عقد مشروع قانون إصلاح التعليم بالمغرب مهدد بالانفراط

أكادميون مغاربة يدعون إلى تعديل مشروع قانون التعليم، وفتح نقاش وطني حول مستقبل اللغات في المدرسة المغربية.

لم يتمكن مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) من بدء إجراءات المصادقة على مشروع القانون الإطار للتربية والتعليم، بسبب خلاف حول لغة التدريس، ليلقي بظلاله سلبا على مشروع إصلاح التعليم ويرجئ المصادقة على قانون بهذا الشأن لأكثر من مرة.

تسعى الحكومة المغربية إلى إكمال عقد إصلاح التعليم، من خلال مشروع قانون (مشروع القانون الإطار للتربية والتعليم)، قيد الدراسة في البرلمان حاليًا. غير أن النقابات والمعلمين المتعاقدين، الذين يشكلون بعض حبات هذا العقد، لهم رأي آخر؛ بشأن رفض إلغاء مجانية التعليم والتوظيف وفق نظام التعاقد، وعدة نقاط أخرى. غير أن الجدل محتدم حاليا حول لغات التدريس والتناوب اللغوي، إذ ينتقد الكثير من المغاربة تدريس العلوم بغير لغة البلد، الأمر الذي يهدد بإسقاط مشروع القانون.

ومطلع الموسم الدراسي الحالي، عممت وزارة التربية الوطنية المغربية قرارًا بتدريس المواد العلمية والتقنية في المرحلة الثانوية بالفرنسية، في وقت لا يزال مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين لم ينته التصديق عليه (بعد مصادقة البرلمان بغرفتيه عليه ينشر بالجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ).

لكنّ مثقفين وسياسيين ووزراء سابقين رفضوا في عريضة موجهة إلى رئيس الحكومة، سعدالدين العثماني، المضامين المتعلقة بالاختيارات اللغوية في القانون الإطار، بصيغته المعروضة حاليا على البرلمان.

ووقعت أكثر من 150 شخصية سياسية وأكاديمية بالمغرب، عريضة تطالب بالحيلولة دون اعتماد الفرنسية في التدريس. وطالبت العريضة بتعديل وتغيير عدد من المواد في مشروع قانون إصلاح التعليم. ودفعت احتجاجات المثقفين والنقابات ومنظمات مدافعة عن اللغة العربية، واعتراض نواب حزب العدالة والتنمية، بالحكومة نحو السعي للتخفيف من حدة التوتر، ووافقت،الخميس، مبدئيا على عدد من التعديلات المتعلقة بـمجانية التعليم والتوظيف وفق نظام التعاقد، بينما مازالت متشبثة باعتماد اللغات الأجنبية للتدريس.

وأكد الموقعون على العريضة التي تشمل أيضا العديد من المحامين، وعدد من المفكرين والأساتذة الجامعيين والحقوقيين، أن المسألة اللغوية ليس اختيارا عرضيا ولا أمرا هامشيا يمكن حسمه بهذه العجلة، وهو ما يقتضي ضرورة فتح حوار وطني موسع حول المسألة اللغوية في المدرسة المغربية، وإشراك المختصين وفعاليات المجتمع المدني في ذلك، بعيدا عن التشنجات والصراعات المفتعلة.

واعتبر الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان أحمد نشناش، وهو أحد الموقعين على العريضة، أن تدريس اللغات مهم، لكن لا يجب أن ننتقل هكذا إلى التدريس بهذه اللغات في مجموعة من المواد، ونحن لم نعالج بعد إشكالات كثيرة تعاني منها المدرسة العمومية.

وكشف رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية فؤاد بوعلي أن الائتلاف يعتزم تدشين عريضة مليونية شعبية مفتوحة لأجل تعبئة كل الطاقات والكفاءات المجتمعية لأجل المطالبة بتعديل القانون الإطار.

وأضاف فؤاد بوعلي ، أنه إذا كانت الرؤية الاستراتيجية قد اختارت بعد نقاش طويل، أن تتخذ موقفا وسطا بين التدريس بالعربية والتدريس باللغات الأجنبية من خلال تبني خيار بيداغوجي سائد في العديد من الدول الأوروبية يقضي بتدريس بعض المضامين أو جزء من بعض المواد باللغات الأجنبية، إلا أن مشروع القانون فاجأ الرأي العام، حينما تماهى مع موقف الوزارة الوصية ونص على “تدريس بعض المواد، ولاسيما العلمية أو التقنية منها أو بعض المضامين أو جزء من بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية”.

ويرى مؤيدو التعريب أن اللغة العربية من شأنها أن تؤدي إلى الاستقلالية الثقافية عن المستعمر الفرنسي، مسنودة في ذلك بالشرعية التاريخية والدينية والسياسية، في المقابل يرى معارضو هذا التمشي أن سيرورة التعريب عبارة عن خطاب أيديولوجي طوباوي بسبب محدودية العربية في نقل العلوم. وحسب هؤلاء فإن تدريس العلوم باللغات الأجنبية ضروري باعتبارها تواكب الانفجار المعرفي الذي يحدث في العالم مثل العلوم الفيزيائية والرياضيات والهندسة والطب.

وأمام حدة التباينات حول لغة تدريس العلوم اقترح فؤاد بوعلي ضرورة إعادة تعريف التناوب اللغوي في المغرب وفق المتعارف عليه دوليا، لضبط العلاقة بين اللغات الرسمية وليس مع اللغات الأجنبية فقط. كما دعا إلى تعزيز اللغة العربية في التعليم العالي خصوصا في كليات العلوم، بسبب التراجع المهول في المستوى المعرفي واللغوي للطلبة، وإعداد آليات بيداغوجية لحل مشكل لغة التدريس مع النهوض باللغة الأمازيغية، باعتبارها لغة رسمية للمغاربة.

واللغة العربية بمعايير السياسات اللغوية اليوم لا يمكن أن تنفرد بالمرجعية العلمية. وحسب عبدالقادر الفاسي الفهري، العضو السابق في اللجنة الملكية لإصلاح نظام التربية والتكوين، لا بد أن تكون مدعومة في ذلك باللغة الإنكليزية المرجعية العلمية الأولى عالميا لإنجاح عملية التكوين والبحث العلمي. ويشير خبراء في التربية والتعليم أن تبني نموذج لغوي-مرجعي ثلاثي في ما يخص تدريس العلوم، الطبيعية منها والإنسانية، يمثل حلا ملائما بوسعه أن ينهي هذا الجدل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: