الصراع بين الجيش ومحيط بوتفليقة يبلغ مرحلة متقدمة
دخلت وتيرة الصراع بين أجنحة السلطة في الجزائر منحى جديدا، يلمح إلى أن معركة كسر العظم بين سلطة الأمر الواقع الممثلة في المؤسسة العسكرية، وجيوب النظام السابق في شقيه المدني والعسكري، قد بلغت مرحلة متقدمة، بإعلان القضاء عن إحالة عدد من الوزراء ورؤساء حكومات ومسؤولين سامين، على ذمة التحقيق للاستماع إليهم في قضايا فساد مثيرة.
وأعلنت المحكمة العليا الأحد عن مباشرة إجراءات المتابعة القضائية ضد عدد من الشخصيات والوجوه التي شغلت مناصب مسؤولية سامية في نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وعلى رأسها رئيسا الوزراء السابقان عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، فضلا عن عدد من الوزراء الآخرين، بما فيهم مدير حملة بوتفليقة، قبل إلغاء انتخابات أبريل الماضي، عبدالغني زعلان، إلى جانب وزراء وشركاء سياسيين سابقين.
وذكر بيان صادر عن المحكمة العليا بالعاصمة بأنه “عملا بالبند 873 من قانون الإجراءات الجزائرية، تمت إحالة ملفات عدد من المشتبه فيهم من النيابة العامة لمجلس قضاء العاصمة، إلى النيابة العامة للمحكمة العليا، استنادا إلى ملف التحقيق القضائي المنجز من طرف الضبطية القضائية”.
تحذيرات من قوى سياسية من مغبة السقوط في العدالة الانتقامية والانتقائية وتصفية الحسابات
ويعتبر الملف من أثقل الملفات التي عالجها القضاء الجزائري في مسيرته، بسبب ارتباطه بتجاذبات سياسية، حيث يأتي في سياق أحداث الحراك الشعبي الداعية إلى تحقيق تغيير سياسي في البلاد، مقابل سعي السلطة الفعلية الجديدة (المؤسسة العسكرية)، لإقناع الرأي العام بصواب وجدارة تصورها في محاربة الفساد بعيدا عن التصفيات السياسية والحسابات الضيقة، فضلا عن أن المجموعة المعنية هي وزراء ومسؤولون سامون في نظام بوتفليقة.
وتحيل المعاينة الأولية للائحة المعنيين بالمتابعة القضائية، إلى أن الأمر يتعلق بـ”العلبة السوداء” لنظام بوتفليقة، حيث يتواجد فيها وزراء ومسؤولون سياسيون ورؤساء وزراء، وهي المنظومة الأولية التي كانت تكرس دعائم نظام بوتفليقة، رغم غيابه المستمر بسبب المرض، وعدم دستورية الاختطاف الذي تعرضت له السلطة من طرف المقربين منه.
وفضلا عن رئيسي وزراء جاءا بعد الولاية الرئاسية الرابعة (2014)، وهما عبدالمالك سلال وأحمد أويحيى، هناك وزراء وقادة سياسيون لأحزاب من معسكر الموالاة، وعلى رأسهم عمار غول وزير سابق ورئيس حزب تجمع أمل الجزائر ” تاج “، وعمارة بن يونس وزير سابق أيضا، ورئيس الجبهة الشعبية الجزائرية، إلى جانب كل من عمار تو، بوجمعة طلعي، بوعزقي عبدالقادر، عبد السلام بوشوارب، خنفار محمد جمال، والوالي (المحافظ ) السابق للعاصمة عبدالقادر زوخ.
ولا تزال مسألة محاربة الفساد وفتح ملفات المتورطين فيه من طرف القضاء، محل جدل سياسي وتشريعي في الجزائر، في ظل حالة الشكوك والريبة التي تحيط بالعملية، نظير تصاعد وتيرة الصراع بين أجنحة السلطة منذ بداية الحراك الشعبي في الثاني والعشرين مـن فبراير الماضي، وإمكانية تحولها إلى ورقة لتصـفية الحسابات السياسية والشـخصية.
ووضعت قيادة المؤسسة العسكرية، القضية في مقدمة الأولويات المفتوحة، حيث شدد قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، في أكثر من خطاب وتصريح، على أن “المؤسسة العسكرية تثمن تحرر العدالة من الضغوط، وتحيي شجاعتها في فتح ملفات عصابات الفساد السياسي والمالي”.
وحذرت قوى سياسية معارضة وحتى مظاهرات شعبية بالعاصمة ومختلف مدن البلاد، من مغبة السقوط في العدالة الانتقامية والانتقائية وتصفية الحسابات، في ظل المسارعة إلى فتح ملفات الفساد، في الوقت الذي تعرف فيه مؤسسات البلاد هشاشة وعدم استقرار غير مسبوقين.
وذهب ناشطون في الحراك الشعبي إلى ضرورة “تطبيق إجراءات الحذر واليقظة لحماية المقدرات الاقتصادية والمالية للبلاد، من طرف لوبيات الفساد المالي والسياسي، كأن يتم الحجر على ممتلكات أفرادها وحتى سجنهم، لكن محاكمتهم لا بد أن تتأجل لغاية قدوم السلطة والحكومة الشرعية ومراجعة التشريعات والقوانين”.
وكان المسؤولون السامون في الدولة يستفيدون بموجب تشريعات وضعتها حكومات سابقة، مما يعرف بـ”الامتياز القضائي” الذي يوفر الظروف والإجراءات غير المتاحة للجميع عند المثول أمام القضاء، كما يحظى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، بمقاضاتهما لدى محكمة خاصة وردت في البند 177 من دستور البلاد، في حالة الخيانة العظمى أو ارتكاب جرم كبير، إلا أن اللافت أن المحكمة المذكورة لا وجود لها في البلاد ولم تتأسس مطلقا.
ويقضي أفراد النواة الصلبة لنظام بوتفليقة، قرابة الشهر في سجن البليدة العسكري، بتهمة التآمر على مؤسستي الجيش والدولة، دون أن تتوسع ملفاتهم إلى قضايا الفساد ونهب وتبديد المال العام، رغم جزم الرأي العام في مسيرات الاحتجاج بأنهم البؤرة الأولى للفساد.