السجائر الإلكترونية تعرقل مقاومة الجسم للفيروسات
يعتقد مدخنو السجائر الإلكترونية أنهم في معزل عن الخطر بمجرد الابتعاد عن السجائر التقليدية. ويرتكزون في ذلك إلى أن تحول النيكوتين إلى سائل متبخر يقلل من خطورته المرتبطة بحرقه في السجائر العادية. ومع أن الباحثين يقرون بانخفاض خطر الإصابة بالسرطان بتدخين السجائر الإلكترونية فهم يؤكدون أيضا وجود مخاطر أخرى قد تؤدي إلى الوفاة.
كشفت دراسة أميركية حديثة أن السجائر الإلكترونية قد تقلل من قدرة الجسم على مكافحة الفيروسات، وتحديدًا فيروسات الإنفلونزا. الدراسة أجراها باحثون في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية، وعرضوا نتائجها، أمام مؤتمر جمعية الصدر الأميركية بمدينة دالاس.
وعادة يلجأ بعض الأشخاص، للسجائر الإلكترونية طمعا في قلة آثارها الجانبية، أو كمحاولة للإقلاع عن التدخين. وتعمل السجائر الإلكترونية عن طريق سخان حراري لتسخين سائل يحتوي على النيكوتين الموجود داخلها، ليتحول السائل إلى بخار النيكوتين الذي يستنشقه المدخنون بدلا عن حرقه كما في السجائر المعتادة.
ولكشف العلاقة بين تدخين السجائر الإلكترونية والإصابة بفيروسات الإنفلونزا، راقب الباحثون مجموعة من الأشخاص الأصحاء الذين تم حقنهم بنسخة مخففة من فيروس الإنفلونزا، لقياس الاستجابة المناعية الفطرية لفيروسات الإنفلونزا. وكان من بين من أجريت عليهم الدراسة من يدخنون السجائر الإلكترونية، وآخرون لا يدخنونها.
ووجد الباحثون أن من يدخنون السجائر الإلكترونية بأنواعها، انخفضت لديهم استجابة جهاز المناعة الذي يعمل كمضاد للفيروس، ما زاد من انتشاره في أجسادهم، مقارنة مع غير المدخنين الذين قامت مناعتهم بمهاجمة الفيروس. وكشف الباحثون أن تدخين السجائر الإلكترونية عدّل نظام الدفاع المضاد للفيروسات في الجهاز التنفسي، وجعله عرضة بشكل أكبر لتداعيات فيروس الإنفلونزا.
وكانت دراسات سابقة كشفت أن النكهات المستخدمة في السجائر الإلكترونية تسبب استجابات التهابية وتأكسدية في خلايا الرئة، كما أن آثار تلك النكهات يمتد إلى الدم، فهي سامة وتتسبب في الموت المبرمج لخلايا الدم البيضاء.
ومن بين هذه الدراسات التي أثبتت أن السجائر الإلكترونية يمكنها إتلاف بعض الخلايا الحيوية في الجهاز المناعي، وإلحاق ضرر أكبر مما كان يُعتقد سابقا، دراسة طبية، أشرف عليها، ديفيد تشيكت، الأستاذ في جامعة برمنغهام ونقلتها هيئة الإذاعة البريطانية عن دورية (ثوراكس).
وفي الوقت الذي ركّزت فيه الدراسات السابقة على التركيب الكيميائي للسائل المستخدم في السجائر الإلكترونية قبل استنشاقه، ابتكر الباحثون في هذه الدراسة الطبية، إجراءً ميكانيكيا لمحاكاة تدخين السجائر الإلكترونية في المعمل، وذلك من خلال استخدام عيّنات من أنسجة رئوية تبرع بها ثمانية أشخاص غير مدخنين.
وتوصل الباحثون إلى أن دخان السيجارة الإلكترونية سبب التهابا وأعاق عمل الخلايا الغبارية الموجودة في الحويصلات الرئوية، وهي الخلايا التي تزيل جزيئات الأتربة الضارة، والبكتيريا والمواد المثيرة للحساسية.
