من يثق بمبعوثي الأمم المتّحدة المتحيّزين
كشفت المهمات التي يتولاها ثلاثة مبعوثين للأمم المتحدة إلى الدول العربية حال العجز التي تعاني منها المنظمة الدولية. كما كشفت هذه المهمات غياب أي أمل في تمكن المنظمة الدولية من تسوية أي مشكلة مطروحة على الصعيد الدولي.
وتعتبر أوساط سياسية غربية تتابع عن كثب مهمات المبعوثين إلى ليبيا واليمن والصحراء المغربية أنّ المبعوث الوحيد بين الثلاثة المنسجم مع نفسه هو هورست كوهلر الذي كلّف بمهمة معالجة قضية الصحراء، فيما لدى كلّ من غسان سلامة المكلف بالموضوع الليبي ومارتن غريفيث المكلف بالوضع اليمني أجندة خاصة به.
وتبين مع مرور الوقت أن كوهلر، وهو رئيس سابق لألمانيا، كان صادقا مع نفسه عندما قدّم استقالته أخيرا متذرّعا بأسباب صحية. لكنّ الأوساط السياسية نفسها تقول إنّ كوهلر اكتشف أخيرا أن القضيّة مفتعلة أصلا وأنها نزاع مغربي جزائري لا أكثر، فيما ليست جبهة بوليساريو سوى أداة جزائرية.
وأوضحت هذه الأوساط أن اكتشاف كوهلر أن الجزائر تقف في الواقع وراء النزاع المفتعل يعني عمليا غياب الأسس السليمة التي يمكن أن يقوم عليها أي حل في ظل إصرار الأمم المتحدة على متابعة جهودها التي تحولت عمليا إلى دوران في حلقة مغلقة.
وجاء انسحاب كوهلر في وقت يصرّ فيه سلامة على متابعة مهمّته على الرغم من تحولّه طرفا في الصراع الدائر على الأرض الليبية. في المقابل، فقد غريفيث ثقة “الشرعية” اليمنية بعدما عمل كلّ ما يستطيع من أجل تحويل الحوثيين إلى الطرف الوحيد الذي يفاوض “الشرعية” في ظل أنباء عن استمرار تهريب الأسلحة إلى تلك المجموعة الموالية لإيران، بل التابعة لها، عبر ميناء الحديدة.
وسلط انتقاد الحكومة الشرعية في اليمن لمهمة غريفيث الضوء على صحة السلوك الذي ينتهجه كافة المبعوثين الدوليين في ملفات المنطقة.
ووجّهت إلى المبعوثين الدوليين انتقادات تتهمهم بالانحياز وتسخير المهام التي أوكلت إليهم خدمة لمصالحهم وأجنداتهم الشخصية، أو أنهم يخضعون لإرادات الدول على نحو يحوّل المبعوث الدولي إلى دبلوماسي يعمل لصالح هذه العاصمة أو تلك.
واعتبرت مصادر دبلوماسية أن المشكلة تكمن في أن الأمم المتحدة تعين مندوبين في أغلب الأحيان تعيينا اعتباطيا ثم تترك لهم المسألة بلا توجيه أو مراقبة فيتصرفون وفق أهوائهم، وقد فشل المندوبون من قبل في العراق وسوريا.
ويرى محللون أن هذه القضية ترفع من منسوب التشكيك بوجاهة وجود منظمة الأمم المتحدة وتقوي من حجج من ينادون بإدخال إصلاحات تاريخية على عملها وفق ما كان ينادي به الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
واتهم قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر في مقابلة مع صحيفة لوجورنال دو ديمانش الفرنسية مبعوث الأمم المتحدة الخاص غسان سلامة بأنه تحوَّل إلى “وسيط منحاز″ في النزاع الليبي.
وقال حفتر إن “تقسيم ليبيا، ربما هذا ما يريده خصومنا. ربما هذا ما يبتغيه غسان سلامة أيضا”. وأضاف “لكن طالما أنا على قيد الحياة، فلن يحدث هذا أبدا”.
وآخر تصريحات سلامة المثيرة للجدل قوله إن ليبيا بلد “يقدم على الانتحار” ويبدد الثروة النفطية لتسديد كلفة الحرب، في إشارة إلى أن الأمور تسير عكس ما يريده، وأن الأوضاع في ليبيا تحتاج إلى حل آخر غير الحل الذي كان يريد فرضه من بوابة مؤتمر غدامس، والذي كان يواجه بانتقادات واسعة لكونه سينتج نظاما سياسيا هجينا ويسلم البلاد للميليشيات.
ويتهم سلامة على نطاق واسع بأنه منحاز ضد الجيش الوطني الليبي وقائده المشير خليفة حفتر الذي يتقدم مع مرور الوقت ليصبح الرجل رقم واحد في ليبيا، وهو ما يرفضه سلامة الذي يأمل أن يستمر النزاع باستمرار تكافؤ القوى بين المتخاصمين، ما يسمح له بالاستمرار في مهمته والظهور بشكل دائم تحت الأضواء.
واتهم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في رسالة قبل أيام إلى الأمين العام للأمم المتحدة، غريفيث بـ”العمل على توفير الضمانات للميليشيات الحوثية للبقاء في الحديدة وموانئها تحت مظلّة الأمم المتحدة”.
ورد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن منظمته تتصرف كـ”وسيط محايد” في اليمن بعد اتهامات الرئيس اليمني لغريفيث بالانحياز للمتمرّدين الحوثيين.
وقال غوتيريش في رسالة إلى هادي كشف عنها، الأحد، أنه وغريفيث أيضا يأخذان “المخاوف المشروعة” التي أبدتها الحكومة اليمنية “على محمل الجد”.
وأكد التزام منظمته بأن تكون “وسيطا محايدا وموثوقا فيه في عمليات السلام”.
وشدد على أن المنظمة الدولية لن تدّخر جهودها “للحفاظ على الموقف المحايد المتوقع من الأمم المتحدة”. وأضاف الأمين العام “بإمكاني أن أؤكد لكم أن الأمم المتحدة لا تملك أي نية لإقامة إدارة دولية في الحديدة”. وسبق وأن طالت انتقادات مبعوثي الأمم المتحدة إلى سوريا، كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا.
ويرى مراقبون أن التفويض الذي تمنحه المنظمة الأممية لموظفيها يتحوّل بعد ذلك إلى جهد شخصي ذاتي التوجهات لا يخضع لأي مواكبة أو رقابة من الأمانة العامة، فيما تكتفي المنظمة بأخذ العلم حول أنشطة المبعوثين من خلال التقارير والإحاطات الدورية الروتينية التي تقدم إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة.