزتها الأحداث وتطورات الحراك الشعبي الذي اعتبرها جزءا من المنظومة الحاكمة المطالبة بالرحيل والتنحي، فإن منظمة قدماء المحاربين، تعدّ التنظيم الأهلي الوحيد الذي انحاز لصالح الشارع، رغم سيرته الداعمة للسلطة في السابق.
وتعتبر المنظمة الوطنية للمجاهدين ذات الثقل والرمزية التاريخية والسياسية، على اعتبار أنها تضم قدماء محاربي حرب التحرير (1954- 1962)، من أعرق التنظيمات الداعمة للسلط المتعاقبة في البلاد، وصاحبة الضوء الأخضر المعنوي لأي رئيس جمهورية أو سلطة أو قرار سياسي هام في البلاد، قبل أن تعلن تمردها عن بوتفليقة خلال الأشهر الماضية.
وفيما اكتفت ما كان يعرف بـ”أحزاب التحالف الرئاسي” المؤيد لبوتفليقة، بنقل دعمها وتأييدها من الرئيس المتنحي إلى الحاكم الفعلي في الظرف الراهن قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، فقط طرحت المنظمة تصورا جديدا للأزمة التي تتخبط فيها البلاد، يقوم على إطلاق حوار وطني بين جميع الأطراف، وتنظيم ندوة وطنية لبلورة مخرج مرضي لجميع الأطراف.
ودعت المنظمة في آخر موقف لها، عبّرت عنه في بيان صدر الأحد، إلى “عقد ندوة وطنية لوضع خريطة طريق تمكن من الاستجابة للمطالب الشعبية في أقصر الآجال، وتسمح لمؤسسات البلاد مواصلة مسارها بصورة عادية ضمن رؤية وطنية متكاملة”.
وشددت على أن تكون الندوة الوطنية المأمولة، فضاء مفتوحا للحوار والتشاور والنقاش بين جميع القوى الفاعلة والحية في المجتمع، بما فيها الأحزاب السياسية المعارضة والجمعيات والشخصيات والنقابات المستقلة، من أجل الوصول إلى توافق حول ورقة طريق تسمح بتلبية مطالب الشارع الجزائري المعبر عنها منذ ثلاثة أشهر.
ولم تظهر المنظمة في فعاليات الحراك الشعبي طيلة المسيرات الشعبية والاحتجاجات الفئوية. لكن الرمزية التي شكلها حضور بعض الوجوه المحسوبة على الحقبة التاريخية لثورة التحرير، على غرار المجاهدات جميلة بوحيرد، ولويزة احزيز وزهرة ظريف بيطاط والمجاهد والقيادي في جيش التحرير لخضر بورقعة، أعطى الانطباع بأن فئة قدماء المحاربين كانت سباقة لفهم التطورات المتسارعة في المشهدين السياسي والاجتماعي، عكس القوى الحزبية والأهلية الأخرى، التي تعيش حالة ضياع غير مسبوق.
قيادات في حزب التجمع الوطني الديمقراطي تسعى إلى سحب البساط من أحمد أويحيى، بشتى الوسائل لإنقاذ الحزب من الانهيار
وشكّلت دعوة قائدي حزبي الجبهة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس، وتجمع أمل الجزائر “تاج” عمار غول، من طرف القضاء للاستماع إليهما إلى جانب وزراء ورؤساء حكومات ومسؤولين كبار، في قضيا فساد وتبديد ونهب أموال عمومية، ضربة قاصمة للحزبين، اللذين انتهيا عمليا بعد أي تحول سياسي في البلاد، ينهي عهد تزوير الانتخابات وتوزيعها بالحصص (الكوتات) على الشركاء والحلفاء.
ولم تسمح حملة العلاقات العامة التي باشرها قادة الأحزاب الموالية للسلطة لصالح الحاكم الفعلي للبلاد، الرجل الأول في المؤسسة العسكرية، من الإفلات من سيناريو تهاوي أذرع النظام السابق. فرغم الدعم الذي أبداه كل من أحمد أويحيى وعمار غول، وعمارة بن يونس، للجنرال أحمد قايد صالح، في أجندته السابقة، إلا أن إمكانية التحاقهم برجال أعمال ومسؤولين آخرين في سجن الحراش بالعاصمة، يضع أحزابهم أمام حتمية الانتهاء من الخارطة في المستقبل.
ويتجه قطاع عريض داخل تلك القوى السياسية إلى بحث خيارات بديلة لإنقاذ أحزابهم من المصير المجهول، بسبب تركة القيادات المغضوب عليها حزبيا وسياسيا، ولذلك يتم التفكير في عقد مؤتمرات استثنائية لانتخاب قيادات جديدة ووضع خطاب وبرنامج جديد للحزب. وهي الخطوة التي قطعت أشواطا متقدمة في حزب التجمع الوطني الديمقراطي حيث يدفع القياديان بلقاسم ملاح وصديق شهاب، إلى سحب البساط من أحمد أويحيى، بشتى الوسائل لإنقاذ الحزب مما وصفاه بـ “الانهيار التام”.
وفي المقابل أشاد ناشطون في الحراك الشعبي وشخصيات مستقلة بمواقف منظمة قدماء المحاربين، ووصفوها بـ”المشرفة” و”المتفاعلة” مع الوعاء الحقيقي لأي قوى سياسية أو أهلية في البلاد، لاسيما في ما يتعلق بتطابق تصوّراتها مع تصوّرات أخرى طرحت من عدة جهات لإخراج البلاد من المأزق الذي تتخبط فيه.