وقال الباحثون إن بعض الآثار التي نجمت عن التجربة كانت شبيهة بتلك التي يعاني منها المدخنون التقليديون والمرضى المصابون بأمراض الرئة المزمنة. لكنهم أشاروا إلى أن هذه النتائج جرى التوصل إليها فقط في بيئة مخبرية، ونصحوا بإجراء مزيد من الأبحاث لزيادة فهم الآثار الصحية على المدى الطويل، ولفتوا إلى أن التغيرات التي سُجّلت حدثت فقط على مدى 48 ساعة.
وأكدت دراسة أميركية أخرى أن دخان السجائر يقوي الجراثيم ويجعلها أكثر شراسة ومقاومة لجهاز المناعة وللعقاقير والمضادات الحيوية. وأجرى الدراسة باحثون بكلية الطب بجامعة كاليفورنيا، ووجدت أن دخان السجائر يمكن أن يجعل جرثومة “مارسا” التي تسمى أيضا بكتيريا المكورات العنقودية، شديدة المقاومة وأكثر عدوانية في مهاجمة الجسم.
واختبر فريق البحث تأثير دخان السجائر على الجراثيم، ووجدوا صعوبة كبيرة في قتل جرثومة “مارسا” التي تعرضت لدخان السجائر، بالمقارنة مع الجرثومة التي لم تتعرض للدخان. واكتشف الباحثون أن دخان السجائر يقوي الجراثيم عن طريق تغيير جدران الخلايا، ويجعلها أكثر مقاومة للجهاز المناعي وللمضادات الحيوية.
و”مارسا” هي جرثومة قد توجد على جسم الإنسان دون أن تسبب عدوى، وعند حدوث أي تشققات أو خدوش بالجلد فإن هذه البكتيريا قد تتسبب في بعض الالتهابات والقروح. لكن الأمور تختلف تماما عندما تصيب تلك البكتيريا ذوي المناعة الضعيفة، مثل حديثي الولادة أو كبار السن أو مرضى السكري وزراعة الأعضاء والسرطان.
السجائر الإلكترونية تعمل عن طريق سخان حراري لتسخين سائل يحتوي على النيكوتين الموجود داخلها وتحويله إلى بخار
وقال تشيكت إنه بالرغم من أن السجائر الإلكترونية أكثر أمانا من السجائر التقليدية، إلا أنها قد تكون ضارة على المدى الطويل، خاصة وأن الأبحاث حولها مازالت في مراحلها الأولى. وأضاف أنه “بالنظر إلى الجزئيات المسببة للسرطان في دخان السيجارة، هناك بالتأكيد عدد أقلّ من تلك المسببات في دخان السجائر الإلكترونية”.
وأوضح “السجائر الإلكترونية آمنة في ما يتعلق بخطر السرطان، لكن إذا استخدمت السجائر الإلكترونية على مدى 20 أو 30 عاما، ربما يؤدي ذلك إلى الإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن، وهو ما نحتاج إلى بحثه ومعرفته”.
وأردف “لا أعتقد بأن السجائر الإلكترونية أكثر ضررا من السجائر العادية، لكن يتعيّن توخي الحذر إذ قد لا تكون آمنة بالقدر الذي نعتقده”. وأشار مارتن دوكريل، رئيس مكافحة التبغ في هيئة الصحة العامة في إنكلترا، إلى أن “السجائر الإلكترونية ليس آمنة بنسبة 100 بالمئة، لكنها بكل وضوح أقلّ ضررا من التدخين التقليدي”.
وتابع أن “أي مدخن يفكر في الإقلاع عن التدخين واستخدام السجائر الإلكترونية عليه التحول إليها فورا ودون أي تأخير”. يذكر أن منظمة الصحة العالمية نشرت تقريرا في 2015 حذّرت فيه من أن السجائر الإلكترونية تحتوي على مواد سامة ضارة بالصحة.